عتّال صواريخ غزة
محمود بري | كاتب وباحث سياسي لبناني
كان فدائياً من الفصيلة التي أنجبها “الحزب”. لا عراضات ولا تكميم مسرحي للوجه ولا سعدنات مظاهرية كما في قصص الأولاد المُصوّرة. شاب من الصنف الشائع، تلتقيه في الشارع فلا تنتبه إليه ولا يلفتك شيء مختلف فيه… لا في الوجه ولا في النظرات ولا في الثياب ولا في طريقة المشي ونقل الخطوات. تراه وتنساه، كأنك ما رأيته البتّة. مجرد واحد مما يُسمّيه التعبير السائر : عابر سبيل.
لن يخطر في بالك أبداً أن هذا الشاب المارّ بمحاذاتك يحمل همّاً سوى ما يحمله ناس الشارع من همومهم اليومية المتولّدة مع كل إشراقة شمس. وإن التفتّ إليه فستجده متأبطاً مشاغل يومه، كما أنت وكل العابرين. ليس عنده رفاهية النظر إلى الأبنية من حوله، وتأمل الإعلانات التسويقية المتراقصة على القماش والورق في فضاءات الطرقات وانفراجات الساحات والميادين في القاهرة. واحدٌ من 14 مليون ساعي وراء لقمته كل صباح في القاهرة ــ الرئة التي يتنفس منها فقراء أم الدنيا في سبيلهم إلى أعمالهم. وهو لا بد سيكون واحداً من أكثر من ثمانية ملايين مُتعب ــ راضٍ ــ مرضيّ يعودون مع هبوط الليل إلى حيث تنتظرهم عائلاتهم في البيوت المتواضعة خارج القاهرة وعلى تخومها.
الشاب الذي يجرّ معه هذه الحكاية البسيطة، كبساطته، ليس مصرياً كما يبدو عليه، لكنه عامل هو الآخر، ولديه الكثير من الجهد والتعب بانتظاره. فهو “عتّال” كما يلقبه المقربون منه في لبنان حين يكون في بلده، أي “شيّال” بلهجة الشارع المصري… يحمل الأكياس الثقيلة على كتفه وعلى ظهره، وينقلها من إلى. ولا بأس عليه، فهو شاب متين البُنية ومتين الإيمان ومتين الثقة بأحقّية ما يقوم به.
حين ألقت السلطات المصرية القبض عليه (آخر أيام حكم الرئيس الراحل محمد حسني مبارك)، كانوا ينادونه بإسم مختلف: سامي شهاب. أما اسمه الحقيقي الذي لم يلبث أن شاع وانتشر فهو: المقاوم في “حزب الله” محمد يوسف منصور، وهو من بلدة جنوبية تجثم على إحدى تلال جبل عامل.
لكي تبرر السلطات المصرية القبض عليه في العام 2011، قالوا (رسمياً) إنه يقود مجموعة من “حزب الله” تعمل على تدبّر تفجيرات في مصر. وكانت هذه الأقاويل أكثر من نكتة سمِجة ومُستغربة باعتبار أن المصريين اشتهروا بذائقة طريفة للنكات.
ماذا كان العمل الشاق والمُجهد الذي يمارسه محمد منصور (وآخرون من كبار القادة المجاهدين في الحزب ) في مصر؟
كانوا يقومون بمهمة جهادية تقتضي تدبّر وتمرير الصواريخ والمواد القتالية عبر صحراء سيناء إلى قطاع غزّة ليتسلّح بها مُقاومو العدو الإسرائيلي من فلسطينيي غزة.
كيف كانوا يجلبون الصواريخ من مصادرها الحزبية وينقلونها إلى مصر…؟
لا أعرف ولا أحد من معارفي يعرف… ربما هو من أسرار المقاومة.
كيف كانوا ينقلون السلاح إلى غزة عبر الصحراء؟
على ظهورهم… وأحياناً على الأكتاف، ومعهم وإلى جانبهم ثُلّة من المصريين من بدوٍ وحَضّر تدبّروهم من سيناء ومن غير سيناء بعلاقاتهم ومعارفهم.
والسلام خِتام: لم يعد سرّاً أن هذا الوابل الكثيف من الصواريخ والأطقم المُشغِّلة لها هذه الأيام، من غزة ومن غير غزة في فلسطين المحتلة، هي من ثمار أوجاع ظهر وكتفي محمد منصور ورفاقه العاملين بأوامر وتحت نظر السيد العشق.