كتاب الموقع

العجز الإسرائيلي والقرارات الشمشونية .

محمود برّي | كاتب وباحث سياسي لبناني .

دائماً كانت بحالة هجومية. في جميع أزمنة ما بعد قيامها وفي مختلف مراحل تثبيتها وتطورها، كانت تعيش على الهجومية والعدوانية. المرة الوحيدة التي أدخلت الدفاع في قاموسها الكلامي، كانت حين ألقت واحدة من أكبر كذباتها الوقحة فأسمت قواها العسكرية بـ” جيش الدفاع”… في حين أنه كان الجيش الوحيد في العالم الذي لم يمارس سوى الهجوم، أي العدوان. والحروب التي خاضتها ضد العرب كافة، كانت من دون أيّ لبس أو تدليس، حروباً هجومية عدوانية بحتة، وهذا بصرف النظر عن التسميات التي أطلقتها بنفسها على حروبها تلك، والتي لم تكن أقل تزويراً وتهافتاً من تسمية “جيش الدفاع”.
اليوم، وبعدما فقدت إمكانية خوضها العدوان الهجومي، تعطّلت في الآن ذاته إمكانية خوضها أيّ حرب بالمُطلق. فهي إما أن تُهاجم وتعتدي… أو أن تلتف على نفسها مثل أفعى تحت شمس ثقيلة، تنتظر معجزة توراتية مما كذّب الجدود في تخرّصه من مخيلات التّيه، ثم صدّقوه ورحلوا، تاركين خلفهم أجيالاً من عبدة الأجداد الوالغين في عداوات شخصية مع الله.
المرحلة الراهنة تحمل علامات ينبغي قراءتها واستقراء ما تبطنه. فقد انتهت حرب الـ 2006 على ” إسرائيل ” جديدة مختلفة عمّا كانت، حدّ التناقض… كياناً مُلزماً بأن يُنكر حقائق الحياة من حوله، كي يبقى على قيد الحياة. وهذه التناقضية الحيوية إنما تُخفي مخاوف كل إسرائيلي عارف، لكنها لن تُخفيها طويلاً.
هنا لا بد من بعض الإضاءة. فالكيان الإسرائيلي ليس مجرّد دولة بقدر ما هو مهمة. ولكي تكتمل المهمة جرت إقامة “الدولة”. وهذه تنتهي بانتهاء المهمة حسب منطق الأمور. هذا كلّه بسيط ومعلوم.
وغير بعيد عن هذا، فالدولة القائمة على أحد قرني ثور الخرافة، ما انفكّت تستشعر زواليتها، وهو الشعور الذي تفاقم في العقد ونصف العقد المنصرمين، فانقلبت تتوخّى تثبيت كيانها كدولة، إنما مع عدم إهمال ميزتها كمهمة تخدم الآخر (الأميركي وأشباهه) لضمان المظلة الحامية. ولثبيت الكيان، لا بد لها من العناصر الثلاثة التي لا غنى عنها: القوة والعدوان والهجوم. وهذا ما لم يعد مُتيسّراً لها جميعه بنتيجة حرب 2006. فالهجوم تحوّل عملياً إلى مجرّد تهديد كلامي أجوف على طريقة أحمد الشقيري وأحمد سعيد. ولئن كانت القوة العسكرية بمعنى تكديس الأسلحة الأحدث في ترسانة الغرب، ما برحت متوفرة لها، إلا أنها باتت اشبه بتكديس العربية السعودية للأسلحة، حيث الكمّ للكمّ فقط، في حين أن الاستخدام باتت تكبحه لدى الحكام الصهاينة ذكريات مواجهات 2006 الدموية وحسابات الخسارة المحتملة.
يجب القول إن ” إسرائيل ” العاجزة عن الهجوم والعدوان، ليست ” إسرائيل ” . وقطع ذراعيّ العدوانية والهجومية، يجعلها على شفير القرارات الشمشونية (عليّ وعلى أعدائي). والمعنى أن لجوءها إلى مخزونها من الأسلحة النووية لم يعد خارج البحث. صحيح أن قصفها بالنووي سيرتدّ عليها بالضرر النووي كذلك، إلا أن هذا الاستنتاج ليس مُطمئناً كفاية، ولا سيّما بعد خروج القرارات الشمشونية إلى الساحة الافتراضية، ولا يضمن عدم حصوله.
العلامة ستأتي من مصير الاتفاق النووي الذي يجري حالياً بحث إحيائه بين واشنطن وإيران. وإذا تمّ الأمر كما ينبغي، عندها ستكون “الدولة-المهَمة” قد انتقلت إلى مصاف أقل أهمية وأولوية، ليس بمعنى أنها أقرب للاستغناء عنها، بل أنها ستكون أكثر حاجة للاستقواء بنفسها بهدف تثبيت دولتها. وطالما “الكيان- الدولة” لن يكون مُتاحاً من دون الهجومية والعدوانية (المحطّمين بنتيجة حرب 2006)، فالنووي الذي اهتز بقوّة جرّاء صاروخ “شارد” كما أحبوا توصيفه، على مشارف ديمونا، هذا النووي بات مدعُوّاً، ولو من دون إعلان، إلى حفلة جنون صهيوني ممكنة.
لكن هذا يتطلّب الكثير بعد، وبخاصة الكثير من الوقت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى