مشهديات

كتبت ليندا حمّورة | حب عبر الأثير الالكتروني

ليندا حمّورة | كاتبة واديبة لبنانية

الحب كلمة صغيرة بحجمها ولكنها عالم واسع بما تحمله من معان، فلم يكن الحب يوماً إلا وسادة ناعمة يتكئ عليها كل مخلوق يبحث عن السعادة، وما حملته الأساطير والروايات عن قصص الحب ليس إلا تجسيدًا لحقائق تاريخية بعيدة كل البعد عما وصلنا اليه اليوم مع عالم التكنولوجيا والانترنت، ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه أين نحن اليوم من الحب ؟
لا يمكننا اليوم الرجوع إلى الوراء ولكن باستطاعتنا إلقاء نظرة قصيرة على ما صوّره التاريخ من قصص عشق وهيام، ومن مفاهيم اختلطت بين الحب العذري والحب الاباحي ، فمن منا يستطيع اليوم أن يقدّس الحب مثل جميل بثينة ويقول لحبيبته : يهواكِ ما عشتُ الفؤادُ فإن أمُت يتبع صدايَ صداكِ بين الأقبر ؟ ومن يستطيع الوفاء لحبيبة واحدة ويخلّد علاقته مثلما خلّدت علاقات قيس وليلى، وعنتر وعبلة، وكثير وعزّة، وروميو وجولييت وغيرهم …؟
نحن اليوم نعيش في عالم يعجّ بالعلاقات العاطفية ويفيض بالمشاعر والأحاسيس ولكن كلها تحجبها شاشات منمّقة ومواقع الكترونية متنوعة، فبات الحب كلمة سهلة تتأرجح بين فتاة واخرى، وأضحت الأحاسيس بعيدة كل البعد عن المشاعر الحقيقية للحب، ففي العالم الالكتروني تجدون العواطف المبعثرة التي تتطاير على صفحات ناعمة لا حدود لها…
إن أكثر ما يشغل الرجل الشرقي هو الجنس، حتى أننا إذا أردنا التكلّم عن هذا الموضوع ننضم إلى خانة اللا أدب، علماً أن هناك نوعان من الجنس، الأول ما تشاهدونه في أفلام ومجلات البورنو واللذين يثيران الغرائز، والثاني ما نشهده في الكتب الأدبية والروايات الحقيقية فهو لإثارة العقول وإستكمال أركان الصورة وإستكشاف سر الحياة ورصد المسكوت عنه، والرغبة فى الحديث بلسان بدلاً من نصف لسان، والتحرق شوقاً إلى تشريح المجتمع عارياً لعلاجه، فالجراحات لاتتم من تحت النقاب!
ولأن الجنس عنصر أساسي في الوجود نرى أن كل الأساطير القديمة والكتب السماوية لم تخجل من الغوص في تفاصيله وهذا لم يفقدها قدسيتها أو احترام محتواها

نبدأ من إيزيس وأوزوريس وجلجامش وعشتار وباخوس وفينوس إلى نشيد الإنشاد وقصة سيدنا يوسف وكتب الفقه والأحاديث التى كان الجنس فيها حاضراً ولم يفقدها رغم ذلك الورع أو ينزع عنها رداء الإحترام والمهابة.
بعد هذه النظرة الواضحة حول مفهوم الجنس أعود لأستكمل حديثي عن العلاقات الالكترونية التي أصبحت مسرحاً كبيراً لتقاذف المشاعر المهترئة، والاحاسيس المخادعة، والشهوات المهجورة والمحجوبة بحجاب المبادىء الاجتماعية والدينية وغيرها … فلا عجب إن رأينا أجيالاً تولد خلف الأثير وتخرج من داخل الشاشات أطفالاً ذنبها الوحيد أنها تكوّنت في رحم التكنولوجيا …
فمهلاً أيها العشاق ! لا تدعوا أناملكم تحرق قلوبكم فربما كلمة من هنا وحرف من هناك يأخذانكم نحو الجحيم ! لا شيء في هذا الكون أجمل من الحب وأرقى وأنقى منه شرط أن يكون مقترناً بالوفاء مصحوباً بالضمير مملوءًا بالطهر والإحترام …ويبقى الحب هو اللعبة الوحيدة التي يشترك فيها اثنان ويكسبان فيها معاً أو يخسران معاً.

الاراء الواردة في النص تعبّر عن رأي الكاتب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى