تحليلات و ابحاث

من وحيِ مؤتَمَرٍ قوميٍّ عربيٍّ عُقِدَ في الشّام منذ أَعوام أين الأُمّةُ ولبنان مِنْهُ الآن .. بعدَ الصّاروخِ السُّوريّ؟

زاهر الخطيب | امين عام رابطة الشغيلة – نائب ووزير سابق .

… وفي سِياقٍ زَمَنيٍّ مُتَّصِلٍ مَعَ ما سَبَقَ وأوْرَدَهُ البيانُ الخِتاميُّ بَعدَ انتِهاءِ مؤتَمَرٍ، بِعُنوان «تَجديدُ الفِكْرِ القوميّ والمَصيرِ العَرَبيّ كانَ قد عُقِدَ في دِمشق 20 نيسان 2008. وفي 22 نيسان 2021 ومن ضواحي دِمشق: ردٌّ بصاروخٍ سوريٌّ نوعيّ، «يَنْزَلِقُ» على حَدِّ قول العدوّ، في محيطِ ديمونة يُزَلْزِلُ كِيانَ العدوِّ الصُّهيونيّ… ويُنْضِجُ، عندي، بعد 23 عاماً، خَواطِرُ وتأمُّلاتٍ على ضَوْءِ تَطَوُّراتٍ نوعيّةٍ قد تَبدو فُجائيّة، ولَكِنَّها في الواقع، كانت تَتَكَوَّنُ تَدريجيّاً نَتيجةَ تَراكُماتٍ كَمِيَّةٍ لِأحداثٍ خَطيرةٍ،
كُنّا نَتَوَقَّعُها خلال المُناقَشات، وَقد وقَعَت فعلاً بعد انْتِهاءِ المؤتَمَرِ بأعوامٍ امْتَدَّتْ من 2008 إلى 2011 إلى الرّاهِنِ مِنَ العام 2021.
«عامُ الصّاروخِ السّوريّ» يُغَيِّرُ قواعِدَ الاشْتِباك، ويُكَرِّسُ مُعادَلَة الرَدّ… ويَهُزُّ كِيانَ العدوّ الصُّهيونيّ، فهل سيكونُ الآتي أعظم؟ هذا ما تَرَدّدَ إعلانُهُ على لِسانِ أكثَرَ من خَبيرٍ استراتيجيٍّ عسكريّ… جنرالاتٌ يَضيقُ المجالُ لِذِكرِهم بالأسماء.
ألا نَجِدُ أنْفُسَنا اليومَ سِياسِيّاً أمامَ تَحوّلاتٍ تاريخيّةٍ لا زالت تَطرَحُ على الفِكْرِ القوميِّ تَحَدِّيات مَصيريّةً جَمَّة حَوْلَ قَضايا الأُمَّة؟ أُوجِزُ أبْرَزَها بِتَساؤلاتٍ في إطار عناوينَ ثلاثة:
ـ العنوانُ الأوّل: ماذا تَعني كَلِمَةُ «تَجديد»؟
كي يَنْعَقِدَ مؤتَمَرٌ، في دِمشق منذ 23 عاماً بعُنوان (تجديدُ الفِكْر القوميّ والمَصيرِ العَرَبيّ)؟
وكيفَ سَيَكونُ اليومَ التَّوضيحُ في الشُّروحات.. مَوْضوعِيّاً وعِلميّاً؟ والإبانَةُ أوِ التَّبيانُ في الإجابات، بعدَ «الصّاروخ» عَقْلانيّاً، فلا يَعكِسُ ذاتيّاً، هَوانا والرَّغَبات، وكُلُّ ذلك، طَبْعاً، على ضَوْءِ الرّاهِنِ مِنَ المُستَجِدّات؟
ـ العنوانُ الثّاني: ما العَمَلُ مَيْدانِيّاً في مَسارِ التَّطَوُّرِ وديناميّةِ الصَّيرورةِ والتَّحَوُّل، لا سِيّما في عالَمٍ أقَّلُ ما يُقالُ في سِماتِهِ اليومَ أَنّهُ عالَمٌ مُلْتَهِبٌ مُتَفَجِّر؟
ـ العُنوانُ الثّالث: ما هي أبْرَزُ العَناوينِ البَرنامَجِيَّة، لِتَحقيقِ الغايَةِ المَرجُوَّةِ من أُطروحةِ وَحدَةِ الأُمّة التي ما زالت راهنة،
في العنوان الأوَّل: بعضُ إجاباتٍ
في مَعرِضِ بعضِ التَّساؤلات…
ألا يَعني وَفْقاً لِعنوانِ المؤتمر الذي مضى منذ أعوام أنَّ التَّجْديدَ والتَّجَدُدَ إنّما يَكونُ بأمْرينِ اثنين حاسِمَين:
ـ وَعيُ الأُمَّةِ «لِذاتِها» وهي في طَوْرِ تَكَوُّنِها.
ـ إدراكُ الأُمَّةِ لِضَرورةِ تَحقيقِ وَحدَتِها القَومِيّة، أيّ تَوَحُّدِها، خصوصاً بَعدَ تَشَتُّتِها وتَشَلُّعِها لأسبابٍ شَتّى نأتي عليها لاحِقاً.
أفلا يَعني «التَّجديدُ»، أيضاً، تَجْديداً في «المَنْهَجِ» لِيَكونَ عِلْميّاً…؟ أيّ أنَّ الأُمَّةَ التي استَكْمَلَت من قَبْلُ عناصِرَ تَكَوُّنِها، ومن بَعدُ، تَقَسَّمَت وتَشَتَّت وتَبَعثَرَت بِفِعلٍ استِعماريّ، باتَ حَقٌّ عليها النِّضالُ لِتَستَعيدَ وَحدَتَها في إطارِها القَوميّ؟
وأنّ كُلّ أُمّةٍ في مسارِها هي أمامَ طَوْرَينِ تاريخييّنِ ضَرورييّن لا بُدَّ مِنَ المُرورِ بهما:
ـ الطَّورُ الأوَّل، هو التَّكَوُّن: أوِ التّكوين بِتَوافُرِ عَناصِرِ التّكَوُّن الثلاثة: 1ـ الأرض،
2 ـ اللُّغَة أوِ اللِّسان العَرَبيّ بالنِّسبةِ للعَرَب، 3 ـ الثَّقافةُ آمالٌ وآلام…
ـ والطَّورُ الثّاني، هو التَّوَحُّد أوِ الوَحدة في الإطارِ القَوميّ بأبْعادِهِ الأُمَمِيّة. أيّ بالقِيَمِ الإنسانيّةِ السّاميّةِ التي تُعَبِّرُ عَن «ناموس التَّعَدُّديةِ» في القَومِيّات (شُعوباً لِيتَعارفوا)، والإقْرارُ بِحِكْمَةِ ونِعمَةِ «التَّعَدُّدية»… والحِرص الشَّديد على عَدَمِ تَحويلِ النِّعمَةِ إلى نِقْمَة بالعُنْصُريّةِ والعُصبَوِيّةِ والجَهالَة… وعلى سَبيلِ المِثالِ لا الحَصر:
ـ الأُمَّةُ الإيطاليّة حَقَّقَت تَكَوُّنَها ووَحدَتها القوميّة مَعَ غاريبالدي.
ـ الأُمّةُ الألمانيّةُ حقَّقَت بِدَورِها، تَكَوُّنَها، ثُمَّ وَحدَتَها القَوميّة مَعَ بِسمارك.
ـ وسائِرُ الأُمَمِ الأوروبيّة تَمَكَّنَت مِنَ النَّجاحِ في القَرنينِ السَّابِع عَشَر والثَّامِن عَشَر
في تَحقيقِ وَحدَتِها القَوميّة.. والوصول أخيراً ونِسْبيّاً، إلى بُعدٍ أُمَمِيٍّ «بالاتِّحادِ الأُوروبيّ.
ـ فماذا عَنِ الأمّةِ العَرَبيّة بعدَ الصّاروخ السُّوريّ؟ وأين هي الأُمَّةُ بعد استِكْمالِ شُروطِ عَناصِرِ تَكَوُّنِها منذ أمَدٍ بعيد،
ـ أين هي اليوم من استِكْمالِ تَوافُرِ شُروط وَحدَتِها القَوميّة؟
ـ ولِماذا طالَ معها الزَّمَنُ وهي تُناضِلُ وتُكابِدُ لِتَحقيقِ وَحْدَتِها القَوميّة؟
ـ لماذا وعلى الرُّغمِ من تَوافِرِ قادَةٍ عُظَماءَ وقَوميّينَ مُقاوِمين، وثوريّين أُمَمِيّين ومُجاهِدينَ ناضَلوا نِضالاً شاقاً وطويلاً لِيَنْهَضوا بِأُمّتِهِم مُوَّحَدَةً، فلم يَفْلَحوا حتى الآن؟
ـ السَّبَبُ الواضِحُ والفاضِح: إنّما كانَ وما زالَ: تَكالُبُ وحشِ الاستِعمارِ الذي ازدادت شَراسَتُهُ لِلافْتِراسِ بالتآمُرِ على أُمَّتِنا بدَسِّ فَيْروس «وعد بَلفور»، وما لَحِقَ بِجَسَدِها من أوبئةٍ ومن فَيْروسات كَرَّت معها السّبحَة.. «سايكس بيكو»، اتِّفاقات «كمب دايفيد»، «أُوسلو»، «وادي عَرَبَة»، وما سُمِّيَ بـ «ِرَبيعٍ عَرَبيّ»، «مَشْروع شَرق أوْسَط جَديد»، «صَفقَةُ قَرن»، مُصطَلَحُ «تَطْبيع، «اتِّفاقات أبراهام»! إرهابٌ كَوْنيٌّ تَكْفيريّ، وإرهابٌ دَوليٌّ صُهيونيّ و… و… و… مَرجَعُهُم كان وما زالَ استِعمارٌ غَربيّ…
تَمويلُهُم رَجعيٌّ عَرَبيّ، ورَبُّهم الأعلى: طُغيانٌ أميركيّ: دَمارٌ ونارٌ وحِصارٌ وإفْقار، (وقُمَمٌ) (بِضمّ القاف)، منها إنْ لم نَقُل مُعظمُها خُضوعٌ وخُنوعٌ وعار لإرادَةِ الاستعمار من حُكّامٍ أَعرابٍ عملاء أَشَدُّ كُفْراً بالدين والعُروبَةِ، وأشَّدُّ فَساداً باخْتِزانِ الذّهَبِ والدولار، واحتِقابِ النَّفط والغاز، حُكّامٌ عِبريّين لا عَرَباً ولا عِربان أشَدُّ صَهْيَنَةً مِنَ الصّهاينةِ عنصُريةً وإفَساداً.
ـ فهل ثَمّة آفاقٌ لِلتَنَبّؤ المُستَقبَليّ على حَدِّ تَعبيرِ جاك أتالي في «آفاق المُستَقبل «Lignes D’horizon» كي يَنْفَتِحَ، لِهَذِهِ الأُمَّةُ أو لِتلكَ، الأُفُقُ لِتأخُذَ نَصيبَها في، الإسهامِ «ذاتِيّاً» بِنَهْضَتِها مَعَ أحرارِ العالم…
وبالعودةِ إلى موضوع الفكرِ القوميّ بين الثّابت والمُتَحَوِّل في المُعادَلَة:
ـ الثّابِتُ هو تَكَوُّنِ الأُمَّة كما سَبَقَ القَوْل بِالعَناصِرِ الثلاثة: الأرض واللُّغَة والثّقافَة، وهذا قد تَحَقَّقَ منذ أمَدٍ بعيد.
ـ وأمّا المُتَحَوِّل فيَنْبَغي العَمَلُ عليه لِتَجديدِهِ، كَونُه قابِلٌ لِلتَّحولِ والتَّغَيُّر. والجوابُ العِلميّ على كُلِّ هذه التَّساؤلات: هو ما أجْمَعَ عليهِ عُلَماءُ الاجْتِماع
على مَرِّ العُصور من «ابنِ خَلدون»، إلى «أُوغست كونت» إلى «جاك أتالي « في كِتابِهِ «آفاق المُستَقبل» السّابِق ذِكْرُه، عَشِيّة القَرن الواحدِ والعشرين.
إنَّ أمرَ التَّجديد والتَّجَدُّد في الفِكْرِ القوميّ لا يكون إلا بِالنَّهضَةِ ونهوضِ الأُمَّة بِالبرامِجِ، والرُّؤى العِلْميّةِ، وبالآلِيّات العَقْلانِيّة التي سَبَقَ وطَرَحَها مُفَكِّرون َقوميّون نَهضَوِيّون وقادَةٌ ثوريّون تاريخيّون فِكْراً ونِضالاً في المَيْدان، سِياسِيّاً وجَماهِيرِيّاً ومُسَلَّحاً مِنَ المُحيط الأطْلَسي إلى الخَليجِ العَرَبيّ.
وكان الدِّماغُ الإجراميُّ الاستِعماريُّ الغربيّ حاضِراً دائماً في أفراحِنا وأتراحِنا، وفي خِضَمِّ التآمُر والتَّضليل لِكَيِّ وَعينا الجَماعيّ وطَمْسِهِ، وغَسْلِ الدِّماغ الجَمعيّ العَرَبيّ وتَرويضِهِ أو تَرويعِهِ، الأمر الذي يَستَدعي منّا إفاقَةَ هذا الوعيِ المُخَدَّرِ وانعاشِهِ باستِنهاضِ القُوَّة الكامِنَةِ في هذه الأُمّة ومُقَدِّراتِها التي تَكْمُنُ في عَظَمَةِ مُقاوَمَتِها
ومُمانَعَتِها ومُناهَضَتِها لِكُلِّ أشْكالِ التَّجْزِئةِ والتَّقسيم.
ـ ولِلتَبَدِيّاتِ القِطْرِيّة التي أوْجَدَها الاستِعمارُ في الوطن العربيّ… بِهَدَفِ تَحقيقِ مآرِبِهِ وأطماعِهِ في ثَرَواتِهِ، وحِمايَةِ مَصالِحِهِ الاقْتِصاديّةِ وتأمينِها وذلك بِدَسِّ كيانِ العدوِّ الصُّهيوني العُنْصُريِّ الاستيطانيِّ في قَلْبِ، هذا الوَطَنِ المُمَزَّقِ أشْلاءً، وجَعلِ الأُمَّة عاجِزَةً عن النُهوضِ لمُجاوزَةِ عوائقَ عَديدَةٍ من شَتّى الأنواعِ والأشْكالِ لِتَكريسِ التَّجزِئةِ والتَّقسيم. في الوَعيِّ العَرَبيِّ الجَماعيّ، وفي أعماقِ عَقْلِهِ الباطِنيّ…
ـ أبْرَزُ هذه العَوائقَ في الوَطَنِ العربيّ الكَبير بات مُشَظّىً وَمُمَزَّقاً ومُتَناثِراً، كَياناتٍ وأقْطاراً، في ثلاثة أقْسام:
القِسمُ الأوّل: مَشْرقٌ عَرَبيٌّ بِدُوَلٍ خَمْس: (فلسطين، الأردن، لبنان، سوريّة والعراق).
القِسمُ الثّاني: شِبه الجزيرة العَرَبيّة بِدوَلٍ سبع: (السعوديّة، اليمن، الكويت، البحرين، قطر، اتحاد الإمارات السبع وعُمان).
القِسمُ الثّالث: دوَل المَغرب العربيّ بِدوَلٍ عشر: (مصر، المغرب، الجزائر، السودان، تونس، الصومال، ليبيا، موريتانيا، جيبوتي وجزر القمر).
ومن بابِ الصِّدَف لِلكَلِمَةِ الأجْنَبيّة (سندويش) بالتّعريبِ يُقالُ: الشّاطِرُ والمَشطورِ والكامِخِ بَينَهُما، الحاكِم الفاسِد وأمثاله مِنَ الحُكّام
مِمّن كان اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ عَدوّاً الفارِسيّ أوِ الأعجَميّ.. أو بِحَسبِ جَهْلِهِ أو هواهُ ما طاب له مِنَ التَّسمِيات.
ـ وتَفْصِل بين هذه الأقْطارِ عوائقُ جُغرافِيّة عديدة من جِبالٍ، وصحارٍ وأبحار تَمْتَدُّ مِنَ الأطلسي غرباً إلى الخليجِ العَرَبيّ شرقاً (6000) كلم ومساحة 11 مليون كلم2،
1 ـ هنا عَوائقُ جُغرافيّة التي هي مَوْضوعِيّاً تَضاريس طَبِيعِيّة جرى تَوظيفُها ذاتِيّاً من قِبَلِ الاستِعمار وسَلْباً ضِدَّ الأُمَّة العَرَبيّة المُتَوافِرِ فيها شُروط الأمّة في تَكْوينِها (أرضاً ولُغَةً وثَقافةً) منذُ أمَدٍ بعيد.
2 ـ وهناك أيضاً عوائقُ طَبَقيّة ومُجْتَمَعيّة، وقواعِدُ عَسكَريّةٍ للاستِعمارِ مَدسوسَةٌ بِفِعلِ خُنوعِ مُعظَم الحُكّام العَرَب لِسُلطانِ الاستِكبار الخارجيّ، والاستِحمار الداخليّ عبرَ تَبَعِيّةِ مُعظَمِ الأنْظِمَة في الأقْطارِ والأمْصار اجْتِماعيّاً واقْتِصاديّاً وسياسياً وثَقافيّاً.
3 ـ وهنالِكَ عوائقَ طائِفِيّةٍ ومَذْهَبيّةٌ وعائليّةٍ، ومَناطِقِيّة، وعشائِرِيّة، وقِبَلِيّة، وفِئوِيّة وعنصريّة تَتَمَثَّلُ بِعبوديّاتٍ جَسَديّةٍ وفِكريّةٍ، وجهالةٍ وجاهليّةٍ «نَتِنة»، على حد قول الرسول العَربيّ: «لا فَضْلَ لِعَرَبيٍّ على أعجَميّ إلا بالتّقوى».
في العنوانِ الثّاني: ما العَمَلُ مَيْدانيّاً
في مَسارِ التَّطَوُّرِ وديناميّة الصَّيرورَة والتّحَوُّل؟
في هذا السّياق، لا يَسُعُنا إلّا أن نَستَحضِرَ مُجَدَّداً الصاروخَ السوريَّ، الصّاروخَ النَوعيَّ الذي هَزَّ الكِيانَ الصُّهيونيّ بِرِمّتِهِ، وأقْلَقَ أسيادَه وحُلَفاءَه
وأجرى تَعديلاً في قَواعِدِ الاشْتِباك، وسَيَفتَحُ أُفُقاً واسِعاً للإسهامِ في تَجديدِ الفِكْرِ القَوميِّ باتِجاهِ إنجازِ الوَحدَةِ القَومِيّة، فإلى أيّ مَدىً وَصَلَ هذا الصّاروخ إلى الحَدّ الذي نَقَلَنا فيه من مَوقِعِ الدِّفاعِ السَلبي إلى مَوقعِ الدِّفاعِ الهُجوميّ، وبَعدَ ذلك المَقدِرَة الذّاتية والموضوعيّة على تَعديلِ مَوازينِ القُوى في مَصلَحَةِ مِحوَر المُقاوَمَةِ، بِتَوافُرِ المَزيدِ مِنَ المُعطَيات، لا سِيَّما أنّ هذا الصّاروخ ظَهَرَ وهو يُطِّلُّ برأسِهِ النَّوَوي في إطارِ صورَةٍ رَمزِيّةً
مَعَ آلافِ الصواريخ بالرّؤوسِ النَوَوِيّة عَلَّقتُ عَلَيها مَجازاً بالقولِ: كأنّها مُجْتَمِعَةً كسِهامِ نَصرٍ باتِّجاهِ السَّماءِ انْطَلَقَتْ، لأداءِ تَحيّةِ الإجلالِ والإكْبار لِشُهَداءِ العُروبَةِ، وشُهَداءَ إيران الفارسيّة والأعجَمِيّة والإسلاميّة، بِقيَمها الإنسانيّة…
السُّؤالُ المشروعُ الآن… هل يُمْكِنُ الرِّهانُ بِعَقْلٍ هادئٍ على هذا المُستَجِدّ (كَطَفرَةٍ Mutation)؟ أيّ تَحَوُّلٌ نوعيٌّ، وانتِقالٌ مِنَ الدِّفاعِ الإيجابيّ إلى مَرحَلَةٍ مُتَقَدِمَةٍ في الصِراعِ العَرَبيِّ الصُّهيونيّ على قاعِدَةِ التَّغييرِ في موازينِ القُوى، ويَبْقى هذا الأمرُ مُتَحَرِّكاً وَرَهناً بِما يَستَجِدُّ من تَطَوُّرات.
ومن بابِ الفَرَضِيّات، نَسألُ نَظَريّاً: إذا كان رأسُ صاروخٍ نَوَويٍّ سوريٍّ واحد، «انزَلَقَ» (مُصطَلَحُ العدوّ) في مُحيطِ دَيمونَة وزَلْزَلَ كِيانهُ، وكان له
في قلوبِ الصَّهاينَة وفي نُفوسِ المُستَعمِرين، وقعهُ في القلوبِ الواجِفَة الخائفة، والنفوسِ الهلِعة الجَزِعَةِ… فكيف لو هَطَلت، مَعَ صاروخٍ برأسِهِ النَوَويّ الواحِد..؟ كيف لو هَطَلت آلافُ الصّواريخ برؤوسِها النَوَويّة… على رؤوسِ الصَّهاينَة الظالمينَ والمُستَعمِرينَ المحتَلّين.. فهل كان لِيَبقى صُهيونيٌّ واحِدٌّ من أولاد الأفاعي المُحتَلّين على أرضِ فِلِسطين؟
يبقى مثل هذا القَول طبعاً مُجرد فَرَضيّة مِنَ الفَرَضيّات لا أكثر ولا أقلّ، وللبَحثِ صِلة
في العنوان الثّالث: ما هي أبرَزُ
العَناوينِ البَرنامَجيّة لِتَحقيقِ الغايَةِ المَرجُوَّةِ
من أطروحَةٍ وَحدَةِ الأُمَّةِ التي ما زالت راهِنَة؟
ـ الجواب، يَكْمُنُ في ثوابِتِ مِحوَرِ المُقاومَة
ـ (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ ما عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ، فَمِنْهُم مَّن قَضَىا نَحْبَهُ، وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ، وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلا)
ـ اعتِمادُ مَضمونُ تلك الآية الكريمة التي تَدعو إلى الجِهاد الأكبَرِ والأصغَر حتى النَّصرِ أَوِ الشَّهادة نَذكُرُ على سَبيلِ المِثال لا الحَصر، كوكَبَةً من شُهَداءَ بالحَقِّ عُظَماء أمثال:
عِزّالدّين القسّام، جمال عبد الناصر، حافظ الأسد، بشّار الأسد، أنطوان سعاده، حسن نصرُالله، عماد مُغنيّة، قاسم سُلَيماني، أبو مهدي المُهَندِس، أنيس النّقاش، هادي نصرُالله، ظافر الخَطيب، محمد سعد، جهاد جبريل، باسل الأعرج، دلال المُغربي، سناء مَحيدلي، جميلة بو حيرد، يسار مروه، ابتِسام حرب…
ويَضيقُ المجالُ لِتِعدادِ ما لا يُحصى من العُظَماء على دّربِ النَّصرِ أوِ الشَّهادة من شَهيداتٍ فتياتٌ وأُمّهات… ومن شُهداءَ شُبّانٍ وشيبٍ وأطفالِ قُدواتِنا في الحياة.
ـ الجاهِزِيّةُ القُصوى والاسْتِنْفارُ العام والوعيُ الدائمُ لِقادَتِنا وقُدْواتِنا.
ـ مُجابَهَةُ تَحَدِّيات عَوْدَةِ «الاستِعمارِ القَديمِ «على أراضينا» «بالاحتِلال المباشَر».
ـ قَطعُ دابِرِ عَودةِ «الاحتِلالِ غيرِ المُباشِر» عَبرَ القواعدِ العَسْكَريّةِ لِلاستِعمارِ.
ـ العَمَلُ على إسقاطِ الحُكوماتِ التّابِعةِ والخاضِعَةِ لِلهَيمَنَةِ السِّياسِيّةِ والاقْتِصادِيّةِ والاجتِماعيّةِ والثَّقافيّةِ اللاأخلاقيّة.
ـ عَدَمُ الانِصِياع لِلعُقوباتِ بِكُلِّ أشكالُها مهمّا اشْتَدَّ الخِناق عبر مُحاولاتِ الاستِعمار سواءٌ بِتَجويعِ الشّعوب… وشِراء الذِّمَمَ، ونَشرِ الفوضى وإثارةِ الفِتَن… عبْرَ العُمَلاءِ والفاسدين في الدّاخل.
ـ فَضحُ التَّضليلِ الإعلاميّ المأجور لِبَيعِ الوطَن… بِرَخيصِ الثَّمن.
ـ دَعوةُ الشُرَفاء من أبناء الوَطَن ليَكونَ كُلُّ مواطِنٍ خَفيراً يُناضِل لتَطبيقِ الدُّستور وتَنفيذِ القوانين.
فالقَضيّةُ باتَتْ قَضيّةَ وجود… «نَكونُ أو لا نَكون»، وبالتّالي رَدُّ الاعتِبارِ في الحياةِ الدُنيا، لِنَهضَةِ الأُمَّة قَومِيّاً واجتِماعيّاً بأبعادِها الأُمَمِيّة وبِقِيَمِها الإنسانيّةِ لِتَكونَ على الأرض حياتُنا كِفاحَنا ويكون كِفاحُنا حياتَنا.
ـ اعتِمادُ البيانِ الخِتاميّ1 المُنعَقِد في بيروت (Zoom) الخميس 29/4/2021، والتَّبَني
لِوَرَقَتيْ العَمَل (السِياسِيًّة) الأولى المُقَدَّمَة مِنَ الدكتور بشّار الجعفري نائب وزير الخارِجيّة السوريّة، والثّانية (إقتِصادِيّة) المُقَدَّمَة مِنَ الأمين العام السّابق للمؤتمر القوميّ العَرَبيّ الدكتور زياد حافظ.
*أخيراً لا آخِراً ميثاقُنا قَوميٌّ عَرَبيٌّ باتِجاهٍ أُمَميّ
– العُروبَةُ خِيارُنا القوميّ والتَّوَجُّهُ أُمَميٌّ.. بالقِيَمِ الإنسانيّة
– العروبَةُ ليست مُجَرَّدَ حنينٍ رومانسيّ إلى ماضٍ قديم
وهي ليست موضَةٍ باليَةٍ، كما يُرَوِّجُ الرّجعيون
– العروبَةُ حضارةٌ وثقافَةٌ وتُراث على ضَوءِ المُسْتَجِدّات تَتَجَدَّد
بِحضورِها المُتألِقِ بِجِهادِ العُلَماء والمُقاوِمينَ من طلائعِ أبناءِ أُمّتِنا،
– العروبةُ لَيسَت لُغَةً خَشَبيّةً ولّى عَهدُها كما يُرَدِّدُ أهلُ الجَهلِ والجَهالَة
وإنّما هي، سُنَّةٌ تاريخيّةٌ ومَرحَلَةٌ ضَروريّةٌ في تاريخِ البَشَريّة، لِتَطّورِ
كُلِّ أُمّةٍ تَتَطَلَّعُ نَحوَ وَحدتِها القَوميّة بأبْعادِها الأُمَمِيّة وبِقِيَمِها الإنسانِيّةِ
الحضاريّةِ التي يَنْضَوي تَحتَ راياتِها المُستَضْعَفونَ في الأرضِ الذين هم النُّزَهاء
الأقوِياءُ في نُفوسِهِم لا ضُعفاءَ النّفوسِ مِنَ الظالِمينَ الفاسِدينَ والمُفْسِدين..
– عُروبَتُنا الأصيلَةُ تَتَجَلّى بالصّادِقين والعُلَماء من أهلِ الشّهامَةِ
والنَّخوةِ والمُرؤوةِ والنُّبلِ والكَرَم…
– العُروبَةُ في جِهادِها هي أشْبَهُ بالشّعوبِ القِّديسةِ المُلْتَزِمَةِ لاهوتَ التَّحرير،
في المَسيحيّة الحقّة والتي تَختَزِنُ شُهداءَ بالحقِّ أمثال كاميليو توريس وروميرو،
– والشُّهَداء، (في كُلِّ مكانٍ وزمان) «هم أكْرَمُ من في الدُّنيا وأنْبَلُ بني البَشَر»،
عن «حافظ العَهْد» الرَّئيس الأسَد…
****
في الخِتام نِداءُ أولِ أيار إلى الأحرار:
ـ أيُّها اللُّبنانيُّون… أيُّها القَوْمِيّون… أيُّها الأُمَمِيُّون…
ـ يا أحرارَ العالم: هُبّوا مُتَّحدينَ نُلَبّي نِداءَ المُستضعفين، نَنْصُرُهُم التِزاماً بالقِيَمِ الإنْسانيّةِ لِنَحيا حياةَ الشُّعوبِ الأبِيّة،
ـ فَنَنْهَضُ بِقَضايا الأُمّة.. ونَجْبَهُ أعداءَها والعُملاء، وفاءً مِنّا لِدِماءِ الشُّهداء.
تعالَوْا أيُّها الأعِزَّةَ نَقِفُ وَقفَةَ العِزِّ والعِزَّة، لا وَقفَة الذُّلِ والذِّلةِ،
فهيهاتِ مِنّا الذِّلَة…
تَعالَوْا نُرَدِّدُ مِلئَ أفئِدَتِنا والحناجِر للعالَمين بلا استِثناء:
(إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ…) ورأيتَ الحُكامَ المُنافقين والعُملاء والكافِرينَ بالعروبةِ والدّين… (يَدخلونَ عَتَباتِ إيران «أفواجاً»)
فسَلَوْا عندئذٍ اولَئِكَ المُنافِقينَ والعملاء السّابقِ ذِكْرُهُم والمُجرمين… سَلوهُم سؤالَنا المَشروع ولو تَكْراراً للمرةِ المَليون: أوَ لَم يَنْدَه عليكم الأعداء من أمثالُكُم.. كي تَستَجيبوا لِسلامٍ زائفٍ، فأضَعتُم علينا عُمرَنا الرَّخيص بالمُساوَماتِ والمُهادنات… وَالتَكتيك والسّتراتيجيا، والأمرِ الواقع.. والمُمكِنِ والمُستَحيل…؟
نحنُ قَومٌ (من قَوْمِيّة)، نُحِبُّ السَّلام بل، ونُلقي التَحِيَّةَ بعِبارَةِ «السَّلامُ عليكم»… ولكنّنا مِنَ الصّادقين… فنحن قَومٌ لا نُلبسُ الحَقَّ بالباطِلِ.. نُصادِقُ من يُصادِقُنا.. ونُعادي من يُعادينا، رَحمَةً بالمُستَضعَفين..
نحنُ قَوْمٌ نَقولُ السَّلامُ عَلَيكم، ثُمَّ نُردِفُ، وعلى من اتَّبَعَ الهُدى، أفلا تتَّقون؟ لَعَلَكُم تَعقِلون، ماذا يَعني إن «يَنْزَلِقَ» (على حدِّ قولِ العدوّ)
صاروخٌ سوريٌّ في مُحيطِ مَفاعِلَ نَوَويّ فَيُزَلزِلُ أركانَ الكِيانِ الصُّهيونيّ وفرائِصِ المُستَعمِرين ويُقْلِقُ أربابَهُم الأميركييّن.. والعُمَلاءَ والأتباعَ الّذينَ يَكْنِزونَ الذَّهَبَ والفِضَّة المعروفين في الأُمَّةِ، وفي لبنان…
نُلْفِتُ أولئكَ، قبلَ فواتِ الآوان: أنَّ تَغييراتٍ وتَغَيُّراتٍ في موازينِ القُوى بَدأت تَتَجَلّى وَمْضاتُها في العالَمين..
فَوَيلٌ لبني صُهيون، ولِمَن يُسَمّونَ زوراً «مُستَوطِنين»… وَيلٌ لِهَؤلاء من هَبَّةِ القِدس والمَقْدِسيّين.. ومن صواريخِ أُمّةِ المُقاوِمين..
ويلٌ لَهُم من آلام الجَرحى ومن صَيْحَةِ دِماء الشُّهداء…
والويلُ كُلَّ الويل من غَضَب حِجارةِ أطفالِ فِلِسطين.
*****
وفي أجواءِ الأعياد وما يَرمُز إليهِ شهر أيّار…
مَعَ أطّيَب تَمَنِياتي وتَقديري ومَحَبتي للأحرار…
1 ـ مُنتدى عربي دولي لرفعِ الحِصار عن سورية.. ورقتا عمل للجعفري (سياسياً) وحافظ (اقتِصاديّة). المُراجعة والإشارة للمتابعة التّفصيليّة «البناء» العدد 3498، ومشاركة أحزاب واتّحادات وهيئات شعبيّة عربيّة وشخصيّات دوليّة من القارات الخمس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى