مقالات مختارة

هل يلتقط عون والحريري فرصة تأليف الحكومة قبل الانفجار الكبير ؟

العهد لا يريد خسارة باقي الرصيد وبيت الوسط في مرمى خصوم الشارع

محمد بلوط | كاتب وباحث سياسي لبناني .

يتدحرج الوضع نحو انفجار كبير في الشارع بسبب الانهيار الاقتصادي والنقدي الذي تفلّت وتوسع مؤخرا وبات يطال اوسع شريحة من اللبنانيين ويهدد لقمة عيشهم.

كل هذا الانهيار يحدث بينما يستمر عون والحريري في تبادل الاتهامات، وتحميل كل منهما مسؤولية الازمة الحكومية للآخر.

ويبدو واضحا ان الحراك في الشارع يأخذ منحى تصعيديا بسبب تفاقم الوضع المعيشي وارتفاع سعر الدولار الجنوني، بغض النظر عن العوامل المضافة التي تدخل في اطار التجاذبات وتسجيل النقاط بين الاطراف السياسية .

وفي ظل هذا الوضع الخطير الضاغط بات عون وتياره بقيادة صهره باسيل وكذلك الحريري وتياره محشوران وفي وضع لا يحسدان عليه . الاول لا يريد ان تلتهم نار الازمة والانهيار الجزء الاخير من عهده، والثاني لا يستطيع ان يترك لعبة الشارع الى النهاية وبالتالي تضييع فرصة العودة الى السلطة بدور الوفاقي المنقذ .

وتقول مصادر مطلعة ان رئيس الجمهورية لا يريد ان يستمر الوضع على ما هو عليه، خصوصا في ضوء التطورات المتسارعة في الايام الاخيرة وعودة الحراك الشعبي بقوة الى الشارع بعد القفزات الجنونية التي سجلها ويسجلها سعر الدولار . لذلك اراد ان يبادر الى خطوتين : اولا العمل بكل قوة للجم التدهور النقدي وتداعياته، وثانيا اسقاط الاتهامات والحجج التي تحمله مسؤولية استمرار الازمة الحكومية.

وتضيف ان حزب الله نشط مؤخرا بعيدا عن الاضواء لتذليل العقبات امام تأليف الحكومة من خلال السعي الى صيغة وسطية مقبولة ترتكز على مضمون ما اعلنه الامين العام السيد حسن نصرالله باستبعاد الثلث المعطل لاي طرف والتخلي عن التمسك بحكومة ال١٨ .

ووفقا للمصادر فان الرئيس عون لم يبد ممانعة لاعتماد هذه المعادلة ما جعل اللواء عباس ابراهيم يستأنف تحركه مؤخرا سعيا الى التوافق على هذا المخرج وحل مسألة الخلاف على تسمية وزير الداخلية . لكن هذه المهمة لم تصل الى خواتيمها ولم تستكمل بعد بسبب الخلاف الذي اندلع مؤخرا بين بيت الوسط وبعبدا، لا سيما اثر اعلان الحريري عبر مكتبه الاعلامي انه لم يتلق مثل هذا العرض رسميا، واثارته ايضا الى مطالبة التيار الوطني الحر بمنحه الثقة اذا ما اراد ان يكون له حصة الى جانب رئيس الجمهورية .

ولم ترد بعبدا علنا او رسميا على هذا الموقف لكن ما رشح عنها عكس استياءها مما ورد في بيان الحريري وتاكيدها انه يمارس عرقلة وتأخير الحلول.

اما التيار الوطني الحر فقد اصدر بيانا متشددا امس اسف فيه « للاستهتار المتمادي من جانب الرئيس الحريري بمصير البلاد» وحمله مسؤولية تعميق الازمة بامتناعه عن القيام باي تشاور لتشكيل الحكومة.

واستغرب انه يريد التزاما مسبقا بمنح الثقة ممن يرفض التشاور والتعاون معهم .

وتقول المصادر المطلعة ان عون اراد من خلال موقفه الاخير حول الحكومة قطع الطريق على الاطراف التي تسعى الى استثمار النقمة الشعبية لتحقيق اهدافها السياسية في معركتها ضد العهد، والتأكيد ايضا انه لا يسعى للحصول على الثلث المعطل في الحكومة كما عبر اكثر من مرة .

وترى ان بعبدا ارادت اعادة او رمي الكرة الى ملعب بيت الوسط وتحميل الحريري مسؤولية استهلاك الوقت واضاعة الفرص والهروب الى الامام، وكذلك احراجه مع الاطراف التي ساندته منذ التكليف وحتى اليوم .

واذا كان رئيس الجمهورية فقد قسما من رصيده بسبب الازمات المتلاحقة منذ بداية عهده وحتى اليوم وبسبب التطورات الخطيرة والتدهور الحاصل فان الرئيس الحريري بات ايضا محشورا مع استمرار الازمة الحكومية وتعذر تاليف الحكومة منذ تكليفه وحتى اليوم، خصوصا ان حركته الخارجية لم تؤت اكلها ولم تثمر عن نتائج حتى الآن .

وتقول المصادر ان حركة الاحتجاجات الشعبية سلاح ذو حدّين بل تصيب الحريري كما عون، بدليل ان الذين نزلوا الى الشارع هم متعددو الاتجاهات والولاءات . فهناك افراد ومجموعات شعبية نزلت نتيجة تفاقم الوضع المعيشي وعبرت وتعبر عن غضبها محملة السلطة بكل رموزها ومنها بطبيعة الحال الحريري وما يمثله مسؤولية الاوضاع التي وصلت اليها البلاد، وهناك مجموعات ناشطة مرتبطة باطراف وقوى مناهضة للحريري منذ تكليفه منها ما ينتمي للقوات اللبنانية والكتائب ومنها ما ينتمي لجماعات شقيقه بهاء والخارجين عن المستقبل مثل انصار اللواء ريفي وغيرهم، وهناك ايضا مجموعات يسارية مستمرة بحراكها منذ ١٧ تشرين تخوض معركتها ضد كل السلطة ورموزها، اضافة الى بعض مجموعات المجتمع المدني التي لها اجنداتها الخاصة.

ويبدو واضحا ان تيار المستقبل الذي يتزعمه الحريري لا يملك القوة المؤثرة في هذا الحراك ولا يستطيع ان يستثمره في معركة الحكومة، لا بل ان توسع الاحتجاجات وتفاقم الاوضاع في الشارع قد يرتدان على الحريري ويضعفان موقفه وموقعه كمرشح لا بديل عنه لرئاسة الحكومة.

وفي اعتقاد المصادر ان خصوم الحريري يمارسون ضغوطا عليه توازي الضغوط التي يمارسونها على رئيس الجمهورية وربما اكثر، خصوصا ان من بينهم من يتربص به شخصيا لابعاده والنيل من موقعه السياسي على الساحة السنية ولافقاده اوراقه في الملف الحكومي .

ومن المؤكد ايضا ان الحريري لم يحقق النتائج المرجوة من حراكه الخارجي حتى الآن سوى اظهار حيويته في التعامل مع الخارج، ولم ينجح في استثمار هذا التحرك على صعيد معركة الحكومة او على صعيد مسعاه الدائم لكسب الغطاء السعودي بسبب استمرار موقف الرياض المتشدد حتى الآن .

وتلفت المصادر الى ان موقفه الاخير من خلال بيان مكتبه الاعلامي وانتقاده مباشرة حزب الله لاول مرة منذ تكليفه يعتبر « سقطة غير موفقة» مهما كانت الاسباب والاهداف لان الحزب يعتبر من ابرز القوى التي ايدت ترشيحه وسعت الى تسهيل مهمته من اجل تشكيل الحكومة .

وترى انه كان عليه الا ينزلق الى الرد على مقال صحفي او على ما ورد على لسان نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم الذي جاء في اطار توصيف الموقف وليس في اطار تحميله مسؤولية الازمة الحكومية.

ويقول مصدر سياسي بارز ان التطورات الخطيرة في البلاد والوضع الذي لا يحسد عليه عون والحريري يفرض عليهما ان يبادرا بسرعة الى التلاقي واستئناف الحوار والبحث في تشكيل الحكومة اليوم قبل الغد، لان الاوضاع لم تعد تحتمل الخلاف والتجاذب والحسابات السياسية للرئيسين، عدا عن ان احدا منهما لا يستطيع تجاوز مواقف الآخر، وبالتالي فانهما محكومان بالاتفاق عل صيغة اللا غالب ولا مغلوب.

الديار
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن رأي كاتبها .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى