تقارير

مخيمات السوريين في لبنان برد قارس وطوفان

قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إنّ اللاجئين السوريين في بلدة عرسال اللبنانية الحدودية مع سوريا ليست لديهم بُنى ملائمة لتأويهم خلال أشهر الشتاء القاسية. نشرت هيومن رايتس ووتش فيديو يظهر الظروف القاسية التي يعيشونها.

يواجه أكثر من 15 ألف لاجئ سوريّ في عرسال شتاءهم الثاني منذ صدور قرار في 2019 عن “مجلس الدفاع الأعلى”، الذي يترأسه رئيس الجمهورية والمسؤول عن تطبيق استراتيجية الدفاع الوطني، بتفكيك البنى التي تأويهم. أرغمهم القرار على العيش من دون سقف وعزل ملائِمَيْن، واضطُرّهم على تحمّل ظروف الشتاء القاسية، بما فيها درجات حرارة دون الصفر وفيضانات.

قالت ميشال رندهاوا، منسّقة أولى لحقوق اللاجئين والمهاجرين في هيومن رايتس ووتش: “ما تزال ظروف عيش اللاجئين السوريين في عرسال الذين أُرغموا على تفكيك ملاجئهم في 2019 قاسية. أوضاعهم، بالإضافة إلى قيود الحركة للحدّ من تفشّي فيروس “كورونا”، تهدّد سلامتهم وحياتهم”.

في نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأوّل، عاد باحثون من هيومن رايتس ووتش إلى عرسال لمقابلة سبعة لاجئين كانت قد تمت مقابلتهم للمرّة الأولى في صيف 2019 لتقييم وقع تدمير ملاجئهم على مستوى معيشتهم، تحديدا إمكانية حصولهم على مسكن ملائم خلال أشهر الشتاء. وصف اللاجئون ظروف الحياة القاسية. كما قالوا إنّهم يفتقدون إلى المعلومات والموارد لمنع تفشي فيروس كورونا.

وصف اللاجئون السبعة الذين تمّت مقابلتهم الظروف الجوية القاسية وموادّ البناء غير الملائمة. بسبب غزارة الأمطار والفيضانات، قال أربعة منهم إنّ العفن تشكّل على الخشب المُستعمل في إعادة بناء الأجزاء العلوية من ملاجئهم. ذكر البعض أنّ العفن تسبّب بمشاكل صحية للأطفال ولأقرباء مُصابين بالربو.

قالت لاجئة سورية من حمص إنّ ابنتها تسعل بسبب العفن، مضيفة: “أعطتنا [منظمة غير حكومية] شادرا واحدا لتغطية السقف، واشترينا الباقي بأنفسنا. ليس لدينا إلّا خمسة أحجار باطون للحماية، وما تبقّى هو خشب. تتسرّب المياه من تحت الجدران، وتفوح رائحة نتنة من العفن”.

تقع عرسال في البقاع، في منطقة جبلية على الحدود مع سوريا تُعرف بشتائها القاسي. تركت عاصفة في الشتاء الماضي تأثيرا مدمّرا على عرسال. لم يبقَ للاجئين الذين اضطُرّوا إلى تفكيك ملاجئهم قبل سبعة أشهر سوى أسقف من الخشب الرقيق والشوادر لحمايتهم من الثلج الكثيف والرياح الشديدة. انخفضت درجات الحرارة المسجّلة حينها إلى 10 درجات تحت الصفر.

يرتكز قرار مجلس الدفاع الأعلى الصادر في 2019 على قانون البناء اللبناني رقم 646 الذي ينصّ على أنّ موادّ البناء غير الدائمة فقط، مثل الخشب، والحجر، والقماش، يمكن استعمالها للبناء على أراضٍ زراعية، وأنّ البنى الإسمنتية بالكامل، بما فيها الأُسُس الإسمنتية، ممنوعة. على الرغم من أنّ قانون البناء موضوع منذ 2004، ظلّ تطبيقه غير سارٍ إلى حدّ كبير حتى صدور قرار 2019. لا يمكن أن تتضمّن موادّ البناء للجدران العلوية والأسقف سوى الخشب والشوادر. يسمح قرار 2019 ببناء أساس بارتفاع خمسة أحجار باطون، أي نحو متر واحد، للملاجئ في عرسال. في النواحي الأخرى من البلاد، لا يمكن أن تتخطّى البنى الصلبة ارتفاع حجرين باطون.

طُبّق القرار أوّلا في عرسال، حيث أُعطي اللاجئون السوريون مهلة نهائية حتى 1 يوليو/تموز 2019 لتفكيك ملاجئهم أو المخاطرة بأن يدمرها “الجيش اللبناني”. بحلول 1 يوليو/تموز، جرف الجيش 20 ملجأ مخالفا. مُنح اللاجئون في عكّار في شمال لبنان حتى 7 أغسطس/آب 2019، وبحلول 8 أغسطس/آب، دمّر الجيش جزئيا 350 ملجأ مخالفا في عكّار.

منذ الاشتباكات في عرسال في 2014 بين الجيش وتنظيم “الدولة الإسلامية” (المعروف بـ “داعش”) و”جبهة النصرة” (جماعة مسلّحة تُعرف الآن بـ “هيئة تحرير الشام”)، نفّذ الجيش مداهمات عسكرية متكرّرة لمخيمات اللاجئين هناك. عرسال والمخيّمات الواقعة ضمن الحدود محاطة الآن بحواجز عسكرية تقيّد الحركة داخل البلدة والمخيّمات وخارجها.

احتدّ التوتّر بشكل دوريّ بين بعض أفراد المجتمعات اللبنانية المضيفة وبعض اللاجئين منذ بدء الحرب الأهلية السورية منذ نحو عقد. في نوفمبر/تشرين الثاني، زُعم أنّ لاجئا سوريا قتل مواطنا لبنانيا في بلدة بشرّي في محافظة لبنان الشمالية التي تبعد ساعتين عن عرسال. بعد فترة وجيزة، طالبت مجموعة من السكّان اللبنانيين بإجلاء السوريين من المنطقة وأحرقوا منازل اللاجئين في البلدة، ما أدّى إلى فرار مئات اللاجئين السوريين.

في نهاية ديسمبر/كانون الأوّل، أحرق بعض السكّان اللبنانيين مخيّما مجاورا للاجئين السوريين على خلفية شجار بين أسرة لبنانية وعاملين سوريين في المنية شمال طرابلس، ما أدّى إلى نزوح المئات منهم.

تفتقد برامج الاستجابة الإنسانية للاجئين السوريين في لبنان التي تؤمّن الملجأ لهم إلى التمويل بشكل كبير. بحسب “تحديث 2020 حول خطّة الاستجابة للأزمة في لبنان”، وهو جهد مشترك بين الحكومة اللبنانية والشركاء المحليين والدوليين لمعالجة احتياجات الفئات السكّانية الضعيفة في لبنان، كانت المجموعات التي تؤمّن الملاجئ بحاجة إلى 155.6 مليون دولار تقريبا، وحتى نوفمبر/تشرين الثاني، لم تكُن قد أمّنت سوى 27 مليون دولار من التمويل، أي 17% فقط.

بسبب التضخم المتسارع في لبنان، واجه اللاجئون السوريون في البلاد ارتفاعا كبيرا في الأسعار والإيجارات، ما أرغمهم أحيانا على الاختيار بين شراء الطعام والحاجيات الأساسية أو تسديد الفواتير. وفق النتائج الأوّلية لعام 2020 لـ “تقييم جوانب ضعف اللاجئين السوريين في لبنان”، المُشترك بين “برنامج الأغذية العالمي”، و”المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، و”منظمة الأمم المتحدة للطفولة” (اليونيسف)، تبيّن أنّ الأزمة الاقتصادية وتفشي فيروس كورونا دفعا 89% من اللاجئين السوريين في لبنان إلى ما دون خطّ الفقر المدقع.

يفتقد نصف اللاجئين السوريين في لبنان الآن إلى الأمن الغذائي. عبّر ثلاثة من اللاجئين الذين تحدّثت إليهم هيومن رايتس ووتش عن قلقهم إزاء ارتفاع تكاليف إرسال أطفالهم إلى المدارس، ودفع الإيجارات وفواتير الكهرباء. قال لاجئ سوريّ من دمشق: “ندفع إيجارا أعلى من السابق. كنّا ندفع 125 ألف ليرة لبنانية في الشهر، بينما يصل الإيجار الآن إلى 300 ألف ليرة لبنانية في الشهر بسبب الوضع”.

أعرب جميع اللاجئين السوريين الذين أجرينا مقابلة معهم عن مخاوفهم بسبب قلّة المعلومات والموارد المتوفّرة لهم لتجنّب تفشّي فيروس كورونا. قال ثلاثة منهم إنّ مجموعة تقدّم المساعدات زارتهم مرّة فقط، منذ ظهور الوباء، وأعطتهم كمّامات ومعقّمات. أفاد أغلبية اللاجئين بأنّهم لم يعرفوا بمَن يتّصلون أو ماذا يفعلون إذا ظهرت عوارض على أحد أفراد أسرتهم. قال اللاجئ نفسه: “في البداية، أعطونا علبة من اللوازم لفيروس كورونا. لم يأتوا سوى مرّة واحدة. إذا مرض أحدهم، ما من أطبّاء نتّصل بهم”.

منذ بدايات مارس/آذار، تستعمل البلديات اللبنانية تفشي فيروس كورونا لفرض حظر تجوّل تمييزي وقيود على الحركة تنطبق فقط على اللاجئين السوريين. عبّر أغلبية الأشخاص الذين تمّت مقابلتهم عن مخاوفهم من عجزهم عن الحصول على الموارد الصحية واللوازم الأساسية وسط هذه القيود التمييزية والوصمة. قالت اللاجئة من حمص: “الفارق بيننا وبين اللبنانيين الذين يعيشون هنا هو أنّنا لا نستطيع مغادرة منازلنا”.

أنهكت الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وانفجار مرفأ بيروت المدمّر، وتفشّي فيروس كورونا القطاع الصحي في لبنان. بلغت المستشفيات تقريبا قدرتها الاستيعابية بينما حذّر عاملو الصحية من “كارثة” ناجمة عن فيروس كورونا.

وضعت مفوّضية اللاجئين ومنظمات شريكة خطط الاستجابة لفيروس كورونا لمجتمعات اللاجئين في لبنان، لكنّ مشاركة المعلومات تختلف بين المناطق. ذكرت المفوّضية أنّها ستغطّي كلفة الفحص والعلاج فقط إذا اتّصل اللاجئ أوّلا بالرقم الساخن لوزارة الصحة واتّبع التعليمات.

على الرغم من ظروفهم المعيشية القاسية، لم يقُل أيّ من اللاجئين السوريين الذين تمّت مقابلتهم إنّ الوضع في سوريا آمن بما فيه الكفاية لعودتهم.

قالت هيومن رايتس ووتش إنّه على الحكومة اللبنانية والمنظمات والحكومات المانحة أن تضمن الحماية الكاملة لحقّ الجميع في مسكن ملائم، بما في ذلك تقديم دعم معزّز لتأهيل منازل اللاجئين السوريين للشتاء لحماية الأسر الضعيفة من العوامل الجوية، ولتمكينها من العيش بأمان وكرامة. ينبغي أن يستمرّ المانحون في حثّ الحكومة اللبنانية على مراجعة سياساتها حول الموادّ المسموحة في المخيمات غير الرسمية والسماح بتوزيع موادّ أكثر متانة لبناء الملاجئ.

قالت رندهاوا: “في ظلّ افتقادهم إلى مساكن ملائمة، وقيود الحدّ من تفشي فيروس كورونا، والتضخّم المستفحل، يحتاج اللاجئون السوريون في لبنان إلى المساعدة بشكل عاجل، خصوصا خلال هذه الأشهر القاسية في الشتاء”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى