لماذا يتمّ تأخير البتّ في عضوية إيران في منظمة شنغهاي؟
تبقى عضوية إيران الكاملة في منظمة "شنغهاي للتعاون" مرهونة بعدد من العوامل والمؤثّرات الإقليمية والدولية.
الدكتور نواف ابراهيم | كاتب وباحث سوري مقيم في موسكو
سعت إيران، بعد أن حصلت على صفة عضو مراقب في منظمة “شنغهاي للتعاون”، للحصول على صفة عضو كامل في هذه المنظمة. وبطبيعة الحال، يعتمد قبولها بعضوية كاملة في الأساس على الصين وروسيا، كأكبر أعضاء المنظّمة ومؤسِّسيها، وأكثرههم أثراً وتأثيراً في قراراتها. بالنسبة إلى الصين، تميل العلاقات الإيرانية تجاهها إلى أخذ بُعد استراتيجي وتجاري. فخلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى طهران، ولقائه الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، في شهر كانون الثاني/يناير 2016، تم إعلان رفع العلاقات إلى مستوى “شراكة استراتيجية شاملة”.
من جهة ثانية، من خلال استمرار تجارة الطاقة مع إيران، حتى بعد العقوبات الأميركية، ما زالت الصين تقدّم دعماً كبيراً إلى طهران، على الصعيد الاقتصادي، نظراً إلى أن إيران تفتقر إلى الوصول إلى النظام المالي العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة. وبالتالي، تضمن القدرة على تداول العملات المحلية، مثل اليوان الصيني، جزءاً كبيراً من استقرار إيران.
عندما التقى الرئيس الصيني جين شي الرئيسَ الإيراني السابق حسن روحاني، على هامش قمة منظمة “شنغهاي للتعاون”، التي حضرها كضيف شرف في حزيران/يونيو 2018، في مدينة كينغداو الصينية الساحلية، أكد شي جين أن “بكين ستحافظ على علاقات ثابتة بطهران مهما تغيّر الوضع الدولي”. لكن هذا لا يعني أن إيران ستصبح عضوا ًكاملاً في منظمة شنغهاي للتعاون في وقت قريب.
اللافت أن انعقاد القمة جاء بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحابَ الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الموقَّع مع إيران في عام 2015، والذي يرفع عقوبات اقتصادية مفروضة على طهران في مقابل تجميد برنامجها النووي. وكان روحاني الرئيس الإيراني الثاني الذي يشارك في القمة، التي استضافت تشينغداو نسختها الثامنة عشرة، والتي تتمتع إيران بصفة مراقب فيها.
من هنا، يرى الخبير بشؤون الشرق الأوسط في كلية بكين للشؤون الخارجية، غاو شنغتاو، أن “في إمكان إيران أن تكسب كثيراً” لأنها “تُجري تقييماً للموقِّعين على الاتفاق النووي لمعرفة إلى أيّ مدى سيتمكّنون من المحافظة عليه عملياً بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي”. وهذا ما “عملت عليه طهران فعلاً خلال الوقت الذي أعقب هذه اللقاءات”.
التعاون بين إيران و”شنغهاي”
منظمة “شنغهاي للتعاون” هي عبارة عن تحالف اقتصادي وأمني أوروآسيوي، تمّ تشكيله في عام 1996، تشبه، في الغالب، منظمة “حلف شمالي الأطلسي (“الناتو”)، وتدخل في عضويتها كل من الصين وروسيا والهند وباكستان ودول آسيا الوسطى الأربع، وهي أوزبكستان وطاجيكستان وكازاخستان وقيرغيزستان. وكسبت إيران فيها صفة مراقب منذ عام 2005، لكنها تنتظر أن تحظى بالعضوية كاملةً، منذ أن قدّمت طلبها الرسمي في عام 2008.
قبول العضوية الكاملة يعتمد، في الغالب، على موافقة العضوين المؤسِّسين، روسيا والصين، على الرغم من أن قرارات منظمة “شنغهاي للتعاون” تتطلّب إجماعاً، وبقيت معلَّقة ظاهرياً، بالنظر إلى الاعتراض الطاجيكي على إيران نظراً إلى دعم الأخيرة حزبَ “الصحوة الإسلامية” الطاجيكي، بينما ليس لدى روسيا سببٌ محدَّد أو واضح ومباشِر في الاعتراض. في المقابل، لدى الصين أسباب في إبقاء عضوية إيران في منظمة “شنغهاي للتعاون” غيرَ حاسمة، كما أن وجود إيران، عضواً كاملاً، يحمل تداعيات معيَّنة، وبكين ليست مستعدة لمواجهة السيناريوهات التي يمكن أن تأتي بعد ذلك، وفق حساباتها السياسية، في الدرجة الأولى، بخصوص العلاقة بواشنطن.
العقوبات ضد إيران
العقوبات على إيران حالت دون انضمامها إلى هذا المنتدى، عندما تقدَّمت بطلب في عام 2008. وكونها خاضعة لعقوبات الأمم المتحدة في ذلك الوقت،لم يتمّ النظر في طلبها وأخذه على محمل الجِد، وظل عالقاً، إذ ذكرت المنظمة أنه لا يمكن لأي دولة تواجه عقوبات الأمم المتحدة الانضمامُ إلى المنظمة.
بعد إبرام الاتفاق النووي مع إيران في عام 2015، وانتهاء العقوبات على البلاد، أصبح انضمامها موضوعاً ساخناً على الرغم من أن التقدم الفعلي ظل بطيئاً. وفي عام 2019، عادت العقوبات، على نحو كامل، مع خروج الاتفاق النووي عن مساره، الأمر الذي جعل عضوية إيران في منظمة “شنغهاي للتعاون” غيرَ واردة مع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة، بدلاً أو نيابةً عن الأمم المتحدة.
من جهة ثانية، على الرغم من أن بكين لم تُوقف وارداتها النفطية من طهران، فإنها لم تتجاهل العقوبات الأميركية على إيران، وخصوصاً خلال حربها التجارية المستمرة مع واشنطن. إن قبول إيران في منظمة “شنغهاي للتعاون” في هذه المرحلة (2019-2021) من شأنه أن يدفع الصين، بصورة رمزية، إلى المعارضة المباشِرة للغرب، ويزيد في تعقيد علاقاتها المتدهورة أصلاً بالولايات المتحدة.
علاوة على ذلك، تلتزم الصين التنفيذَ المستمرّ والكامل والفعّال للاتفاق النووي الإيراني، ولا يمكنها تحمُّل دفع طهران إلى منصة جديدة قبل المفاوضات من أجل إعادة الاتفاق النووي إلى مساره الصحيح.
ثانياً، تعتمد الصين على صناعة النفط في الشرق الأوسط من أجل أمن طاقتها، واستثمرت بسخاء في مشاريع البنية التحتية والبناء في جميع أنحاء الخليج. أصبحت الصين أكبر مستثمر وشريك تجاري لمجلس التعاون الخليجي، ولديها كثير من المشاريع على المحكّ في المنطقة.
مع وجود المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، كأكبر شركائها التجاريين في المنطقة، تخشى الصين أن تكون محاصَرة في إيران، نظراً إلى أن المناورات بين الجانبين تزداد بصورة متواترة بين الحين والآخر. لذا، من هذا المنطلق، ووفق الخبراء، لا تستطيع الصين تحمُّل الكثير من التحيّز لمصلحة إيران.
وكما هو متوقَّع، إذا حصلت إيران على عضويتها، فإن دول الخليج ترغب أيضاً في أن تكون جزءاً دائماً من المنتدى. حتى الآن، لم تُمنَح المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة صفةَ مراقب، أو حتى شريك في الحوار.
توقّعت الصين أن يُطلَب منها الانحياز إلى أحد الجانبين في وقت ما، وعرضت التوسّط بين إيران والمملكة العربية السعودية في عام 2017. وأيّ تأييد لعضوية إيران في منظمة “شنغهاي للتعاون” يمكن أن يُفسد علاقة بكين بالمملكة العربية السعودية، التي لها أيضاً علاقات دفاعية قوية بواشنطن. قد يكون لهذا الأمر تداعيات على مشروع الصين الضخم، مبادرة “الحزام والطريق”، بحيث تشكّل كل من المملكة العربية السعودية وإيران نقطةَ اتصال أساسية في هذه الشبكة.
في جانب آخر، قبلت منظمة “شنغهاي للتعاون” عضويةَ الخصمين في جنوبي آسيا، الهند وباكستان، فقط في عام 2018. ولم يكن التعامل مع العلاقات غير المنتظمة بين إسلام آباد ونيودلهي أمراً سهلاً، ولم تكتسب الثقة إلاّ بالتدريج من خلال التدريبات المشتركة لمكافحة الإرهاب، والمؤتمرات العسكرية تحت مظلة منظمة “شنغهاي للتعاون”.
عضوية إيران في منظمة “شنغهاي للتعاون” والمساران الإقليمي والدولي
بطبيعة الحال، تواجه إيران مجموعة ليست بسيطة من التحديات الإقليمية والدولية، والتي تستند إلى كثير من عوامل الاختلاف في التعاطي مع الملفات الإقليمية والدولية الساخنة، وتوازنات كفّة المصالح الجيوسياسية والاقتصادية لجميع الأطراف.
في هذا الخصوص، في حديث خاص بمدير المركز العربي للدراسات الإيرانية، الدكتور محمد صالح صديقيان، قال إن “إيران تمتلك إمكانات كبيرة على المستويين، الجيوسياسي والجيوستراتيجي، وفي مجالات النفط والغاز والطاقة الكهربائية. وحصولها على عضوية “شنغهاي” يُكمل التكامل الاقتصادي، الذي تهدف إليه المنظمة، بالإضافة إلى كثير من عوامل اللقاء والبنى التحتية والسوق الاستثمارية الإيرانية. وإيران، منذ حصلت على صفة مراقب، تسعى لنيل العضوية من أجل إتمام عملية التكامل الاقتصادي مع الدول الأعضاء”.
وتابع صديقيان “ربما يبدو أن الجانب الصيني لن يرحّب كثيراً بإيران عضواً ثابتاً، وقد تأخذ الصين، إلى حدّ بعيد، الموقفَ الأميركي والعقوبات المفروضة على إيران في الاعتبار. وحسابات سياسية، مثل هذه الحسابات، قد لا تخدم أهداف منظمة شنغهاي”.
وأضاف “التوجه نحو الشرق يمثّل إحدى ثوابت السياسة الإيرانية الخارجية، ويمتد أربعةَ عقود. إيران تسعى لتعميق علاقاتها وصداقاتها بدول الشرق. وسياسياً، لديها ذكريات غير جيدة مع الولايات المتحدة والدول الغربية، لكنّ هناك كثيراً من المشتركات الاقتصادية والثقافية والأكاديمية مع دول الشرق، الأمر الذي يجعل منظمة شنغهاي أرضية لتعزيز هذا التعاون”.
من جانبه، الباحث في القضايا الجيوسياسية، الدكتور سومر صالح، رأى أن” عضوية إيران المباشِرة في منظمة شنغهاي للتعاون غير واردة قبل انتهاء كل العقوبات الأميركية المفروضة عليها، سواء ما تعلَّق منها ببرنامجها النووي، أو ما ارتبط بقانون “كاتسا” (2017)، لأنه سيعرّض أمن المنظومة لخطر العقوبات الأميركية. لذا، قد ترغب الصين في انتظار وقت أفضل، عندما تنتهي العقوبات الأميركية على إيران، وتعود العلاقات السعودية الإيرانية إلى مسارها الإيجابي”.
وأردف صالح “إذا انضمّت إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون، فإن المملكة العربية السعودية ستضغط أيضاً من أجل العضوية. ومع ذلك، فإن ثنائياً آخَر من المنافسين قد يعرّض الانسجام الأيديولوجي، والاستقرار والفعالية لمنظمة شنغهاي للتعاون لخطر مستدام. في المدى الطويل، يمكن للخلاف المستمرّ أن يصرف الانتباه عن أهداف منظمة شنغهاي للتعاون، ويمنعها من أن تصبح منتدى عالمياً مهماً”.
وأضاف “باستخدام تكتيكات التأخير في مسألة منظمة شنغهاي للتعاون، ستواصل بكين التجارة مع إيران، لأنها جزء مهم من مبادرة “الحزام والطريق”، بالإضافة إلى كونها مزوِّداً للطاقة. وعلى الرغم من أن العلاقات بين الصين وإيران تسير في مسار تصاعدي، وأن الرئيس الصيني شي أبدى دعمه لإيران في منظمة “شنغهاي للتعاون”، فإنه لم يكن إعلاناً رسمياً مشتركاً. وربما، بعد التوقّف عن إضفاء الطابع الرسمي على إيران كعضو في منظمة شنغهاي للتعاون، من المحتمل أن تتعامل الصين مع هذا الأمر بسرور ودبلوماسية”.
في المحصّلة، تبقى عضوية إيران الكاملة في منظمة “شنغهاي للتعاون” مرهونة بعدد من العوامل والمؤثّرات الإقليمية والدولية، في ظل المتغيرات الحالية، والتي لا يمكن تجاوزها إلاّ عندما يتم التوصل إلى تفاهمات واتفاقات دولية وإقليمية شاملة وضرورية، تُطَمْئِن الجميع على أمان مصالحهم السياسية والأمنية والاقتصادية. وهذا يبدو بعيد المنال في المدى المنظور، في أقل تقدير، كما يرى عدد من الخبراء.