بعد الإعتذار… من البديل… ولبنان الى أين؟
فاطمة شكر | كاتبة واعلامية
طويت تسعة أشهر من تكليف الرئيس سعد الحريري الذي كان من المفترض أن يشكل حكومة إنقاذية، تراعي المبادرة الفرنسية ومبادرة الرئيس نبيه بري، وبإعتذاره عن التشكيل عاد لبنان الى نقطة الصفر في موضوع تشكيل الحكومة تحديداً.
لبنان 2021 عاد الى عصر ما قبل التاريخ، عصرُ الجاهلية الذي لا دواء فيه ولا كهرباء ولا مياه ولا طبابة ولا طعام يأكله الفقراء بعد اليوم. سيموت الكثير أمام المستشفيات بسبب احتكار الحيتان للدواء، هؤلاء القتلة ومن يشترك معهم من السياسيين لا رحمة في قلوبهم، لأن الله ختم على ابصارهم وضمائرهم فزادهم جشعاً وطمعاً.
«لبنان لم يعد موجوداً « (غويندال رويار ) مبعوث الأم الحنون نعى لبنان بشكلٍ واضحٍ وصريح، هذا النائب الذي لم يدرك ما فعله عندما قال هذه العبارة والتي كان وقعها قاسياً على قلوب مواطنيه الذين ضحوا وقاوموا من أجل أن يبقى لبنانهم حتى الرمق الأخير، هو نفسه يعرف أن هذه الكلمات لن يتأثر بها حكامه العظام إلا ما قلَّ وندر، حكامُ لبنان الذين حتى هذه الساعة لم يحرّكوا ساكنًا ولم يرتجف لهم جفنٌ أمام هذا الإنهيار الكبير، لأن جيوبهم ملأى بالدولارات وقصورهم موزعة في جميع أنحاء العالم وعلى وجه البسيطة، ولم يتركوا بقعةً إلا و قاموا بزيارتها.
أن يعتذر الرئيس سعد الحريري عن التشكيل كان متوقعاً، مع الإختلاف في تحديد الوقت، لكن الشارع السني الذي كان ولا يزال يُصرُ عليه كرئيس، نزل الى الشارع ليبدأ مسلسل قطع الطرقات والفوضى والتكسير بالتزامن مع الإرتفاع الجنوني للدولار وانهيار الليرة اللبنانية بشكلٍ أرعب المواطنين. مصدرٌ مقربٌ من بيت الوسط أكدَّ أن الحريري لم يكن ينوي الإعتذار يوم الخميس، وأن الأجواء كانت إيجابية، وأنه كان يعمل تحت سقف المبادرة الفرنسية، ناهيك عن الإتفاق حول أسماء الوزراء، وأن إعتذاره شكّل صدمةً كبيرة لدى الجميع، وقد اتخذ قراره بالإعتذار خلال اللقاء الذي جمعه مع الرئيس ميشال عون .
ومع بداية الحديث عن الأسماء التي ستطرحُ من أجل التشكيل، فقد أكدّ مصدرٌ سياسيٌ ان عدم التوافق حول شكل الحكومة وأسماء وأعداد الوزراء، وعدم التوافق الداخلي والوطني والإقليمي هو أمرٌ جوهري ولا يمكن لايّ كان المغامرة بترؤس الحكومة في هذه الظروف العصيبة، ويضيف المصدر نفسه أن هناك محاولات جدية ومشاورات بين الحريري والرئيس نبيه بري لإختيار الشخصية البديلة المطروحة، إضافةً الى تشاورٍ جدي بين الفرنسيين وحزب الله لإيجاد البديل، لكن من المبكر جداً الحديث عن حسمٍ حقيقي لتسمية شخصية مناسبة لهذه المرحلة الحساسة، وربما سنكون أمام أيام من التشاور من أجل التسمية، لكنها لن توصل لأي نتيجة ملموسة، وعلى الأغلب ستتجه الأمور الى تعويم حكومة حسان دياب من الآن وحتى الإنتخابات المقبلة في ربيع العام 2022 .
ويتابع المصدر أن إصطفاف النائب وليد جنبلاط الى جانب بري، الغاية منه الإبتعاد عن أجواء التوتر والإكتفاء فقط بالقيام بالأعمال الخيرية وتقديم المساعدات للمحتاجين للحفاظ على وحدة وهدوء الجبل. المصدر نفسه تحدث عن التعذر في إيجاد شخصية بديلة عن الحريري في الوقت الراهن، خاصة لجهة موقف دار الفتوى و»نادي رؤساء الحكومات السابقين» الذين لن يقوموا بتسمية أي شخصٍ من أجل تشكيل الحكومة، وقد أشار الحريري لذلك في مقابلته المسائية يوم الخميس.
من يقرأ تاريخ لبنان يُدركُ أن هذا الوطن كان من الدول المتقدمة في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، كان «سويسرا الشرق»، صدّر العلم والفن والموسيقى والطب والموضة والذوق الرفيع لكل دول العالم، كيف لا وهو « قطعة سما»، أما اليوم من يتابع ما يجري يجزمُ أن لبنان «طارَ» ولن يبقَ وطنٌ مادام حكامه وبعض القوى السياسية يصرّون على عدم التنازل والإستمرار في النكايات والإصطفافات التي تحددها السياسة الداخلية والخارجية، إضافةً الى الطائفية البغيضة التي لا زالت تتحكمُ بهم، إما التنازل من أجل أن يحيا لبنان وينهض من تحت الركام وإما السقوط المدوي الذي لن يترك أحد.