كتاب الموقع

كتبت ليندا حمورة | العمالة والخيانة: عقبات في طريق تقدم لبنان

ليندا حمورة | كاتبة وباحثة لبنانية

كثُرَ الحديثُ عن تفاصيل حادثة اغتيال العاروري، ولكن الواقعة وقعت من مسيرة طائرةٍ حربيةٍ من حيثُ لا تُحتَسَب، فهي تمتّ بمؤازرةٍ عربيةٍ بتخطيطٍ بارعٍ من هواة التجسس والخيانة والعمالة. هذه الحادثة تضرب عمق بيروت محددةً، موجهةً فيها رسائل كبيرةً أكبر بكثير من حجم التصريحات المزيفة.

لستُ أدري لماذا أخذتني الذاكرة إلى تلك الدولة العظمى التي بنت منذ القدم سورًا عظيمًا ظنًا منها بأنّه سيقيها من الغزوات، وأنه ليس باستطاعةِ أحدٍ تسلُّقه، ولكن الصين في المئة الأولى من بنائها لذلك السور تعرضت للغزو ثلاثَ مرَّات. وللأسف، لم تكن الغزوات من خلال تسلُّق ذلك السور العظيم، بل جميعُ من مَرَّ عبروا من المدخل الرئيسي من خلال رشواتٍ تُعْطى للحارس. هنا تيقنت الصين بأن بناء السور لم يكن مهمًا بقدر بنائها للإنسان.

نحن اليوم وبحكم الظروف المريرة التي يعيشها شعبنا، تكاثرت الفيروسات الفكرية، وتغلغلت الأوبئة في عقول الكثيرين، واستشرست الضمائر. فبات من السهل جدًّا العبور إلى باب الثروة عن طريق العمالة والخيانة. الوطن الذي نعيش على أرضه لا يضمن لنا حقًّا واحدًا من حقوق الحياة الكريمة. فكيف نحافظ على أجيال نحاول تدريبها وترويضها على حب الوطن، وهم يُقتَلون في اليوم الواحد آلاف المرات! ماذا ننتظر من ابن يحمل والدته المريضة بين ذراعيه ويدخلها مركز الطوارئ في أحدى المستشفيات ليجيبونه بأن الدواء الذي تأخذه غير متوفر! بحقِّ الإله، كيف لنا أن نكمل سيرنا في وطن سدّت به كلَّ سبل العيش؟ صحيح أن الفقر ليس عيبًا ولا عارًا، ولكن أضعف الإيمان أن نحيا بكرامةٍ وعزّةٍ وضمير. وطن صغير كلبنان يعيش شعبه فراغًا رئاسياً وأزمةً اقتصاديةً، وسلبًا ونهبًا علنيًا من أصحاب المصارف لهذا الشعب المسكين، وسكونًا قضائيًا وفوضىً حكومية.

نحن اليوم علينا إنقاذ ما تبقّى من هذا البلد وعدم جرفه إلى عصور حجرية لا مكان لها في عصر التطور والتكنولوجيا. ابحثوا عن اللبِّ ولا تأخذكم القشور إلى أماكن بالية وغير صحيحة. لدينا في الداخل أعداءً أكثر بكثير من أعداء الخارج، ولولا وجودهم لما استطاع أحدٌ اختراق أمننا وسلمنا. اليوم نحن بحاجةٍ لمعاقبةِ العدو الذي يسكن بيننا قبل محاسبة العدو الخارجي. خيانة الوطن جريمةٌ خطيرةٌ ويجب المعاقبةُ عليها بأقسى درجات العقوبة، وفقًا للقانون اللبناني يمكن أن يواجه العميل عقوبةَ السجن لفترةٍ لا تقل عن العشر سنوات أو الإعدام. ولكن أين نحن اليوم من هذا القانون؟ ولماذا لا يعاقب العميل بهذه الطريقة؟ أسئلة كثيرة نسألها في بلد تضيع فيه الأسئلة ولا نجد لها إجابات، ونعود لمقولة: “على من ترمي مزاميرك يا داود؟”

لا بناء للوطن قبل أن نبني أنفسنا ونبني أجيالًا تحمل مسؤوليات وطنيةً كبيرة. لا وجودَ لسلام في وطنٍ ينخره السوس الطائفي والحزبي. وطن أصابه الصدأ وتعفَّن، فبأي دواءٍ نبيد هذا الكم الهائل من الأمراض ؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى