مقالات مختارة

بيادق بايدن .. النيازك العمياء والكواكب الضخمة في السياسـة .

نارام سرجون | كاتب سوري .

من الصعب أن تقنع من وقع في الهوى أنه صار بلاعينين ولاأذنين وأن عقله صار مثل عقل العصفور الصغير .. فعقل العاشق مثل نيزك يطير تائها بلا هدف في الفضاء وماإن يقع في مجال الجاذبية لكوكب كبير حتى يسقط فوقه ويتحطم ..
وعقل بعض الذين يتعاطون السياسة بلا عمق ولادراية يشبه عقل العشاق وعقول النيازك التائهة .. لاتجذبهم نظرية المؤامرة ويظنون ان كل الأحداث السياسية هي حركة نيازك حرة في المجرات لاتخضع لقانون نيوتون ولا لأي قانون فيزيائي مالم تقع في مجال كوكب كبير جاذب ..
هذه النيازك العمياء الصماء من الافكار التائهة سنجعلها تمر اليوم أمام كوكب عملاق هو العقل علها تسقط وتتحطم او تخضع لقانون نيوتون .. فالعقل هو أكبر الكواكب على الاطلاق وجاذبيته لاتتفوق عليها جاذبية المشتري ..

لن نعود الى الصدفة الغريبة التي جعلت توقيت وعد بلفور يتفق مع هزيمة المانيا في الحرب العالمية الاولى وفي توقيت اتفاق سايكس بيكو .. ولن نذكر ان الأمم المتحدو ولدت قبل ولادة دولة اسرائيل وكأنها وظيفة خلقت لسرعة لتعطي مشروعية للمولود الجديد غير الشرعي او بنت الحرام (اسرائيل) .. وليست الصدفة هي التي هزمت عبد الناصر بل قرار هزيمته بدأ بعد انتصار عام 1956 .. لأن الغرب لن يقبل ان يبقى البطل منتصرا .. وليست هي الصدفة التي جعلت عبد الناصر يموت بعد اسابيع من تعيين أنور السادات نائبا له .. وليست الصدفة هي التي أطلقت الحرب الاهلية اللبنانية عام 1975 بل انها كانت من معدات التحضير لغزو واجتياح لبنان بعد ان يحرق المنظمات الفلسطينية في النزاع الداخلي .. وليس صدفة ان يصبح الجنرال ضياء الحق رئيسا لباكستان وهو قبلها الذي كان يقود الجيش الاردني ضد الفدائيين الفلسطينيين في ايلول الاسود .. وليس صدفة ان المجال افسح امام البعثيين العراقيين المتمردين بزعامة صدام حسين للوصول الى السلطة في نفس عام انتصار الثورة الايرانية ..وليس من قبيل الصدفة ان غزوتي القاعدة لنيويورك وواشنطن انتظرتا وصول المحافظين الجدد ووقعتا في الأسابيع الاولى لحكمهم لاعطائهم 8 سنوات من الحروب .. وليس صدفة ان الحرب على سورية حدثت بعد ست سنوات على النصر الهائل في عام 2006 وتعثر الجيش الاميريكي في العراق .. وليس صدفة ان تغييرات منظومات الحكم والانقلابات الداخلية في الخليج وحشر الجزيرة في الاعلام الرسمي العربي سبقت عملية نشر الموجة الاسلامية الاخوانية .. وبنفس الوقت ليس صدفة ان تغمض أعين الجيش التركي عن الاسلاميين العثمانيين الجدد الذين وصلوا مع قناة الجزيرة ووصول الاميريكين الى العراق الذين أطلقوا شرارة الحرب المذهبية وكلفوا الاتراك بلعب دور الصاعق في تفجير الربيع العربي كزعماء للسنة .. الربيع الذي دمر الجمهوريات العربية ونشر الجهل والفوضى وثقافة الولاءات العثمانية ..
ومع كل رئيس اميريكي تبدأ اعادة تشكيل الزوايا وتبديل قطع الغيار .. فوصول المحافظين الجدد اقتضى اقترانه بزمن الحرب على الارهاب والتهم بلدا عربيا كاملا هو العراق .. ووصول اوباما اعاد تدوير الزوايا وتطلب خطابا من استانبول والقاهرة لاعلان الغزوة الاخوانية .. وكان ترامب الأبيض أول تعبير عن أزمة هوية المجتمع الاميريكي الأبيض ردا على سواد اوباما وسيادة عصر النفط وأول ميل للحرب الاهلية ..
لذلك فان بايدن بدأ بتدوير الزوايا وبدأ باعادة ترتيب الموظفين في الشرق الأوسط .. فالتلاقي المصري التركي والخليجي واكتمال لم الشمل سببه ان الرجل يريد تغيير أدوار اللاعبين ومهماتهم .. ويبدو ان نهاية عصر الاخوان المسلمين انتهى .. وطلب من أردوغان اعلان ذلك رسميا والانتقال الى مرحلة بلا اخوان ..
لانعرف ماهو البديل عن زمن الاخوان المسلمين .. لكن من المؤكد ان انهاء زمن الاخوان عبر تكسير البيض في العش التركي بقرار اميريكي يعني ان دور تركيا الاخوانية سيتغير وسيتم اجراء نقلة نوعية في المهمة التركية .. لان التخلي عن الاطراف الاخوانية لايفيد معه ابقاء المركز والمحرك اخوانيا .. وارغام اردوغان الذي وصل في تركيا الى السلطة باغماض عين العسكر عنه على وضع الدمى الاخوانية في الخزانة يعني ان صاحب الدمى لم يعد مطلوبا في المسرح وأن العين التي أغمضت عمدا ستفتح قريبا ..
وسبب هذا التغيير هو ان الاميريكيون الذين كانوا يريدون غاز قطر ليصل عبر سورية الى تركيا بمساعدة الاخوان المسلمين قرروا محاصرة روسيا بتغيير مهمة تركيا التي كانت تستعد لاستقبال الغاز القطري عبر سورية .. ولكن اليوم تم اعطاؤها مهمة حصار الغاز الروسي عبر ارغام اردوغان على التصالح مع السيسي كي تنشأ خطوط غاز بديلة شرق المتوسط تشترك فيها اسرائيل ومصر وتركيا .. ويبدو ان هذا التحالف لايكون ثابتا الا بغياب اردوغان او السيسي بسبب الخلاف العميق جدا بينهما .. وغالب الظن ان الامريكان يبحثون عن حلول تركية من الحركة القومية التركية بدليل انهم يجردون اردوغان من أذرعه الاخوانية .. كما ان هناك نموا قوميا طورانيا في تركيا اكثر تطورا وتطرفا من النزعة الاسلامية؟ لأن النزعة الاسلامية التركية اصطدمت بكل الاحباطات ولم تعد قادرة على تحقيق المزيد ..
بايدن يحضر عدته وبيادقه ويقوم باعادة تنظيم صفوف بيادقه ومواقعهم .. وهو يهدد روسيا علنا ويعلنها هدفا له .. كما ان روسيا صارت تظهر مؤشرات على انها بصدد بعثرة سياسة بايدن وخطوط الغاز الجديدة .. وهذا هو سبب دعوتها لوفد علني لحزب الله لأن نقطة التقاء خطوط الغاز الجديدة ستكون تحت عين حزب الله الذي لن يمر اي انبوب قربه دون موافقته .. اي ان روسيا تحس ان حزب الله حليف اساسي جدا لها ضد من يريد ابعادها عن قلاعها في الشرق ..
ولاشك ان شعور روسيا بتقلبات اردوغان الغازية سيجعل مصيره في ادلب على كف عفريت أيضا .. والتحركات المرصودة تؤشر ان صبر السوريين وحلفائهم ينفذ وأن الأعلام السورية ستطرد الأعلام التركية من ادلب هذا الصيف .. فالطيران الروسي والسوري يتذوق ادلب كل يوم .. ويلعقها بصواريخه ..
والتحركات العشائرية المقلقة في الشرق السوري تجعل بايدن نزقا .. فهو لايريد ان يتزحزح .. ولكن هناك من يرى بين الجنرالات الروس أن ثبات الغاز الروسي هو في ثبات الجغرافيا السورية اللبنانية .. وأن اضعاف الاميريكيين في اوكرانيا ومحيط روسيا يبدأ باضعاف الوجود الامريكي في الشرق السوري والعراق ولبنان .. واضعاف الوجود الامريكي سيكون باضعاف الهيبة الامريكية .. ويؤمن هؤلاء العسكريون الاستراتيجيون ان الأسهل على الروس هو اضعاف الهيبة الامريكية في الشرق الاوسط وليس في اوروبا كي تنتقل الهيبة الامريكية المكسورة الى محيط روسيا واوكرانيا .. كما حدث عندما انكسرت هيبة الاتحاد السوفييتي في افغانستان وليس في اوروبة الشرقية .. فعندما سقطت الهيبة الروسية في افغانستان فان الهيبة الروسية في اوروبة الشرقية تصدعت وتفتتت .. ولذلك يستعد بايدن ويكشر عن انيابه ويصف بوتين بالقاتل ..
يبدو ان الفرج قريب .. واذا عرفنا الاستفادة من هذه الاندفاعة الامريكية الجديدة وأن استعجال بايدن سيخرج الاخوان المسلمين وزعيمهم من المعادلة الاقليمية .. فلاشك ان روح النصر ستخرج الناس من هذا اليأس الاقتصادي ..
سيدرك العالم قريبا ان النيازك العمياء لاتغير من قوة جاذبية الكواكب ولا من مساراتها ولا تجعل السكن فوق النيازك أفضل … اذ يستحيل ان يسقط كوكب فوق نيزك .. لذلك استعدوا لاسقاط النيازك ومن يرسل النيازك على أرضكم .. في اية لحظة ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى