بين أزمة الأحزاب الإسرائيلية وتآكل مشروعها.
تحسين الحلبي | باحث مختص بالشؤون الإسرائيلية .
أزمة إسرائيل العميقة على المستوى الحزبي قبيل وبعد كل انتخابات برلمانية متكررة في السنتين الماضيتين بدأت تكشف عن العجز المتفاقم والمستعصي لهذا الكيان في إيجاد الحلول لمشروعه الصهيوني في الأراضي الفلسطينية والمنطقة ويبدو أن إدراك قادة الأحزاب لهذه الظاهرة التي تثبت الطبيعة المتلازمة لانقساماتهم داخل ساحتهم السياسية والحزبية يجعلهم يهربون نحو اصطناع حلول خارج دائرة الإقرار بتآكل مشروعهم فيلجؤون نحو البحث عن الحل في خارجه سواء في نفس الكيان الإسرائيلي السياسي أم في جواره العربي والإقليمي فهم لا يكفون في الخارج عن العمل على تمزيق الواقع العربي بكل وسيلة ويعملون في الداخل على تقسيم ما بقي من الفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ عام 1948.
وهذا ما قام به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حين نجح في شق صفوف القائمة العربية المشتركة التي تمثل العرب بشكل موحد من أجل حماية هويتهم وحقوقهم فيما بقي من وطنهم ففي الانتخابات السابقة عام 2020 فازت القائمة لأول مرة بـ15 مقعداً من 120 هي العدد الإجمالي لمقاعد الكنيست وقبيل هذه الانتخابات تمكن نتنياهو من تحريض منصور عباس رئيس «الجناح الإسلامي الجنوبي» الموحد معها بالخروج من القائمة المشتركة ووضع قائمة انتخابية منفصلة عنها بعد أن حرض عليها الجمهور العربي داخل الأراضي المحتلة منذ عام 1948 فانقسم هذا الجمهور ومنح منصور عباس أربعة مقاعد برغم التقارب المعلن بين عباس ونتنياهو رئيس الليكود في الحملة الانتخابية.
في النهاية وكعادة المسؤولين الإسرائيليين في التخلي عن المتعاونين معهم مقابل تبني المستوطنين تبين أن نتنياهو لن يكون بمقدوره الاستعانة بمقاعد عباس الأربعة في تأييد حكومته لأن بعض الأحزاب الصغيرة الإسرائيلية التي سيحتاجها نتنياهو لتحقيق أغلبية من 61 مقعداً لتشكيل الحكومة أكدت لنتنياهو أنها لن تنضم إلى حكومته إذا تبين أن أي حزب عربي يقدم التأييد لحكومته من خارجها أو بالمشاركة فيها.
وكان نتنياهو يعرف هذه الحقيقة حتى حين شق عباس عن بقية الأحزاب العربية لكنه في النهاية مزق الصف في القائمة المشتركة التي كانت دوماً ترفض تأييد الأحزاب الإسرائيلية ولم تجمع سوى 6 مقاعد بدلاً من 15 مقعداً فازت بها في العام السابق.
في النهاية يبدو أن فرص نتنياهو في تشكيل الحكومة بأغلبية ضيقة تزيد نسبياً عن فرص الحزب الآخر الذي احتل المرتبة الثانية بفوزه 17 مقعداً وهو حزب «يوجد مستقبل» لأن بقية الأحزاب التي تعد «متشددة» تفضل المشاركة في حكومة ائتلافية مع الليكود ونتنياهو ولذلك يحتمل المختصون الإسرائيليون في الأحزاب أن يجمع نتنياهو إلى المقاعد الثلاثين التي فاز بها الليكود 16 مقعداً من حليفيه المتدينين السلفيين حزب شاس وحزب يهدوت التوراة في حكومته الحالية وعند ذلك سيحتاج لخمسة عشر مقعداً قد يقدم سبعة منها نفتالي بينيت من حزب «يمينا» ويقدم ستة منها حزب المتدينين الصهيونيين فيظل بحاجة لمقعدين قد يلجأ نتنياهو لتأمينهما عن طريق تحريضه لاثنين من المنشقين عن الليكود في حزب «أمل جديد» الفائز بستة مقاعد بالانضمام إلى حكومته وانتقالهما من الحزب المنشق إلى حكومته وهذه ليست ظاهرة غريبة في هذه الساحة فقد تخلى وزير الدفاع موشيه دايان بعد انتخابات عام 1977 عن حزب العمل بعد فشل الحزب بالفوز بمقاعد تؤهله لتشكيل حكومة وانضم إلى حكومة الليكود برئاسة مناحيم بيغين الذي عينه وزيراً للخارجية ودشن معه اتفاقية كامب ديفيد مع مصر كما انشق شمعون بيريس عن حزب العمل الذي ترأسه مرات وانضم لأريئيل شارون عام 2005 حين انشق شارون عن الليكود وأسس حزب كاديما وفاز برئاسة الحكومة مرة أخرى وعين بيريس وزيراً.
يرى بعض المختصين بالشؤون السياسية والحزبية في إسرائيل أن مشهد الكيان السياسي بدأت تظهر فيه شيخوخة وعجز عن تجديد الحيوية في ضمان المحافظة على المشروع الصهيوني وأهدافه ويعترفون أن السبب يعود لمقاومة الواقع الفلسطيني وعدم تسليمه به برغم ما يحمله من نقاط ضعف وقوة وبسبب مقاومة الواقع العربي والمواقف المتأصلة في رفض القوى العربية المؤثرة والفاعلة في المنطقة للتسليم بالاحتلال الإسرائيلي برغم الانقسام العربي والإقليمي في المنطقة.
ويعتقد هؤلاء المحللون أن أزمة إسرائيل ومشروعها لن تخرج من دوامتها سواء نجح نتنياهو في تشكيل حكومة أم تقرر إجراء انتخابات برلمانية خامسة لأن الأفق مسدود ورجال الأحزاب والسياسة في إسرائيل يكررون الأهداف نفسها لكنهم يستعصي عليهم الثقة بقدرة بعضهم البعض على تحقيقها بينما يمنح المستوطنون نتنياهو أصواتهم طالما يسلب لهم أراضي الفلسطينيين ويعرفون أنه ليس وحده المتهم بالرشوة والفساد وسوء الائتمان بل إن الأرقام تشير إلى وجود كثيرين تعرضوا لنفس الاتهامات من قادة الأحزاب وأعضاء البرلمان ولم يحدث لهم شيئاً فمن يسلب أرض الفلسطينيين لا يهمه من يرأس حكومة لتوسيع سلب الأراضي.
بقي أن نشير إلى أنه في هذه الانتخابات زاد عدد أعضاء الكنيست الذين يعدون من قادة الاستيطان ويقيمون في المستوطنات على عدد من كان جنرالاً في الجيش وأصبح عضواً في الكنيست.