مقالات مختارة

كتب سركيس ابو زيد | الكنيسة الأرثوذكسية احتفلت بعيد مار مارون قبل الموارنة – الازدواجية المارونية: من فائض القوة الى فائض الضعف

سركيس ابو زيد | كاتب وباحث لبناني

يحتفل الموارنة في 9 شباط بعيد القديس مارون شفيع طائفتهم.

في منسكه، شيّد مارون خيمة من جلد الماعز، وأقام فيها لفترات قصيرة، إذ كان يقضي وقته في العراء مصلياً ومتعبداً، ليلاً نهاراً، وفي كافة فصول السنة.

ذاع صيت مارون في القرى المحيطة بمنسكه، لقدرته على شفاء المرضى، وطرد الشياطين.

مذهب مارون في التنسّك جعله يستميل بعض التلاميذ، فقلده بعض الرهبان والمتنسكين. ويشير المؤرخون لسيرة مارون، على قلّة المراجع، إلى أنّه من مؤسسي مدرسة التنسّك السورية التي سار عليها أيضاً القديس سمعان العمودي الذي أقام في العراء ولكن على عمود، حيث عاش حياته معتزلاً الناس ومصلياً.

خلاف على مار مارون

من المرجّح أن يكون القديس مارون قد توفي عام 410، ونشب خلاف بين أبناء المناطق المجاورة على الاستئثار بجثمانه لتكريمه. ومن المرجّح أيضاً أن يكون أهالي القرية المعروفة اليوم ببراد، في شمال سوريا، هم من فازوا بالجثمان، وبنوا له كنيسة، لم يبق من آثارها الكثير.

فلماذا الاحتفال بعيده في 9 شباط ؟ نقلاً عن المطران اسطفان عواد أحد أساقفة القرن الثامن عشر: «اكتشف البطاركة الموارنة أنّ عيد القديس مارون غير مسجل في قائمة أعيادهم الصادر بأمر من البابا زخيا العاشر عام 1647، فجعلوا عيد القديس مارون في التاسع من شباط وهو يوم عيد مار يوحنا مارون الذي نقله بدوره البطريرك يوسف اسطفان عام 1787 إلى 2 آذار».

بينما الكنيسة الرومانية الكاثوليكية وسائر الكنائس الارثوذكسية التي تبجله، تحتفل بعيده قبل الموارنة بمئات السنين في 14 شباط.

مع ندرة المرجعيات التاريخية عن تلك الحقبة، يلجأ الكثير من المؤرخين إلى تناقل مرويات غير مثبتة عن حياة القديس مارون. فلم يرد في أيّ مرجع ما يثبت تأسيس الناسك مارون لجماعة دينية، باستثناء تلاميذه الذين قلدوه في نمط تعبّده. لمزيد من التفاصيل راجع كتابي عن « مار مارون والموارنة : نظرة تاريخية جديدة» صادر عن دار ابعاد.

مجزرة يهودية ضد الرهبان

لم ينشئ مار مارون وتلاميذه أي مدرسة أو رهبنة، ولم يشيّدوا ديراً باسمه قبل القرن السادس، حين اشتهر دير مار مارون على ضفاف نهر العاصي في سوريا، بعد المجزرة التي أودت بحياة 350 راهباً من رهبانه، إثر الانشقاق الكنسي والخلاف اللاهوتي حول طبيعة المسيح والتي نفذها «مجموعة من اليهود الاشرار» كما ورد في وثائق تلك الايام.

أول من نسب الموارنة إلى مارون هو مرهج بن نمرون أحد خريجي المدرسة المارونية في القرن السابع عشر . كما أنّ البطريرك الماروني الشهير اسطفان الدويهي (1630-1704) نسب الطائفة حيناً إلى مار مارون الناسك، وحيناً إلى دير مار مارون على العاصي.

يقول المؤرخ اللبناني الراحل كمال الصليبي في كتابه «الموارنة – صورة تاريخية» إنّ المؤرخين لم يذكروا الموارنة بشكل واضح قبل القرن التاسع عشر، أي بعد مئات السنوات من وفاة الناسك مارون. ولم تصل للمؤرخين أي وثيقة أصلية حول الكنيسة المارونية قبل القرن الثالث عشر. ويتضح أنّه بعد تخريب دير مار مارون المذكور، لجأ عدد من رهبانه، وفي مقدمتهم يوحنا مارون السرومي إلى جبل لبنان، وكان أوّل البطاركة الموارنة.

بعد مرور اكثر من 1600 سنة على وفاة القديس الناسك مار مارون ما زالت تشهد الطائفة المارونية دورة جديدة من الصراع على هويتها ودورها وغدها. عندما توفي الناسك مارون تقاتل محبوه حول من يحتفظ بجثمانه. ومن يومها، يختلف الموارنة حول تسميتهم ومرجعيتهم، الى درجة انهم لا يتفقون على مكان تنسك ودفن شفيعهم. وحول كل محطة تاريخية يتباين الموارنة ويختلفون.

اسطورة حفرون ونفرون

واليوم ينقسم البيت الماروني الى عدة غرف وطوابق، تتوزع فيها القوى السياسية بين «8 و14 آذار» وما بينهما من فرق واتجاهات . هذا الانقسام يترافق مع خلاف على الأولويات ولا سيما مع «زحمة» الاستحقاقات اهمها:

تزايد شعور الجمهور الماروني بغياب دوره وحضوره ، وقد وصل الى إعلان موت الكيان الذي اسسوه كما يدّعون، والذي وجد لأجلهم كما يرغبون، وبات اليوم في مهب الضم والتقسيم في مشاريع «سايكس ـ بيكو» جديدة. كل هذا فاقم شعور الماروني العادي بأن دوره مهمّش، فأضحى كمن «يتسوَّل» دوراً فقده، أو كمن يراهن على وهم غير ممكن التحقق في ظل موازين القوى على الأرض التي تبرز ضعفه وهشاشته، فأضحى بلا وزن او تأثير، فلا احد يحسب له حساب إلا في صفوف الكومبارس او تلوينة مستحبة. في ظل هذا المشهد يطمح بعض الموارنة الى لبنان القوي او الجمهورية القوية في زمن انتقلوا فيه من فائض القوة الى فائض الضعف.

اصدق تعبير عن واقع الموارنة اسطورة «حفرون ونفرون» من التراث خلاصتها :

حفرون ونفرون اخوان من انصاف الالهة. ولدتهما امرأة من الارض وماتت. والتحق والدهما بالغيب.حفرون البكر بقي في الجبل «يحفر» الارض ويقلب الصخر ويعارك الطبيعة القاسية لينتزع منها رزقا لحاجة يومه. ولكن الطبيعة غلبت صموده بقحطها. يسقط حفرون في الجهاد ويموت من بؤس وجوع وبرد مطمورا تحت الثلج على صخرة الجبل الاجرد. اما نفرون اخوه الثاني «نفر» لضيق المجال الحيوي ورحل عن الجبل الصخري وسافر في درب المغامرة. فنزل الى الساحل وابحر بعيدا في مركب قاده الى التغرب في متاهات العالم. وضل طريق العودة. ثم نسي نفرون اخاه حفرون ولم يعد الى القرية ولم يسمع به من بعد احد. حفرون قضى على الجبل العاري ونفرون انطوى في ذاكرة النسيان.هذه هي الاسطورة التي ترمز الى تاريخ وواقع الموارنة: ففي نفس كل ماروني يعيش حفرون اللاصق بجبله، المنكفىء على ذاته، المنقبض في عزلته… ويعيش ايضا نفرون المهاجر الذي يناديه الرحيل، في مدى المساحات البعيدة ومتاهات الفكر.انعكست ثنائية الجبل والبحر في شخصية الموارنة فولدت ازدواجية في القيم والسلوك وطبعت تاريخ الموارنة بالخلافات والانقسامات والصراعات وبالسؤال المستمر عن الهوية نتيجة الشعور بعدم الاستقرار والامان والتردد في الانتماء وحالات الهجرة والنزوح والترحال والخوف المستمر على الوجود والقلق الدائم على المصير.

وقراءة للتاريخ تظهر لنا انقسام الموارنة حول الموقف من البيزنطيين والصليبيين والاتراك والمسلمين وحتى من الغرب ومن الصهيونية واسرائيل.

ازدواجية الجبل والبحر

يقول الاب ميشال حايك: «الموارنة غلاة في كل شيء، هكذا هو مناخ الجبل بتناقضات فصوله يعكس على اخلاقهم اضداده العنيفة… فهم اكثر الناس تقدمية اذا امنوا، واشدهم رجعية اذا فزعوا».

الى متى سيبقى الماروني مغال في الانعزالية وفي الانفتاح؟

الى متى سيبقى اسير جدلية الجبل من جهة وما يمثل من رجولة وكرامة وتمسك بالارض ومن جهة اخرى البحر وما يجسد من رغبة في الهجرة والسفر والمتاجرة والسمسرة؟

فاين نحن اليوم من اسطورة حفرون ونفرون؟

ما زال حفرون اليوم يطحن الصخر ليؤمن لقمة العيش الكريم والمسكن اللائق وحبة الدواء وقسط المدرسة في ظروف اقتصادية صعبة وازمة اجتماعية خانقة وفرص عمل معدومة.

التحدي الكبير الذي يواجه الموارنة وجميع اللبنانيين هو اي اقتصاد نريد؟

هل اقتصاد الجبل قادر على ادخالنا في عصر العولمة وزمن الاسواق الاقليمية وضرورات الشراكة مع اوروبا، ونحن عاجزون عن ترشيد اقتصادنا وتنظيم علاقاتنا مع سوريا ومع السوق العربية المشتركة؟

حفرون يحفر الجبل لكن طحن الصخر لم يعد يشبع وكذلك السفر لم يعد يغني. الهجرة اليوم هي التحدي للموارنة وجميع اللبنانيين فهي تطال شبابنا والقوى المنتجة والمبدعة والمتخصصة. هجرة الادمغة تفقر البلد من المعرفة والعلم والثقافة. الهجرة في ازمة ونفرون ما زال ينفر من ضيق العيش في وطنه وتجدد دورات العنف وتكرار الاسباب التي ولدت الحروب الاهلية.

نفرون نافر في ايديولوجية التيئيس التي تطل عليه كل يوم من خلال خطب رنانة وشعارات جوفاء وافاق مسدودة، نفرون نافر من التملق والنفاق والتكاذب وغياب ثقافة سياسية واستراتيجية تبني له دولة يطمئن لها بدلا من كوخ للتهجير او محطة للهجرة.

والسؤال المطروح في الواقع هو كيف نضع حدا لهذا النزيف البشري واي كرامة لوطن من دون سكانه؟

اسطورة حفرون ونفرون ما زالت حاضرة في الازمة الاقتصادية والاجتماعية وفي الامية السياسية المستشرية وفي التعصب الاعمى والعنصرية القتالة وفي الفوضى والفساد والغش.

موارنة بين الشرق والغرب

هذا هو الواقع… فماذا عن المرتجى؟

لا رجاء خارج بناء دولة قوية عادلة قادرة على تطبيق القانون على الجميع وتحقيق المساواة بين المواطنين وتوفر العدالة الاجتماعية مما يولد هوية وطنية جامعة.

المرتجى يبدأ بابداع صيغة حضارية للهوية الوطنية وبناء نظام جديد يعطي لبنان رسالة ومعنى ودورا في ريادة النهضة والحداثة والمعرفة الان و في الزمن الاتي.

المارونية الحضارية رسالة محبة وتسامح وعطاء تستلهم القديس مار مارون شفيعها الذي تتفيأ روحانيته وهو الناسك الذي قهر ذاته ليحيا الاخر.

إن ارتباك المواقف السياسية المارونية اليوم ناتج تاريخيا من ان الطائفة المارونية يتجاذبها منذ نشاتها في القرن السابع وحتى اليوم، تياران اساسيان:

تيار اول مشدود باتجاه الغرب وثقافته ومشاريعه، وقد عملت الكنيسة اللاتينية وفرنسا على تشويه ذاكرة الموارنة لتسهيل ربطهم بمخططات اوروبا الاستعمارية. وبفضل الدعم القوي الذي توفر لهذا التيار تمكن من ارباك الجمهور الماروني على نطاق واسع.

تيار ثان متمسك بجذوره المشرقية الانطاكية. وقد ظل هذا التيار محصورا في اطار بعض النخب والاوساط المارونية.

لذلك فمن الضروري العمل على احياء الذاكرة الحضارية التراثية الثقافية التي تشد هذه الطائفة الى جذورها الحضارية. خاصة وان المارونية سورية المنشأ: الناسك مارون شفيعها تنسك في جبل سمعان في شمال سوريا. والمارونية ولدت في دير مارمارون على العاصي، من رحم التيار الاستقلالي الوطني الذي ظهر في سوريا ردا على الهيمنة البيزنطية. وتاريخ الطائفة المارونية غني بالمواقف الوطنية المضيئة حيث تصدى فريق من الموارنة لكل استعمار خارجي اكان بيزنطيا ام صليبيا ام غربيا او صهيونيا. لكن هذه المواقف مطموسة في ثنايا التاريخ بهدف تغريب الموارنة عن واقعهم وتغذية عدائهم لمحيطهم.

فليتم اذا القاء الاضواء على هذه المعالم الحضارية التاريخية، لان ادراك البعد الفكري التراثي لجذور الطائفة يساعد على ارتباطها بهذه الارض، وليست كما يحاول ان يصورها البعض امتدادا للغرب وثقافته.

هل يستعيد الموارنة طريق الحاج الى المشرق وليس الى الغرب، انطلاقا من المكان الذي تنسك فيه مار مارون، وهو جبل سمعان وبالتحديد قرب حلب بين قرية كفر نابو وقرية براد المتاخمة لها، وما زالت بقايا آثار الكنائس والمدافن موجودة حتى الآن. ام يبقى السواد الاعظم من الموارنة في حالة ضياع وسؤال مستمر عن الهوية وتائه في خيارات متناقضة بين الغرب والمشرق ؟

هل مار مارون هو أبو الطائفة المارونية؟

يجمع مؤرخو الطائفة المارونية، اليوم، على اعتبار مار مارون الناسك كأب للطائفة المارونية. وتعترف بقداسته كل من الكنيسة الرومانية والبيزنطية. فمن هو مار مارون؟

هذا الكتاب يقدم نظرة تاريخية جديدة في تاريخ الموارنة

سعر الكتاب مع خدمة التوصيل لكافة المناطق اللبنانية: 7$

لطلب الكتاب على الواتساب:

00961-76-725236

أو الاتصال على الرقم:

00961-1-740495

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى