مرصد العدو

” إسرائيل ” تريد إنهاء القتال بصورة أحادية الجانب من دون الخضوع لشروط حم اس

رون بن يشاي – محلل عسكري ” يديعوت أحرونوت”

نتنياهو وغانتس وكوخافي بدوا واثقين بأنفسهم وحازمين، وفي المؤسسة الأمنية هناك شعور واضح بأن عملية “حراس الأسوار” تتقدم كما هو مخطط لها، من نجاح إلى نجاح. وحتى الآن لم تحدث إخفاقات على الرغم من الخسائر والأضرار في الجانب الإسرائيلي.
هناك انطباع بأن المؤسسة الأمنية تريد مواصلة العملية يومين أو ثلاثة أيام للاقتراب بقدر الممكن من حسم مادي، وعلى صعيد الوعي إزاء “حماس”، مع معرفة واضحة بأنه لن يكون هناك صورة انتصار؛ لن يخرج يحيى السنوار ومحمد ضيف من مخبئهما تحت الأرض رافعين العلم الأبيض ويوقّعا وقف إطلاق النار. لكن مناشدتهما مصر وأنصارهما في الخارج من أجل ترتيب وقف إطلاق نار سيكون عاجلاً ويائساً، وسيكون من الواضح أن المفعول الردعي كان حارقاً جداً. ويقدّرون في الجيش وفي الشاباك أننا اقتربنا من هذا الوضع، لكننا لم نصل إليه بعد.
من الصعب قياس “حرق الوعي الردعي” والإنجازات على صعيد الوعي، لأنها مفاهيم مجردة ولا شكل لها. لكن ما يعزز الثقة بالنفس لدى نتنياهو والمؤسسة الأمنية هي الإنجازات المادية التي أحرزتها العملية العسكرية:
تدمير جزء كبير من منظومة الأنفاق التي استخدمتها “حماس” للاختباء، وكان من المفروض أن تستخدمها في القتال على طريقة “اضرب واهرب” ضد قوات الجيش الإسرائيلي التي ستقتحم القطاع. هذه الأنفاق كانت العمود الفقري الاستراتيجي لـ”حماس” وقد خسرته، وفي هذه الأثناء أحرز سلاح الجو إنجازاً على صعيد الوعي، ووضع مقاتلي “حماس” أمام معضلة، هل يبقون فوق الأرض ويتلقون صاروخاً صغيراً، أو ينزلون إلى شبكة المخابىء والأنفاق ويتلقون قذيفة تستطيع أن تخرق تحصينات وزنها طنان ويبقون محاصرين أو مصابين.
تدمير معظم منظومة إنتاج القذائف والصواريخ بصورة لن تكون لدى “حماس” والجهاد الإسلامي القدرة على إعادة بنائها لأعوام طويلة.
في الأيام الأخيرة حدث تحوّل إضافي في القتال المادي كان لمصلحة الجيش الإسرائيلي، وفي الأساس لمصلحة المواطنين. المقصود القدرة على الكشف بسرعة عن منصات إطلاق الصواريخ المتعددة الأفواه، ومعظمها مخبّأ تحت الأرض، وضربها. كان هذا ثمرة تطور استخباراتي جرى خلال القتال وتم تطبيقه. وفي الواقع هذا اليوم، وفي الليلة التي سبقته دُمّر نحو 80 منصة إطلاق للصواريخ التي تُعتبر مكوناً مهماً جداً في المنظومة الصاروخية لكلٍّ من “حماس” والجهاد الإسلامي.
هذه المنصات التي يعمل جزء منها هيدروليكياً، وجزء منها يدوي، تطلق صليات قذائف وصواريخ من كل العيارات والأحجام. هذه الصواريخ هي التي اعترضت القبة الحديدية 90% منها، والتي كان من المفترض أن تصيب مناطق مبنية أو استراتيجية. إن ضرب منصات إطلاق صواريخ تحت الأرض، إذا نجح الجيش في تطوير أسلوب تدميرها بكفاءة عالية، سيحرم التنظيمات المسلحة من ميزة خاصة لا تزال موجودة لديها حتى الآن. هذا مهم، ليس فقط بالنسبة إلى العملية الحالية، بل مهم عموماً في المواجهات المستقبلية، بما فيها مع حزب الله والتنظيمات في سورية.
من المهم التوضيح في هذا الشأن أن هذه التقنية لا تزال في مرحلة التطوير في أثناء القتال ولم تقترب بعد من نجاعة القبة الحديدية المثيرة للإعجاب. لكن البداية مشجعة جداً ولا شك في أن هذا سيؤثر أيضاً في القدرة القتالية لـ”حماس” والجهاد.
لماذا يجب مواصلة القتال
لم نقترب بعد إلى وضع لم يعد فيه للجيش ولسلاح الجو أهداف. على العكس، القتال يخلق طوال الوقت أهدافاً تحددها الاستخبارات ويهاجمها سلاح الجو ضمن دوائر ضيقة. لكن في مثل هذه الأوضاع في اليوم السابع للقتال هناك في الأساس خطر حدوث تعقيدات. قنبلة طائشة، صاروخ لم يُعترَض يؤدي إلى إصابة عدد كبير من المواطنين، قنبلة مدفعية على مستوطنات قريبة من السياج تؤدي إلى إزهاق أرواح – كل هذا يمكن أن يقضي على الثقة بالنفس التي رأيناها اليوم لدى نتنياهو وغانتس وكوخافي.
هم يعرفون ذلك جيداً، كما يعرفون التداعيات السياسية لمثل هذا التعقيد المحتمل. لذا، هناك مصلحة اليوم لإسرائيل وللجيش في إنهاء العملية ما دامت تحظى بالدعم الدولي، وما دامت [أعمال الشغب] في الضفة الغربية لم تخرج تماماً عن السيطرة، والحوادث العنيفة في المدن المختلطة يبدو أنها تلاشت.
من جهة ثانية هناك اعتبارات لمصلحة استمرار القتال على الأقل بضعة أيام. أحدها رغبة وزير الدفاع غانتس ورئيس الأركان كوخافي في استكمال الخطة المتدرجة وتدمير المزيد من الأنفاق التي كانت “حماس” ستحاول بواسطتها مفاجأة إسرائيل، مثل غارة بحرية على أشدود وأشكلون، وطائرات من دون طيار، ومسيّرات دقيقة موجهة إلى منصات الغاز في “تمار”، ومسيّرات وطائرات شراعية – كل هذا جرى تحييد الجزء الأكبر منه. لا يزال هناك قدرة على إطلاق الصواريخ التي يمكن أن تفاجئنا وتسمح لـ”حماس” بتحقيق إنجاز على صعيد الوعي.
قبل كل شيء لا يزال هناك مسؤولون رفيعو المستوى في “حماس” يجب القضاء عليهم، بحسب اعتقاد الشاباك. حتى الآن اغتيل رؤساء منظومة الإنتاج والتطوير لدى “حماس”، وأربعة من أصل ستة من قادة الألوية. ومقارنةً بعملية الجرف الصامد، اغتيل فقط لواءان من “حماس”. وفي الشاباك وفي الاستخبارات العسكرية يعتقدون أنهم لم يقولوا الكلمة الأخيرة في هذا المجال.
سبب إضافي هو أن الأطراف في العالم العربي وفي الساحة الشمالية لم يقتنعوا كلهم بأن الضربة القوية الموجهة إلى “حماس” والجهاد الإسلامي هي فعلاً رادعة. لذلك هناك مصلحة في الاستمرار في القتال، وهذا ما جعل نتنياهو وغانتس وكوخافي يطلبون من المواطنين الالتزام بتعليمات قيادة الجبهة الداخلية؛ يبدو أنهم قرروا الاستمرار في القتال يومين أو ثلاثة أيام، وأخذوا الضوء الأخضر من المجلس الوزاري المصغر، لكن في الوقت عينه ازدادت المخاوف من تعقيدات يمكن أن تطيح الإنجازات المادية للقتال.
الشاباك يغير اللعبة
أيضاً في الساحة الداخلية الإسرائيلية طرأ تحوّل عندما دخل الشاباك لمساعدة الشرطة. صحيح أن الشاباك لا يقوم بدوريات في شوارع المدن المختلطة، لكن في كل حادثة إرهابية، مثل إطلاق النار من سلاح ناري، ورشق زجاجات حارقة، والتحضير لهجمات تعرّض حياة الناس للخطر – يستطيع الشاباك أن يعمل بصورة قانونية، ليس فقط لتقديم معلومات استخباراتية، بل أيضاً في إحضار [المشاغبين] من العرب واليهود إلى غرفة التحقيقات، والحصول منهم على أدلة واعترافات، قدرة خسرتها الشرطة موقتاً.
كما يملك الشاباك قدرة أفضل بكثير من أي جهاز آخر في أجهزة الاستخبارات على مراقبة شبكات التواصل الاجتماعية والتعرف إلى تهديدات قبل أن تدخل في حيز التنفيذ. من هنا كان دخوله إلى جانب الشرطة حدثاً “يغير اللعبة”، وسيكون له تأثير مهدىء على الأرض. منذ الآن في يد الشاباك والشرطة مئات المعتقلين الذين يجري التحقيق معهم قبل توجيه كتب اتهام.
في مثل هذا الوضع يقول المقامرون “من الأفضل مغادرة طاولة القمار.” وفي الواقع يدرسون في إسرائيل كيفية القيام بذلك. يبحثون عمّا يسمى “آلية خروج”. والنية هي عدم السماح لـ”حماس” بالسيطرة على ذلك، بل إسرائيل هي التي ستُملي نهاية المعركة بصورة أحادية الجانب، ولن تسمح لـ”حماس” ومصر بجرّها وتمييع الإنجاز كما حدث في الجرف الصامد. نهاية أحادية الجانب هي من دون شك النهاية المفضلة في الوضع الحالي، وموضوعات، مثل منع تعاظُم القوة في المستقبل واستعادة الأسرى والمفقودين، يمكن البحث فيها عندما تطلب “حماس” مساعدة الولايات المتحدة والدول الأوروبية للتخفيف من الضائقة الخانقة التي يعيشها القطاع حالياً. عندها تحين ساعة العمل السياسي بالتنسيق مع حلفائنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى