تحليلات و ابحاثمقالات مختارة

“سوريا بعد الحرب.. استراتيجيّة اقتصاديّة للنهوض”

زياد ناصر الدين | خبير في الشؤون الإقتصادية

يبقى السؤال الأهم: ما نوع النظام الاقتصادي الجديد الذي سيبصر النور في سوريا من خلال إعادة الإعمار؟

لم يكن مشهد الانتخابات السوريّة عاديّاً بعد 11 عاماً من حرب مدمّرة لا شكّ في أنها الأقسى في تاريخنا الحديث؛ انتخابات تبدأ من بعدها التحديات والتحوّلات الكبيرة، وينطلق مشوار تثبيت الإعمار لإعادة الاعتبار إلى الإنسان، بعد فشل الشعار الذي حمله المجتمع الدولي، والمتمثّل بإعادة الاعتبار إلى الإنسان، من دون الكلام عن أي إعمار، ومع الأخذ بالاعتبار أنّ شعار حملة الرئيس بشار الأسد “الأمل بالعمل” يُعبّر عن أهميّة التكامل بين الدولة ورئيسها والحكومة والشعب والمهندسين والاقتصاديين ورجال الأعمال، على الصعيدين الاقتصادي السياسي والاجتماعي السيادي، لتحقيق ازدهار سوريا مجدداً.
لكن يبقى السؤال الأبرز والأهم: ما نوع النظام الاقتصادي الجديد الذي سيبصر النور في سوريا من خلال إعادة الإعمار؟ للإجابة عن ذلك، لا بد من معرفة أهم المميزات الاقتصاديّة والاجتماعيّة قبل الحرب، ومن ثم الانطلاق إلى الرؤية الجديدة.
قبل العام 2011، كانت سوريا تتمتّع بالعديد من المميزات الاقتصاديّة والاجتماعيّة، أهمّها:
1- كانت دولة ذات اكتفاء ذاتي، كما كان مخططاً في برنامج الحكومة منذ العام 2002.
2- الثانية عالميّاً في إنتاج القطن.
3- الثالثة عالميّاً في إنتاج الزيتون.
4- الأولى عربيّاً في إنتاج القمح.
5- الأولى عربيّاً والرابعة عالميّاً في مستوى الأمان.
6- الأولى عربيّاً في الأمن الغذائيّ.
7- الأولى عربيّاً في البحث العلميّ.
8- مستوى البطالة في العام 2010 وصل إلى 8% فقط، بحسب تقرير الأمم المتحدة.
9- نسبة تشغيل اليد العاملة في حلب كانت 94%، قبل أن يتمّ تدمير 113 ألف منشأة صناعية، منها 35 ألفاً في المدينة وحدها.
10- سياحة مزدهرة، إذ وصل عدد السياح في بداية العام 2011 إلى 5.6 مليون سائح.
11- قطاع صناعة الأدوية كان يغطي 90% من الحاجة المحليّة، ويصدّر إلى 34 دولة خارجيّة بجودة عالية، بحسب تقارير منظمة الصحّة العالميّة.
12- الناتج المحلي وصل في العام 2010 إلى 64 مليار دولار، وكانت الإيرادات النفطية تشكل 7% منه فقط.
13- فائض في الإنتاج الكهربائي بمعدّل 5000 ميغاوات.
14- عدد المدارس وصل إلى 21 ألفاً، دُمّرت 7 آلاف منها خلال الحرب.
15- نسبة الأميّة في العام 1970 كانت تبلغ 70%. أما في العام 2010، فوصلت إلى 5%، بحسب تقارير الأمم المتحدة.
16- مركز صحّي لكل 10 آلاف مواطن، ومستشفى لكلّ 6 آلاف.

المراحل الأساسيّة التي مرّ بها الاقتصاد خلال الأزمة
في بداية العام 2012، بدأ الناتج المحلي الإجمالي بالتراجع. وفي نهايته، سجّل انكماشاً بنسبة 15.97%، وازداد الوضع الاقتصادي سوءاً في العام 2013، ليتراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 22.6% بسبب تصاعد الأزمة بشكل دراماتيكي.
اليوم، تواجه سوريا تحدي إعادة الإعمار. ومما لا شكَّ فيه أنّ الحلف الأميركي – الإسرائيليّ سيحاول عرقلة مشروع نهضة سوريا، وخصوصاً من خلال قانون “قيصر” الذي أقرَّه مجلسا الشيوخ والنواب الأميركيان في منتصف كانون الأول/ديسمبر 2019، ووقّعه الرئيس السابق دونالد ترامب بعد أيام، والذي يستهدفُ الشركات والأفراد الذين يقدمون التمويل أو المساعدة لدمشق، كما يستهدفُ عدداً من الصناعات السوريّة، بما فيها تلك المُتعلِّقة بالبنية التحتية والصيانة العسكرية.
وبالنسبة إلى النفط ومصادر الطاقة، ينصّ القانون على فرض عقوبات على كلّ من يعمد إلى توفير السلع أو الخدمات أو التكنولوجيا أو المعلومات أو أي دعم من شأنه توسيع الإنتاج المحلي في مجال الغاز الطبيعي والنفط والمشتقات النفطية، كما ينصّ على ردع الأجانب عن إبرام العقود المتعلّقة بإعادة الإعمار.

نهضة بعد الحرب
في ظلِّ الصراع التجاري والمالي والاقتصادي اليوم بين الولايات المتحدة التي تعتبر خصم سوريا، والصين حليفة دمشق، إضافةً إلى العلاقة المتزعزعة بين واشنطن وموسكو وعدائها مع إيران، يمكن لهذه القوى التي جمعتها سوريا في أزمتها، كما جمعتها الخصومة مع أميركا، أن تكون الرافد الأساسي لإعادة إعمار البلد العربي المدمّر، ضمن استراتيجيّة المواجهة البعيدة المدى مع واشنطن.
صندوق صينيّ للاستثمار
هناك فرصة حقيقيّة أمام الصين لإنشاء صندوق استثماري لدعم إعادة الإعمار ضمن خطة عمل مشتركة، تكون سوريا قادرة من خلاله على بناء نفسها مجدداً. كما تستطيع الصين أن تثبت دورها في منظمة التجارة العالمية، وأن تقوّي عملتها مقابل الدولار، وأن تحمي مشروعها “طريق الحزام والحرير”، كما يمكن أن تستفيد من قوّة سوريا في المنطقة.

صندوق استثماري صينيّ روسيّ إيرانيّ
يمكن تثبيت الحلف السياسي المتحالف مع سوريا، والذي وقف إلى جانبها في الحرب، وتطويره إلى حلف اقتصادي استثماري إنقاذيّ، يؤدي إلى تشبيك المصالح السياسيّة مع المصالح الاقتصاديّة ومصادر الطاقة المرتبطة بالغاز والبعد الجغرافيّ الاستراتيجيّ في أسواق مشتركة تتكامل فيها نقاط الضعف مع القوّة.

تشكيل صندوق استثماريّ سوريّ
يحدّد هذا الصندوق الأولويات والمشاريع ضمن رؤية اقتصاديّة إعماريّة تسمح لكل من يريد الاستثمار في سوريا بأن يدخل إلى عالم الإعمار تحت إشراف كامل للدولة، وتُحدد فيه الأبعاد الاقتصادية للمشاريع على الشكل التالي: بنى تحتيّة، إعمار سكني، استثمارات تجارية، شبكات طرق، شبكات اتصالات وكهرباء وتكنولوجيا، سياحة، إضافة إلى مشاريع إنتاجيّة وصناعة تستفيد من المواد الأوليّة الموجودة في البلاد. وتُخصص لهذه المشاريع تحفيزات كبيرة جاذبة للاستثمار.

دور جديد لسوريا
في جميع الأحوال، سيكون هناك نظام اقتصادي جديد متصالح مع الدولة والنظام السياسيّ في سوريا، يقوم على الثوابت التالية:
1- بُعد اقتصادي مقاوم للتطبيع.
2- الاستفادة من مصادر الغاز.
3- الاستفادة من اليد العاملة السوريّة.
4- الاستفادة من موقع البلاد الاستراتيجي في المشرق العربي المعادي لـ”إسرائيل”.
5- الاستفادة من موقعها المهمّ كمنطلق لمشرقيّة اقتصاديّة ونقطة وصل للغرب مع الشرق، وقدرتها على حماية نموذجها الاقتصادي القادر على إنعاش اقتصادات محيطة بها.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى