كتاب الموقع

التّبعيّة في زمن التّكنولوجيا.


د. نازك بدير | كاتبة وأستاذة جامعية .

كيف تتجسّد التّبعيّة في زمن التّكنولوجيا؟ ما هي مظاهرها؟ هل ثمّة تبعيّة مقنّعة؟ أيكون التّابع واعيًا لما يقوم به؟ لمَاذا يغوص في أوهام عبر شبكة الإنترنت ويظنّ أنّه يرفع ألوية تجديد؟ يبدو أنّ وسائط الميديا المتنوّعة استطاعت إعادة هيكلة الأفراد والجماعات، وبسْط سطوتها عليها، لتتخطّى حدود الحاضر المعيش، راسمةً أفق مستقبل مرتهن، واضعةً الفرد أمام سيل من الصّور والمعلومات تفرضها عليه فرضًا، مانعة عنه فرصة مناقشتها أو تفسيرها أو تأويلها، إنّما في الأعمّ، تقدّمها إليه على أنّها مسلّمات، يأخذ بها، متجاهلًا ضرورة التّدقيق والتحرّي قبل تبنّي أيّ معلومة.ترى الفرد – والحالة هذه – مدهوشًا، ينساق انسياقًا، ويتّبع- في كثير من الأحيان- ما يبثّ عبر الميديا، وإن جاوز الصّحة والمعقوليّة والرّشاد. تجده يتبنّى المقولات، ويؤسّس عليها، إلى أن باتت أشبه بمنصّة إطلاق المواقف لا بل الدّروس في بعض الأحيان. لا يحتاج المجتمع إلى المزيد من النّسخ المكرورة، فلا بدّ من استثمار العقل، واجتراح وسائل خلّاقة في التّعاطي مع الظّواهر والحالات التي تنبت بين الشّقوق، وإلّا سنكون أمام ما يشبه شريط نيغاتيف ملوّن لصور مبثوثة هنا وهناك.لقد أتاحت مواقع التّواصل الاجتماعي لأشخاص كانوا في عداد” المغمورين” أن يطفوا على السّطح، فارتمَوا في ظلّ الوهم بدلًا من المواجهة الفعليّة، ووجدوا وسائط التكنولوجيا ملاذهم الأمثل للانعتاق من واقع لا مكان لهم فيه، فحلّقوا يغرّدون على صفحاته. هؤلاء، أطلق عليهم إمبرتو إيكو لقب”فيالق الحمقى” في مقابلة له مع صحيفة” لاستمبا” الإيطالية حيث قال:” أدوات مثل تويتر وفيسبوك «تمنح حقّ الكلام لفيالق من الحمقى، ممّن كانوا يتكلّمون في الحانات فقط بعد تناول كأس من النّبيذ، من دون أن يتسبّبوا بأيّ ضرر للمجتمع، وكان يتمّ إسكاتهم
فورًا. أمّا الآن، فلهم الحقّ بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنّه غزو البلهاء.”ولعلّ ما يعزّز التبعيّة في زمن التطوّر التّكنولوجي هو غياب الرقابة من قبل جهات معنيّة، وانعدام المحاسبة، ما سهّل على الكثيرين النقْل بعيدًا من المصداقية، وتحوّل الأمر في أحيان كثيرة إلى مجرد لصق آراء أشخاص استهلكوا سنوات في البحث والدّراسة.يبقى المعيار الأساس في هذا المجال، كما في مجالات أخرى، هو الأخلاق والوجدان، إذ على الرّغم من وجود قوانين تنظّم العمل في ميادين متنوّعة، تبقى مهمّة البعض التفنّن في اختراقها لغياب الوازع الأخلاقي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى