كتاب الموقع

قراءة في تصريحات جاويش اوغلو

حيان نيوف | كاتب وباحث سوري

تصريحات وزير الخارجية التركي “جاويش اوغلو” حول سورية والتي تحدث فيها عن وجود مفاوضات مع دمشق على المستوى الامني ، تعكس إداركاً تركياً متأخراً لحجم التغيرات في الإقليم ..
وعلى ما يبدو فإن التركي هو الآخر قد تفاجأ بالحدث الأفغاني بعد أن كان يعدّ العدة ليكون بديلا عن الولايات المتحدة والناتو في هذا البلد الذي يمثل وجبة اقتصادية دسمة للغاية ونفوذا واسعا في وسط اسيا ..

التركي الذي شعر أنه سيخرج “بخفّي حنين” من افغانستان بعد ان كان يمنّي النفس بالكثير وفقاً لاتفاقه مع الأمريكي ، بات يشعر بالقلق من تكرار الأمر ذاته فيما يخص الحالة السورية ..

العديد من المؤشرات التقطها التركي ، جعلت “جاويش اوغلو” يطلق تصريحاته حول سورية ، أهمها الحلّ في درعا ، والانفتاح اللبناني على دمشق خصوصا ، والانفتاح العربي ايضا ..

ما يخشاه التركي بالتحديد هو ثلاث نقاط اساسية :

الاولى : متعلقة بالحراك الدبلوماسي الذي يخص دمشق في الاقليم ، والذي لم يكن له منه نصيب او مشاركة تذكر ..
الثانية : ان يكون الامريكي قد اطلق حوارا مباشرا او غير مباشر مع دمشق ، دون الاخذ بالإعتبار لمصالح تركيا ..
الثالثة : أن يكون ملف درعا بداية لملفات اخرى سيجري العمل على حسمها شرقا وصولا الى الشمال ..

وفيما يخص النقاط الثلاث يشعر التركي بالخسارة ، وان محاولته لعرقلة ما يجري من دونه قد تكلفه الكثير ، ولذلك فإنه اطلق تصريحات تجاه دمشق ظناً منه انها قد تحقق ثقبا في جدار العلاقة المتوترة بين البلدين منذ اكثر من عشرة سنوات ، والتي جعلت دمشق تصنف النظام التركي على انه نظام محتل أرهابي ..

ومن جانب آخر فإن الحلول التي يجري العمل عليها تتضمن فيما تتضمنه حلولا اقتصادية لفك الحصار والعزلة عن سورية ، ما يعني انطلاقا لمشاريع استراتيجية متعلقة بالطاقة وغيرها في المنطقة وفي شرق المتوسط من غير تركيا ، التي تعاني بالاصل من ازمة اقتصادية ليس اولها ارتفاع حجم الدين العام ، وليس اخرها زيادة نسبة التضخم..

المخاوف التركية دفعت بأوغلو للتشكيك بقانونية الوجود الامريكي في سورية الى حد الاتهام لها بسرقة النفط السوري ، والحديث عن احقية الاحتلال التركي باعتبارها دولة جارة ترغب في حماية حدودها ، وكل ذلك مناورة تركية غايتها محاولة الضغط وخلط الاوراق لتذكير الحليف قبل الخصم بضرورة اشراكها بما يجري العمل عليه ..

بلا شك فإن دمشق التي توصد الباب في وجه تركيا ، وتفتحه قليلا أمام خصومها في المنطقة ، تجيد اللعب على تناقضات حلفاء الامس الذين تهاوشوا على ما ظنوا انها صيدة ، وتدرك دمشق اللحظة التاريخية التي يمر بها العالم وتحديدا أعداؤها ، ولديها من العبقرية السياسية ما يكفي لاستغلال كل ذلك لقطف ثمار صمودها ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى