حوار مع تحسين الحلبي | المقاومة اللبنانية وجدت دعم دمشق وطهران الى جانبها في كل معاركها التي خاضتها
قال الأستاذ تحسين الحلبي، ان التحالف المتين والمستمر والداعم والمصطف الى جانب المقاومة في حرب تموز قد أحبط كل الأهداف التي رسمها العدو للاستفراد بالمقاومة اللبنانية التي وجدت دعم دمشق وطهران الى جانبها في كل معاركها ضد القوات الصهيونيةأاثناء تلك حرب.
وكالة مهر للأنباء – القسم الدولي: يوجد فرقٌ كبير بين امتلاك القوة والقدرة على استخدامها؛ وفي خطاب استراتيجية الامن القومي لسماحة السيد حسن نصر الله اليوم انتقال صريح من امتلاك القوة الى القدرة على استخدامها لتحقيق اهداف وطنية كبرى تتعلق بحق الشعوب في الوجود، او ما يسمى استراتيجية الامن القومي.
ان أهم مسؤولية اليوم على عاتق الجميع هي الحفاظ بقوة على انجازات ونتائج ومعادلات حرب تموز، وأهم إنجاز استراتيجي هو إيجاد ميزان ردع وقواعد اشتباك حامية وضامنة لأمن وأمان لبنان، وقال بعض المحللين والخبراء ان إنجازات حرب تموز دخلت مرحلة جديدة من خلال المواجهة البطولية لفصائل ودول محور المقاومة.
فعلى مدى 15 عاماً منذ حرب تموز لم تحصل غارة إسرائيلية على هدف في الأراضي اللبنانية، مؤكدا انه منذ 15 عاماً ولبنان ينعم بالأمن والأمان والهدوء والطمأنينة، والذي يمنع العدو الإسرائيلي من شن غارات على لبنان هو خشيته من مواجهة كبيرة مع المقاومة، فقد كان العدو خائفاً من تداعيات الحرب على جبهته الداخلية وجيشه.
وفي هذا الشأن أجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء “وردة سعد”، حواراً صحفياً مع الباحث في الشؤون الاسرائيلية الأستاذ “تحسين الحلبي”، واشار خلال الحوار الى عدة نقاط كان أهمها:
* تدمير بنية المشروع الصهيوني العسكرية
ليس من المبالغة التأكيد على أن انتصار المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله وحلفائه في أيار عام 2000 حين أجبر قوات الاحتلال على الانسحاب دون قيد أو شرط ليلا من جنوب لبنان وما حول كان قد شكل أول انتصار عسكري غير مسبوق في أبعاده ومضاعفاته على الكيان الاسرائيلي، وأول تدمير لبنية المشروع الصهيوني العسكرية في فلسطين المحتلة والمنطقة كلها وقد حمل هذا الإنجاز العظيم للمقاومة بكافة أطرافها عددا من الحقائق الواضحة في معانيها وأبعادها:
نجاحات المقاومة زادت من عدد المؤمنين بقدرتها، وارتفعت معنويات كل الفئات اللبنانية ونالت المقاومة اللبنانية ثقة الشعب والجيش اللبناني واحزابه الوطنية والإسلامية الشريفة
– هذا الانتصار فرض انسحابا لقوات الاحتلال على شكل هزيمة عسكرية تخلى فيها الكيان عن أراض احتلها طوال 18 عاما منذ عام 1982 بعد أن عدها كيانا دائما منفصلا عن لبنان لاستخدامها قاعدة عسكرية ونشر فيها مرتزقة ما يسمى “بجيش جنوب لبنان” “لحد” للتوسع الجغرافي باتجاه بقية أراضي لبنان وسورية.
– ولّد هزة معنوية شديدة القسوة على جيش الاحتلال وقادته انعكست بشكل مضاعف عند المستوطنين الذين شعروا أن جيشهم وقوتهم لم تستطع ضمان حياة أبنائهم الذي شاركوا في “حرب إسرائيل الأولى” على لبنان عام 1982 ففضلت نسبة منهم القيام بحركة هجرة عكسية من الكيان الى الخارج.
– أربك الثقة الأميركية بقدرة القوة البشرية العسكرية الإسرائيلية وكفاءتها في تلك الحرب وزعزع العلاقة بين الجانبين بسبب العجز الإسرائيلي، وما تسبب به للقوات الأجنبية الحليفة لإسرائيل من خسائر بشرية بعد أسابيع على انتشارها في بيروت وبخاصة قوات المارينز التي قتل لها في أول عملية استشهادية نفذها حزب الله 243 من الجنود وهم في معسكرهم فقرروا الانسحاب دون قيد أو شرط ومعهم قوات من فرنسا وبريطانيا وإيطاليا والعودة الى بلادهم، وذلك في عام 1983 أي بعد عام على الاجتياح العسكري الإسرائيلي للبنان في حزيران عام 1982.
وبالمقابل لاحظ الجميع أن هذا النجاح للمقاومة زاد من عدد المؤمنين بقدرتها وتحقيقها للإنجازات وارتفعت معنويات كل الفئات اللبنانية ونالت المقاومة اللبنانية ثقة الشعب والجيش اللبناني واحزابه الوطنية والإسلامية الشريفة.
** محاولة الكيان الصهيوني لضرب المقاومة من الداخل اللبناني
وأما بالنسبة الى المرحلة الثانية كانت “حرب إسرائيل الثانية” على لبنان 2003 – 2006؛ وبعد هذا الانتصار كان من الطبيعي أن لا يسمح العدو الصهيوني بتزايد ثمار الانتصار وتحوله الى زيادة القوة البشرية والتسليحية القادرة على حماية انتصاره وتبين من سجل الأحداث بعد عام 2000 أن الكيان الاسرائيلي نفذ خططا لضرب المقاومة من الداخل اللبناني أي من جبهتها الوطنية الداخلية للتخلص منها وإعادة وضع لبنان الى سيطرته ونفوذه.
فشهدت مرحلة ما بعد التحرير في عام 2000 عددا كبيرا من الخطط السياسية والارهابية التفجيرية التي نفذها الكيان الصهيوني لإشعال حرب أهلية بين من يدعمهم هو وواشنطن وبين قوى المقاومة بهدف خلق عوامل تولد الفوضى والنزاع الطائفي لزعزعة الاستقرار تمهيدا للتدخل الأجنبي العسكري الأميركي أو الغربي.
شهدت مرحلة ما بعد التحرير في عام 2000 عددا كبيرا من الخطط السياسية والارهابية التفجيرية التي تهدف لإشعال حرب أهلية لاستهداف قوى المقاومة من خلال خلق عوامل تولد الفوضى والنزاع الطائفي لزعزعة الاستقرار تمهيدا للتدخل الأجنبي العسكري الأميركي أو الغربي
وقد استغل رئيس حكومة إسرائيل أريئيل شارون في عام 2003 احتلال العراق وانتشار القوات الأميركية والغربية في العراق فسارع الى تعيين زميله في الجيش العميد مائير داغان رئيسا للموساد “جهاز التجسس والمهام السرية” الإسرائيلي لإدارة وتنفيذ خطط الحرب الداخلية على المقاومة وعلى وجود الجيش السوري في لبنان.
وكانت الحكومة الاسرائيلية قد قدمت برنامجها للتخلص من حزب الله الى الكنيست وجاء فيه: “إن حكومة إسرائيل تطالب حكومة لبنان بتنفيذ الجزء المطلوب منها في القرار 425 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والقيام بعقد اتفاق سلام مع إسرائيل، كما تطلب الحكومة الإسرائيلية من لبنان وسورية احباط العمليات الإرهابية التي تهدد سلامة وأمن سكان الشمال الإسرائيلي وقوات الجيش الاسرائيلي في الشمال “وهذا يعني مطالبتهما بنزع أسلحة المقاومة اللبنانية.
ومنذ عام 2003 وضع بوش وشارون هدف التخلص من المقاومة على أولية جدول عملهما المباشر وكانت الخطة تدعو الى إخراج الجيش السوري أولا من لبنان للاستفراد بالمقاومة واستهدافها بحرب أهلية داخلية أو تدخل عسكري أجنبي من الخارج، وبدأ الدور الأميركي المباشر في تنفيذ هذه الخطط باللقاء الذي أجراه كولين باويل وزير الخارجية الأميركي مع الرئيس السوري بشار الأسد وبزيارته للبنان.
وتأكيدا لوجود جبهة مشتركة إسرائيلية –أميركية في هذا البرنامج ذكرت وكالة “بي بي سي البريطانية” في الثالث من أيار 2003 أن “باويل زار لبنان وسورية وأبلغ قادة الدولتين بضرورة اغلاق مكاتب المنظمات التي تعدها الولايات المتحدة إرهابية في سورية وسحب أسلحتها”، وأن “الشرق الأوسط مقدم على تغييرات كبيرة بعد احتلال العراق”.
** محاولات اسرائيلية لخلق فتنة داخلية لزعزعة الامن والاستقرار
ومع ذلك استخدم باويل لغة التهديد ضد كل من سورية ولبنان حين قال بموجب ما ذكر لصحيفة الغارديان البريطانية في 5 أيار 2003 أن “هناك طرقا كثيرة لمجابهة أي دولة والرئيس بوش لديه كل الخيارات على الطاولة”.
الموساد الإسرائيلي كان يهدف من اغتيالاته الى تحويل هذه العملية التي نفذها الى حرب داخلية لبنانية بموازاة ضغوط خارجية تهيئ لتطبيق قرار سحب الجيش السوري ونزع سلاح حزب الله
وبدأ شارون بتحضير الساحة اللبنانية لحرب أهلية لبنانية مباشرة بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي 1559 في عام 2004 الداعي الى انسحاب القوات السورية ونزع سلاح حزب الله حين فجر الموساد في الأول من تشرين الثاني 2004 عبوة في سيارة الوزير السابق مروان حمادة الذي كان من أبرز المطالبين مع وليد جنبلاط رئيسه في الحزب الاشتراكي اللبناني بإخراج القوات السورية من لبنان، ونزع سلاح حزب الله، فأصيب حمادة وكذلك سائقه بجراح وقتل مرافقه بهدف خلق فتنة داخلية تتسع فتعم كل لبنان.
وهذه كانت أول عملية عنف سياسي يشهده لبنان بعد مرور شهر على قرار مجلس الأمن الدولي 1559 واندلاع أزمة حكومية اثر التعديل الدستوري الذي سمح بتمديد ولاية الرئيس اللبناني اميل لحود حليف سوريا ثلاث سنوات. وعلى الفور اتهم حمادة وهو في المستشفى وكذلك جنبلاط وحزبه وحلفاؤه سورية وحزب الله بالمسؤولية عن هذه العملية وتكثفت الحملة يوما تلو آخر ضد الرئيس بشار الأسد ونصر الله شخصيا.
كان الموساد الإسرائيلي قد خطط لتحويل هذه العملية التي نفذها الى حرب داخلية لبنانية بموازاة ضغوط خارجية تهيئ لتطبيق قرار سحب الجيش السوري ونزع سلاح حزب الله لكن السيد حسن نصرالله والرئيس السوري تمكنا من احباط هدف هذا التفجير حين نجحا في صد كل محاولات استغلال هذه العملية وترويج الاتهامات ضدهما.
** اغتيال اسرائيل لـ”رفيق الحريري”
وحين بدأت خطة المعسكر الإسرائيلي – الأميركي وحلفائه تتعرض للفشل، بدأ داغان رئيس الموساد الذي كان يمسك بخيوط مسلسل التفجيرات في ذلك الوقت، بمتابعة الوضع منذ التفجير الأول في تشرين أول 2004 بشعور متزايد من الإحباط.
وفي 14 شباط 2005 بعد ثلاثة أشهر على عملية التفجير الأولى، نفذت إسرائيل أكبر خطة ارهابية غير مسبوقة في وحشيتها وفي تاريخ مؤامراتها ضد المقاومة اللبنانية وحلفائها، بل وضد كافة اللبنانيين حين قامت بعملية تفجير إرهابية بسرية فائقة أودت في قلب بيروت بحياة رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ومرافقيه وعدد من المدنيين وبتوقيت متقن يرتبط بقرار مجلس الأمن الدولي 1559 وأثناء عمل اللجنة المكلفة من الأمم المتحدة بتنفيذه.
وعلى الفور حملت إسرائيل وأميركا وكذلك عدد من الأحزاب اللبنانية المعارضة للمقاومة اللبنانية مسؤولية هذه العملية للرئيس الأسد، ثم اتهمت أيضا سماحة السيد نصر الله بالمسؤولية.
** اخراج القوات السورية
شهدت الأشهر الأولى من عام 2005 أسوء ظروف التي تعرض لها لبنان من تدخل خارجي مكثف، واصطفاف داخلي ضد المقاومة والقوات السورية، الى أن تمكنت حكومة لبنان بترتيب إعادة انتشار القوات السورية خارج الأراضي اللبنانية وقرب حدود الدولتين بكرامة وتقدير في 30 نيسان من نفس العام، وبهذا الشكل ونتيجة كثافة الضغوط الخارجية والداخلية اللبنانية، حقق شارون هدفه في اخراج القوات السورية وبقي عليه تحقيق هدفه الاستراتيجي بالتخلص من حزب الله وقواته المقاتلة.
اعتقد شارون في ذلك العام أن عليه الإسراع في تنفيذ خطة الاجهاز على المقاومة اللبنانية بعد خروج القوات السورية لكي يعود ويفرض الاستسلام الذي لم يستطع فرضه بعد غزوه للبنان عام 1982 حين كان وزيرا للحرب. بينما هو الآن رئيس حكومة وصاحب القرار وحده لكن أمله لم يتحقق فقد أصيب في كانون أول 2005 بجلطة دماغية جعلته جسدا مشلولا من الدماغ حتى القدم واستلم من بعده رئاسة الحكومة ايهود اولميرت في أيار 2006 أي قبل ستة أسابيع من حرب لبنان الثانية بموجب التسمية الإسرائيلية لهذه الحرب في تموز 2006.
فقد اعترف ايهود اولميرت رئيس الحكومة أمام لجنة إسرائيلية برئاسة القاضي فينوغراد كلفت بالتحقيق في أسباب هزيمة تموز 2006 أنه طلب من القيادة العسكرية في آذار 2006 قبل ثلاثة أشهر من الحرب الإسرائيلية التي شنها على حزب الله في 12 تموز 2006 التأكد من التحضيرات المعدة لهذه الحرب تمهيدا لتنفيذها، وفي النهاية هزمته المقاومة وردت جيشه مدحورا.
** انتصار تموز 2006 والحرب النفسية
شكل الانتصار الثاني للمقاومة وحلفائها في تموز 2006 على أكبر عدوان وحرب إسرائيلية على جنوب لبنان احباط المخطط داغان – شارون ( 2004 -2005 ) في لبنان، وهزيمة لمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي أطلقته “كوندوليزا رايس” وزيرة الخارجية الأميركية أثناء زيارتها الى بيروت في أوج “الحرب الاسرائيلية الثانية” في نفس تموز 2006 على المقاومة في جنوب لبنان، وتصريحها حول مشروع الشرق الأوسط الكبير.
وبقي الدور السوري الداعم والمصطف بكل قدرات سورية الى جانب المقاومة في حرب تموز حتى بعد خروج القوات السورية من لبنان فقد أحبط هذا التحالف المتين والمستمر أثناء الحرب كل الأهداف التي رسمها العدو للاستفراد بالمقاومة اللبنانية التي وجدت دعم دمشق وطهران الى جانبها في كل معاركها ضد القوات الإسرائيلية اثناء تلك حرب.
ولعل أهم النتائج التي يمكن استخلاصها من هذين الانتصارين الكبيرين الاستراتيجيين على العدو الإسرائيلي هي:
- انعدام ثقة نسبة كبيرة من المستوطنين بقدرة الجيش الإسرائيلي على حمايتهم بعد أن حملت لهم (حرب تموز 2006) 34 يوما من تساقط الصواريخ دون توقف فتزايدت شكوكهم بمستقبل هذا الكيان الإسرائيلي، وولد هذا العامل حركة هجرة عكسية غادر خلالها مئات الآلاف من المستوطنين في غضون سنتين إسرائيل عائدين الى أوطانهم التي جيء بهم منها في أوروبا وأميركا.
- تزايد المضاعفات النفسية والاجتماعية على المستوطنين بعد اكتشافهم لأكاذيب قادة الجيش الإسرائيلي، وصدق وسائل اعلام المقاومة وما أكدته بذكاء واتقان في رسائلها وخطابها الإعلامي أثناء شن الحرب النفسية على صفوف العدو، وعلى وجه الخصوص ما أعلنه سماحة السيد نصر الله أثناء ضرب البارجة الحربية الإسرائيلية.
- تعاظم قدرة الردع في فترة ما بعد الانتصار الى حد جعل جيش الاحتلال الإسرائيلي يفضل تجنب أي مواجهة على جبهة جنوب لبنان في البر وفي البحر.