مقالات مختارة

كتبت عبير بسام | تحركات السويداء “حق يراد به باطل”.. وأهلها متخوفون

عبير بسام | كاتبة وباحثة

فيما الأميركيون على أشد حالات الاستنفار في منطقة التنف بحسب مصدر خاص بموقع “العهد” الاخباري، كان هناك استنفار آخر للجيش العربي السوري في مقابله. وفي مقابل هذا وذاك، ابتدأت بعض التحركات في السويداء والتي تذكّر في أحد أوجهها بما حدث في درعا في العام 2011. وكما كانت تحركات درعا يومها تقتصر على بعض المجاميع، التي قامت الكاميرات بالتركيز عليها ومحاولة تكبير حجمها، الأمر نفسه يحدث اليوم في السويداء. كما أن نفس أسماء المحطات التي تبنت الأخبار على مواقع الإنترنت في العام 2011 ما تزال فاعلة وهي تعمل اليوم في السويداء. فهل ما يحدث محاولة من أجل إعادة التاريخ الى 2011 ارتباطًا بخطة أميركية مدبرة؟ وماذا يريد أهل السويداء؟

مصادر الأهالي في السويداء تؤكد أن المشاركين في الأحداث الأخيرة عددهم لا يتجاوز بضع مئات في محافظة يصل تعداد سكانها الحاليين إلى 450 ألف نسمة، وسكان المدينة عددهم يصل إلى 100 ألف نسمة. هذا مع العلم أن بعض المتظاهرين جاؤوا من الأرياف وحتى من درعا. ولذا فمن أجل فهم ما يحدث في السويداء، علينا فهم ما الذي يريده الأميركيون ويعملون عليه منذ تولى الرئيس الأميركي جو بايدن سدة الحكم في العام 2021، وهو ما بانت نتائجه في شهر تموز/ يوليو الماضي عندما دمج الأميركيون ما يسمى “جيش مغاوير الثورة”، وهم فلول “داعش” و”الجيش الحر”، و”قوات قسد” تحت مسمى “جيش سوريا الحرة”. وقد أعلن الأميركيون أن هذا الجيش سيكون بديلاً للجيش العربي السوري وقوى الأمن في “حماية” الحدود العراقية – السورية من منطقة الجزيرة السورية في شرق الفرات، وحتى مثلث الحدود السورية – الأردنية – العراقية في منطقة التنف في البادية السورية، والإدارة الموحدة بالتأكيد هي قيادة القوات الأميركية في قاعدة التنف.

ما يزال الأميركيون حتى اليوم يأملون بتنفيذ مشروعهم لتقسيم سوريا، وبإقامة قوة متماسكة ضمن جغرافيا متواصلة تصل حتى درعا، وذلك من أجل تعزيز القوة الأميركية في سوريا ووصلها بقواعدها في الأردن، ومن أجل ذلك فقد شهدت محافظة درعا في الأسابيع الماضية عودة تسريب المجموعات الإرهابية المتواجدة في الأردن وفي مناطق مختلفة عبر المحافظة وقامت بتنفيذ عمليات إرهابية ضد الجيش والأمن فيها.

ولاكتمال المشروع الأميركي في الجنوب والشرق السوري يجب ضم مدينة السويداء التي بقيت عصية حتى اليوم بسبب وجود العقلاء فيها. وعلى الرغم من ذلك، إلا أن هناك محاولة لاستغلال التململ في السويداء بسبب سوء الوضع المعيشي، والذي تسبب بالقلق، ليس في السويداء فحسب، بل في جميع المناطق والمدن السورية، خاصة وأن هناك محاولات لإعادة إشاعة أجواء أحداث العام 2011.

تحركات السويداء "حق يراد به باطل".. وأهلها متخوفون

ما أثار الاحتجاجات في السويداء في الأيام الماضية، هو التململ من قرار الحكومة السورية برفع أسعار المحروقات وبخاصة البنزين، وذلك في خطوة تبعت رفع رواتب الموظفين في الدولة بشكل مباشر. ارتفاع أسعار البنزين أثار استياءً عامًا، وهو أمر طبيعي في بلد يعاني من الحصار وحصار قيصر الجائر بالذات، والذي تسبب بانهيارات في سعر الليرة وارتفاع أسعار السلع وخاصة بعد كل هذه السنوات من الحرب العالمية على سوريا. ولكن بعض الجماعات التي تختبئ وراء عدد من المتسوقين في ساحة الكرامة استغلت حالة التململ هذه لتظهر بكاميراتها صورة مغايرة لما يحدث، وخاصة في وقت ما قبل الظهر في مركز المحافظة أي في ساحة الكرامة، وهي الساحة المركزية في المدينة. تماماً كما كان يحدث في درعا 2011، وكما كان يحدث عند تصوير المتسوقين في أسواق دمشق التقليدية في سوق ساروجا أو الحميدية أو سوق الخجا أو…

أما الصورة الحقيقية في المدينة اليوم، فقد نقلها أحد الأصدقاء منها. وكان قد توجه إلى ساحة السير أو الكرامة لينقل حقيقة ما يجري، وهي كالتالي: “السوق مفتوح ما عدا في ساحة الكرامة، وحركة الناس عادية. حاولت الدخول بسيارتي بين الجموع ومن بينهم المتفرجون من أمثالي، والذين لا تصل أعدادهم إلى مئة، ولكني منعت من ذلك من قبل بعض الأولاد المحتجين. وقد زرت بعض الفعاليات التجارية والنقابية، وهم غير راضين عن الشعارات التي يرفعها هؤلاء، والذين لا يقبلون النصح ويبادرون للصراخ على من يحاول نصحهم، هذا مع العلم أن المحلات في الشوارع المقابلة للساحة مفتوحة”. أصحاب هذه المحلات كما أشرنا سابقاً كما باقي الشعب السوري مستاؤون من رفع أسعار البنزين الحر بالذات. سوريا تحتاج إلى وقت من الزمن قبل أن تستطيع أن تمحو آثار الحرب الاقتصادية عليها وبخاصة الحصار، والملفت أن أحداً من هؤلاء المتجمهرين لم يهتف ضد الحصار أو الاحتلال الأميركي لشرق الفرات والذي يمنع عن سوريا نفطها وغازها وحتى قمحها وقطنها.

هؤلاء المحتجون، والذين لا يتجاوز عددهم على طول وعرض محافظة السويداء بضع مئات، تم التأسيس لعملهم من قبل شخص يدعى وحيد البلعوس، وقد ارتبطت أعماله منذ العام 2011، بقيادتين روحية وسياسية خارج سوريا ومعادية لها، وحاول البلعوس الأب، والذي كان يعمل سابقاً في الأمن السوري، فرض نفسه كقيادة روحية إلى جانب القيادات الثلاث الأساسية المعروفة في السويداء وهم الشيخ حمود الحناوي (ابو وائل)، والشيخ حكمت الهجري والشيخ يوسف جربوع. لم يتقبل من أهل السويداء البلعوسين، وحيد وابنه فهد من بعده، سوى بعض العشرات من العملاء مقابل المال الذي صرف عليهم. ولكن القيادة الأخطر هي المرتبطة بشخص اسمه سامر الحكيم، وهو معروف بعلاقته مع القيادة الأميركية في التنف. الحكيم مرتبط بمالك أبو الخير وبحزب اللواء السوري الموجودين في فرنسا. ويبدو بحسب المصادر أن هؤلاء من تعول عليهم المخابرات المركزية في ثلاث دول عظمى هي فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة لتنفيذ المخطط الأميركي بضم مدينة السويداء إلى حزام الحصار الأميركي القادم من شرق الفرات وحتى محافظة درعا.

أخطر ما في هذه التحركات وما يثير قلق المحافظة بأجمعها هو الدعوة لعزل رجال الشرطة والأمن الرسميين وتسليمها لمسلحي التنف ومسلحي السويداء البلعوسيين، وهذا ما يقلق أهل السويداء بالفعل، والأمر الآخر الذي يقلق أهل السويداء هو الشعارات التي يطلقها التحرك والتي يرون فيها فصلاً عن جسم الدولة.
تجد في السويداء أن معظم الناس هم من الحزبيين والمنتمين إلى الأفكار العقائدية، ولكن حتى هؤلاء لا ينفصلون عن قرار القيادات الروحية وعن الإجماع العام الذي تبديه وهو يلخص موقف مئات الآلاف من أبناء السويداء ومواقف آخرين من الوطنيين، الذين يطالبون بمحاربة الفساد والعودة عن قرارات الحكومة المعيشية الأخيرة وحتى بتغيير الحكومة. وهو ما طالبت به دار الطائفة بعد نهاية اجتماعها يوم الخميس إضافة إلى:

أَنْ تُمَارِسَ الْمُؤَسّسَّةَ الأَمْنِيْةَ والشرطية دَوْرَها فِي الْحِفَاظِ عَلى الأَمْنِ وَأَنْ تَكُوْنَ عَونًا للمُوَاطِن لا عليه.
الْمُحَافَظَة عَلى وَحْدَةِ الأَرَاضِي الْعَرَبِيَّة السُّوْرِيَّة وَتَحْقِيْق السِّيَادَة الوطنية.
إعداد دراسة تشغيل معبر حدودي لمحافظة السويداء لإنعاشها اقتصادياً.
كما أهابت بأبنائها عدم قطع الطرقات، والذي يسبب قطع معاشهم وسبل أرزاقهم، وأوصت بالحفاظ على العيش المشترك ومحاربة الفتنة وسدّ أبوابها، وصون المؤسسات الخاصة والعامة من العبث، والتراحم والتعاون على هذه المحن، ونبذ الفرقة والضغائن ومد الأيدي للألفة والاتحاد دون قيد أو شرط.

وفي الحقيقة إن البيان الصادر عن عميد الأسرى السوريين في الجولان المحتل يمثل قمة الوطنية والتي تمثل معظم أهالي السويداء في حقيقة الأمر، والذي دعا فيه إلى الحذر من فوضى وشعارات وهتافات تعيد السويداء والوطن إلى ما حدث في العام 2011. وأهاب المقت بالجميع الالتفاف حول الدولة والجيش العربي السوري.

ما يحدث في السويداء يعد مقلقاً لكل سوريا بجميع أطيافها، ولكنه يعبر فقط عن مجموعة أرادت أن تجعل من لقمة الناس ومعيشتها وقوداً لحرب جديدة ولإعادة إحياء تقسيم سوريا، فما لم يستطع الأميركيون والإسرائيليون فعله عبر مجموعات إرهابية استجلبت من جميع بقاع الأرض يحاولون اليوم فعله من خلال الأمل بصناعة كانتون يمتد من شرق الفرات حتى درعا، والهدف الرئيس من إقامته هو تحقيق أمن “اسرائيل” عبر حصار الحدود السورية من العراق حتى كامل الحدود مع الأردن.

بيان عميد الأسرى السوريين المناضل صدقي المقت الى أهل السويداء:

“اهلنا الاوفياء في جبل العرب الاشم.. جبل الثائر الكبير سلطان باشا الاطرش.. اتوجه اليكم من على ارض الجولان العربي السوري المحتل.. الجولان المنتفض بوجه الاحتلال الاسرائيلي.. الجولان المتمسك بهويته وبوطنه الام سورية.. شعبا وجيشا وقيادة.. اتوجه باصدق التحيات وانبل مشاعر الفخر والاعتزاز بهذا الجبل الشامخ.. وبهذا التاريخ المشرف المليء بالبطولات والكرامة والعنفوان.
اهلنا الاوفياء.. انتم من علّم العالم كله معنى الوطنية والدفاع عن الوطن، والتضحية لأجله.. وأمام بطولات ابناء الجبل يركع المجد وتنحني الهامات.
أيها الاحبة.. اننا نتابع بألم وقلق شديدين الاوضاع التي تمر بها محافظة السويداء من فوضى وشعارات وهتافات تذكرنا بالعام 2011 وبداية العدوان على الوطن.
كلنا ندرك ان الاوضاع المعيشية التي تمر بها المحافظة كما باقي محافظات الوطن صعبه للغاية، ولا انفي ان هناك مطالب محقة، فهذا شيء لا يختلف عليه اثنان، اما ان يتم استغلال هذه الاوضاع المعيشيه الصعبة لخلق حاله من الفوضى والفتنة وظهور مشاريع قديمة جديدة مرتبطة بأجندات معادية، فهذا لن يقبل به أحد.
لذا اتوجه الى اهلنا الشرفاء في جبلنا الاشم بالحفاظ على وحدة الكلمة والموقف ورفض الفوضى والفتنة، ونبذ كل مثيري الشغب والفلتان، وتحكيم العقل والحكمة، وعدم الانجرار وراء مثيري الفوضى المرتبطين بأجندات خارجية معادية.
ايها الاهل في سويداء العرب… ليس امامنا اي خيار سوى خيار التمسك بالدوله الوطنية السورية.. لذا نهيب بالجميع بالالتفاف حول الدولة السورية ومؤسسات الدولة وفي مقدمتها جيشنا العربي السوري البطل، وعلمنا علم الجمهورية العربية السورية ونبذ اي مشاريع طائفية او مناطقية تمس وحدة الوطن وفي ذات الوقت معالجة الاوضاع المعيشية الصعبة والمطالب المحقة المرتبطة بحياة الناس ومعيشتهم معالجتها فقط عبر الحوار والتفاهم مع الدولة.
ايها الأحبة.. يا احفاد سلطان باشا الاطرش.. حافظوا على جبلنا الغالي وعلى تاريخه المشرف الذي شكل عبر التاريخ مقبرة للغزاة”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى