كتاب الموقع

وصفة السيد حلٌّ إسعافي لتعويم الدولة والذهاب الى التسوية بدل الإنفجار .. هل ينجح السيد ام انّ الإنفجار بات حتمياً ؟

عمر معربوني | رئيس تحرير موقع المراقب

 في لبنان كل قبيلة طائفية تملك روايتها عن الفساد باتهام القبائل الأخرى وتبرئة نفسها .

تيار المستقبل يعتبر مؤسسه الرئيس رفيق الحريري باني لبنان الحديث ويعتبر تياره تيار الحياة والعلم ، ملقياً التهمة تارة على التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل معتبراً ان الكارثة الكبرى انتجتها السياسة الخاطئة في إدارة وزارة الطاقة التي توالى عليها في آخر 15 سنة وزراء من التيار الوطني الحر .

وتارة يلقي التهمة على حزب الله متهماً إياه بالإستقواء بسلاحه وفرض سياسته بقوة هذا السلاح واستخدام مصطلحات خارج السياق والواقعية كاحتلال ايران للقرار السياسي اللبناني دون أي مستند يمكن للعقل ان يقبله .

في المقابل يعتبر التيار الوطني الحر ان ما نحصده الآن من فشل وانهيار سببه السياسة المالية والنقدية والإقتصادية التي رسمها واشرف عليها وتابعها الرئيس رفيق الحريري ومن جاء بعده سواء نجله سعد او الرؤساء نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام إضافة الى اعتبارهم الرئيس برّي وحركة أمل شريكاً للحريرية السياسية وهو ما بات علنياً ولم يعد حكراً على الدوائر الضيقة .

الأمر نفسه ينطبق على حركة أمل والحزب التقدمي الإشتراكي والقوات اللبنانية في تعدد الروايات وانتهاجها نفس الأسلوب في اتهام القبائل الأخرى وتبرئة زعيمها وحاشيته .

وحده حزب الله خارج الإتهام بالشراكة في الفساد سوى اعتبار البعض انه غطّى و ” طنّش ” لإعتبارات مختلفة بحيث يشبّهَه البعض بالذي شاهد الجريمة ولم يبلّغ الشرطة .

ولأن تهمة الفساد المباشر لا تنطبق على الحزب تتجه الإتهامات له بتسهيل التهريب باتجاه سورية وتحميله مسؤوليات هي في صلب مهام الدولة وأجهزتها .

ولو سلَمنا جدلاً ان الحزب يسهّل التهريب في مناطق من البقاع الشرقي ، فكيف يسهّله ويُشرف عليه من دير العشائر الى المصنع ومن وادي خالد الى العريضة حيث النفوذ لتيار المستقبل وغيره ؟

في موضوع التهريب سواء كان مرتبطاً بالمحروقات او بسلعٍ أخرى مدعومة فالمتضرر هو الدولتين اللبنانية والسورية معاً ، فالمحروقات المهرَّبة يشتريها اغنياء سورية واولادهم وبالدولار الذي خرج من السوق السورية بحدود 500 مليون دولار في سنة واحدة وهو ما ينطبق على السلع المدعومة في لبنان والذي تجاوز المبلغ المدفوع مقابلها حوالي 600 مليون دولار .

مقابل ما تخسره السوق السورية والذي يبلغ حوالي مليارين دولار سنوياً اذا ما اضفنا عمليات تبادل غير شرعية للعملات الصعبة بين البلدين وهو مبلغ يساهم في انخفاض سعر صرف العملة الوطنية للبنان وسورية كلحقة من حلقات الأزمة .

في المقابل تخسر الدولة اللبنانية ما يوازي المبلغ نفسه لخسارة سورية والمستفيد هو طبقة التجار ومافيات الأزمة في البلدين .

مع الإشارة الى ان 70 % من عمليات التهريب تتم عبر معابر لا نفوذ لحزب الله عليها .

هذا الإستعراض لا يهدف الى اتهام فريق وتبرئة آخر بقدر ما هو توصيف لعنوان من عناوين الأزمة وكل عناوينها متشابهة ومتشابكة .

وفي حقيقة الأزمة اننا امام مشكلة بنيوية تعيشها الدولة العميقة في لبنان تتمثل في الإندماج الكلي بين كارتيلات النفط والدواء والغذاء وهي نفسها قبائل الطوائف والتي نُطلق عليها تجميلاً الطبقة السياسية الحاكمة .

 

ولأن الإنهيار يسير بتسارع مجنون ولا حلول في الأفق المنظور لا بدّ من توضيح المسارات الحالية المتمثلة بثلاثة مسارات :

  • المسار الأول : وهو مبادرة الرئيس برّي المنبثقة اصلاً عن المبادرة الفرنسية والتي ترتبط بتشكيل الحكومة التي لن تولد طالما هي مرتبطة بعدم الرضى السعودي عن الرئيس سعد الحريري وهو أمر ابلغه له محمد بن زايد وفهمه وزير الخارجية الفرنسية لودريان .

 

أولى العقبات ترتبط بالرئيس المكلّف سعد الحريري الذي تعتبر السعودية تشكيله للحكومة تحديّاً لها بقبوله التكليف ، بعد ان عاش مع السعودي عصره الذهبي وكان خطّاً احمر لا يمكن تجاوزه من احد ، فالرئيس الحريري الذي يحط بطائرته في عواصم مختلفة لا يبدو انّه مرحّب به في رحاب مملكة محمد بن سلمان لأسباب منها السياسي ومنها الشخصي والمالي وهي أمور معروفة للقاصي والداني ولا داعي لشرحها .

ورغم الموقف السعودي من الرئيس سعد الحريري فهو على المستوى اللبناني لا يزال يحظى بدعم دار الفتوى وكتلة كبيرة من طائفته ، الا ان هذا الدعم يُمكّنه من خوض الانتخابات النيابية القادمة والمحافظة على عدد لا بأس به من النواب رغم كل ما لحق به من ضرر ، ولا يساعده في تشكيل الحكومة التي يحاول تأخير تشكيلها لتحاشي اتخاذ قرارات غير شعبية تتعلق برفع الدعم ويؤثر عليه انتخابياً وهو ما سينزاح من طريقه حيث ستتولى حكومة تصريف الأعمال القسم الأكبر من هذا الأمر ، ما يُبقي عدم الرضى السعودي عائقاً اساسياً في وجهه ولا شيء يؤشر على تغيره حتى لو حصل التقارب السعودي – السوري وهو موضوع متأخر ويحتاج الى وقت طويل اذا ما استمرت مساراته سالكة بشكل إيجابي وهو ما سيحصل آجلاً او عاجلاً ولكنه لن يخدم الرئيس سعد الحريري الذي سيكون بالنظر الى متغيرات الإقليم وانعكاسها على لبنان ورقة غير قابلة للتعويم ما سيودي به الى خارج الحياة السياسية وانتهاء الحقبة الحريرية .

 

 

  • المسار الثاني : يرتبط بالدعوة التي وجهّها رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط بالدخول في تسوية تشكّل مدخلاً لمعالجة الأزمة وهو ما بدأه بتلطيف الخطاب المتعلق بحزب الله وسورية ودَعّمّه بزيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وتوّجّها بالنجاح بعقد لقاء ثلاثي جمعه بالأمير طلال أرسلان والوزير وئام وهاب في خلدة وهو ما يريد جنبلاط من خلاله تقديم نموذج للآخرين حول إمكانية الإلتقاء وتجاوز الخلافات وتعميم هذا الجو على كل الأفرقاء وحسم الخيارات بالتمسك بالدولة بكل مؤساستها .

هذا المسار ورغم انه مطروح للتوافق بين اطراف الطبقة السياسية التي تسببت بالكارثة الاّ انّه بتقديري سيؤدي اذا حصل الى تأخير لحظة الإنفجار و لن يمنع حصول الفوضى وسيبقيها في حدودها المضبوطة ولن يلغيها ككأس مرّة طالما تمارس القوى السياسية سياسة دفن الرأس في التراب وعدم الإعتراف بالحقيقة وهي انتهاء وظيفة لبنان ككيان اسّسه الإنتداب ولغّمه بالغام موقوتة بات وقت انفجارها قريباً ، ولا بدّ من الذهاب الى حوار جدّي بين جميع اللبنانيين وليُسمّى باي اسم للإتفاق على وظيفة جديدة واقعية للكيان انطلاقاً من الكارثة الحاصلة والمتغيرات الإقليمية .

 

  • المسار الثالث : وهو ما طرحه السيد حسن نصرالله بعد فترة قصيرة من حراك 17 تشرين انطلاقاً من اداركه لحقيقة بنيوية الأزمة في البعدين السياسي والإقتصادي ، وان كان السيد يحاول تأجيل النقاش في البعد السياسي للأزمة الاّ انّه طرح ولا يزال حلولاً حقيقية للخروج من الكارثة التي صنعها زعماء القبائل الطائفية وكارتيلاتهم النفطية والدوائية والغذائية بمساعدة واشراف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي قَتلة اقتصادات الدول عبر طرح البدائل الواقعية التي لا تزال موضع رفض اغلب زعماء القبائل الطائفية .

وقبل الدخول في تبيان ما طرحه السيد لا بدّ من توضيح تساؤل قد يراود البعض ، اليس السيد حسن ايضاً زعيماً لطائفة او شريكاً في زعامتها ؟

والجواب بواقعية وتجرد للعارف بمسار السيد هو ان السيد وحزب الله متدينون وليسوا طائفيين وهو ما لن يُرضي البعض ولن يقنعهم رغم عشرات الوقائع التي تؤكد العمل بروحية المتدين وليس الطائفي .

وبالعودة الى ما طرحه السيد منذ سنة ونيف ولا يزال مطروحاً هو التوجه شرقاً لبناء اقتصاد انتاجي باكلاف صفرية على الدولة اللبنانية باعتماد نظام ال BOT في كل القطاعات ومنها النفط والكهرباء والصناعة والزراعة وهو ما  يزال موضع رفض لدى اغلبية زعماء القبائل الطائفية لأنه ينسف كارتيلاتهم ويشكل مقدمة لنهاية نفوذهم السياسي ويجردهم من نفوذهم الطائفي .

ولإدراك السيد نصرالله ان لا احد سيتجاوب مع دعوته المستمرة ذهب علناً الى القول ان استمرار ” الدولة ” بتجاهلها لحل الأزمة سيجعل حزب الله مضطراً الى تأمين حاجات الناس وعلى رأسها مادتي البنزين والمازوت من ايران وبالليرة اللبنانية مشترطاً ان يعمد حزب الله الى ذلك بوصول الدولة الى حالة الفشل الكامل وهو ما سيحصل برأيي بعد ثلاثة اشهر حيث موعد رفع الدعم النهائي عن كل حاجات الناس .

السيد نصرالله ورغم جديته في الطرح وعزمه على تنفيذه دعا الدولة الى اتخاذ القرارات المناسبة خصوصاً ان عروضاً روسية وصينية وايرانية قائمة وموجودة واولها وصول وفد روسي اليوم الى بيروت لطرح عقود بإعادة بناء مرفأ بيروت واحياء مصفاتي الزهراني وطرابلس وانشاء محطتي كهرباء .

فهل يتجرأ الرئيس حسان دياب وحكومته على توقيع اتفاقية مع الروس تشكّل مدخلاً لوضع لبنان على سكّة التعافي الاقتصادي ؟

ام اننا سنشهد سلوكاً حكومياً مشابهاً لكل ما سبق من سلوكيات ويبدأ حزب الله بتنفيذ وعد السيد باستيراد البنزين والمازوت والمواد الغذائية والدواء وكل احتياجات اللبنانيين ؟

في الحالة الأولى سيكون طرح السيد اذا ما وافقت حكومة حسان دياب على البدء بخطوة الانتقال التدريجي الحلّ الإسعافي الأول والخطوة الأولى في مسيرة طويلة يحتاجها لبنان للتعافي اقتصادياً وبدء تهاوي الطبقة السياسية وكارتيلاتها .

اما في الحالة الثانية وهي اقدام حزب الله على تأمين حاجيات اللبنانيين فإنّنا سنكون امام معركة شرسة سيواجهها الحزب بمواجهة الكارتيلات والطبقة السياسية وهي معركة قطعاً ليست بالسلاح وتعتمد بشكل أساسي على وعي اللبنانيين لمصالحهم وليس لتموضعهم الرعوي الطائفي .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عمر معربوني

رئيس تحرير موقع المراقب - باحث في الشؤون السياسية والعسكرية - خبير بالملف اللبناني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى