مشهديات

الأميركيون ليسوا “هنوداً”.. و”أميركا” ليست للمستعمرين البيض.

السيد محمد صادق الحسيني | كاتب وباحث ايراني

لِنَتصوَّر أنّ مُكتشِفاً من العصور الغابرة وصلَ بالمصادفة للقارّة الأوروبّية التي لم تكن معروفة في زمانه وأطلق عليها اسم الهند
وسمّى سكانها جميعاً هنوداً…
ماجعل كلّ شعوب الأرض في عصره يحذون حذوهُ فيظنّون أن شعوب هذه القارّة لم يكن لهم أسماء وأنهم جميعاً هنود… هكذا صار الفرنسي هندياً والألماني هندياً والهولندي هندياً والإنجليزي هندياً والإيطالي هندياً
وكذلك حال البقيّة الباقية من شعوب القارة الأوروپية…! هذا بالضبط مافعله كولومپوس والغزاة من بعده بشعوب العالم الجديد وأُممهِ التي كانت أكثر عدداً وتنوّعاً من شعوب أوروپا…
فالمنطقة التي تسمى اليوم الولايات المتحدة وحدها كانت تضمّ أكثر من ٥٠٠ أمة وشعب لكلّ منهم إسمه وثقافته وخصائصه الاجتماعية…
هذه التسمية القسرية تبدو مثل نكتة سّمجة ليست بريئة فهي سلاح من أسلحة الإبادة هدفها محو وجود أُمم وشعوب من الذاكرة البشريّة والإيحاء بأنّ بلادهم مُجرد أرض عذراء..لم تعرف البشر إلاّ ساعة وصول الغُزاة إليها ليمنحوها اسمها وشهادة ميلادها…!
أنت مثلاً لاتستطيع أن تتصور فرنسا من دون فرنسيين
ولا ألمانيا من دون ألمان ولا فلسطين من دون فلسطينيين
لهذا فقد استهلّ معظم الغزاة الأوروپيين تأسيس دولهم بهذه المفخرة
فالفرانك (الفرنسيون الآن)
حين غزوا بلاد الغال سمّوها “فرانك رايش”
الذي ترقّق وتلطّفَ لاحقاً ليصبح فرنسا.
وهذا ما فعلوهُ في معظم البلدان التي استعمروها مباشرةً أو بواجهةٍ من وكلاء محلّيين كما حصل في زيمبابوي..
التي صار اسمها روديسيا
والجزيرة العربية التي صار اسمها السعودية وفلسطين التي أراد الغزاة محو اسمها من الخريطه وتمَترسوا بألف كذبة وكذبة لمحو اسم شعبها من الوجود…!
ولعلّ أَلأمْ مافي هذه السياسة نفي الصفة الفلسطينية عن الفلسطينيين الذين مازالوا يعيشون في بلادهم فلسطين المحتلة( عام ١٩٤٨) والإصرار على تسميتهم “عرب اسرائيل” للإيحاء بأنهم طارؤون…!

فهم عند هذا المستعمر إما بدو رُحّل أو أنهم في أحسن تقدير جزء من أي شعب عربي آخر ..!

هكذا هي حكاية كولومبس الذي اكتشف العالم الجديد بالغلط كما يصطدم السائر في منامه بجدار، فظنه ارض الهند…ولم يتراجع الغزاة من بعده عن هذه التسمية رغم ادراكهم حقيقة وجود مئات الشعوب والامم التي تسكن هذا العالم منذ آلاف السنين …!
وإمعاناً في هذا المحو الوجودي فقد حرمت بقايا هذه الشعوب التي تعيش في فرجينيا مثلا او جورجيا من تسميتهم بالفرجينيين او الجورجيين – مثلهم مثل القادمين من البيض الجدد – وهم الذين ولد آباؤهم هناك ودفنوا في هذه البلاد ..!
اكثر من ذلك فان الولايات المتحدة الذي لا يعترف دستورها بحدود جغرافية احتكرت اسم اميركا لنفسها.
فكل الشعوب من جوارها في القارة الشمالية تسمى باسمائها كندا كندي ارجنتين ارجنتيني ..الخ إلا شعب الولايات المتحدة فهو اميركي… لكن باستثناء السكان الاصليين الذين تشملهم قائمة الطارئين
على الرغم من اسم أميركا مستمد من لغاتهم الاصلية كما يقول المؤرخون من السكان الاصليين.
وسواء كان كذلك او كما يدعي الغازي الابيض انها جاءت من اسم المكتشف الايطالي أميريغو سبوتشي Amerigo vespocci فقد احتكرت الولايات المتحدة لنفسها هذا الإسم وحرمت منه كل شعوب القارة وأولهم سكانها الاصليون ..!
ولهذا الاحتكار جذور في الدستور الاميركي الذي لا يعترف بحدود للولايات المتحدة وفي السياسات التي تماهي بين القارة الاميركية والولايات المتحدة ” بإرادة الهية ” كما يقول الرئيس جون كوينسي آدمس في مذكراته ..!
بل ان “فكرة اميركا” لدى الايديولوجيين الاميركيين مثل آرثر بيرد وغيره يعتبرون الولايات المتحدة
” جمهورية كونية”
يجب ان تصبح أكبر من الأرض نفسها حيث سوف “يحدها من الشرق سِفر التكوين ( بداية الخلق) ومن الغرب يوم القيامة( نهايته)” كما يزعمون…!
وهي القناعات والسياسات التي يمارسها الساسة الأميركيون أبّاً عن جد ولا فرق في ذلك بين جمهوري أو ديمقراطي أبداً..!

وعيك-بصيرتكType a message

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى