كتاب الموقع

كمين الطيونة وما سبقه.. ضمن خطة: “وسنلعب معهم لعبة طويلة”

تلك الجملة ("وسنلعب معهم لعبة طويلة")، والتي قالها جيفري فيلتمان (تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٩)، والتي عنونت فيها هذه العجالة، كانت قد استوقفتني كثيراً.

حسن شقير | كاتب وباحث سياسي لبناني

لن أدخل في المقدّمات أو المطوّلات، حرصاً على وقتكم، وتوسُّلاً من أجل إيصال الفكرة في جمل معدودة، ومن دون أحكام مسبّقة على ما سيلي، وآملاً في عدم اتِّهامي بنظرية المؤامرة التي أمقتها حقاً.

تلك الجملة (“وسنلعب معهم لعبة طويلة”)، والتي قالها جيفري فيلتمان (تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٩)، والتي عنونت فيها هذه العجالة، كانت قد استوقفتني كثيراً. وصرت، من حينها، أرصد الأحداث الجارية في لبنان، لأجد أن تلك اللعبة، التي أشار إليها فيلتمان، تتحرَّك ضمن آليات العزل والتعرية والتجريد من الحلفاء، فضلاً عمّا يُسمى “نزع الشرعية”، وكلها مفردات وردت في بعض استراتيجيات الأمن القومي في أميركا، من عهد أوباما، مروراً بترامب، وصولاً إلى بايدن، وذلك ضمن ما يمكن أن نطلق عليه “استراتيجية الحشر الأميركية”، في مواجهة ما سمّيته يوماً “استراتيجية عدم التخيير في البدائل المتاحة”، والتي فعلها المحور في مواجهة الجيل الجديد من أجيال الحروب النظيفة ـ القذرة، والتي تخوض غمارها أميركا اليوم في العالم.

– المحطة الأولى في “استراتيجية الحشر” تلك كانت في الايام القليلة التي تلت السابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر 2019، بحيث بدأت تلك الرحلة عندما رُفعت بين الجموع، التي احتشدت بعد ذلك التاريخ، شعاراتٌ غابت عن اليوم الأول، والتي كانت تشير بوضوح إلى بدء هجمة الحشر تلك… فكان الخِيار: إمّا البقاء في الساحات، في شعبويتها التي ظهرت، وبالتالي الدخول في مربَّع أخذ الصالح بالطالح من الحلفاء، وما لذلك من تداعيات على مَن يراد “عزلهم”، وإمّا مواجهة الاتِّهامات والاستفزازات.. وهذا ما حدث.

– المحطّة الثانية تمثّلت بإقفال الطرقات والأوتوسترادات الدولية، في مناطق حسّاسة جداً (وفي أوقات وفترات مرهقة، وعلى مدى أشهر كاملة)، ومن دون تدخّل سريع من القوى الأمنية!! والهدف كان الحشر أيضاً: فإمّا دفع المحاصَرين من الناس إلى فتنة شعبية، وإمّا دفع الأحزاب التي يؤيدونها إلى تولّي الأمر وتحمُّل التداعيات، وإمّا الصبر المديد ومعالجة الامور برويّة، مع تحمُّل التكاليف المادية والمعنوية للمحاصَرين والمُطالبين على حد سواء!

– المحطّة الثالثة كانت في حشر البيئة الحاضنة والبيئات الحليفة، ومن خلفها كل اللبنانيين، في التأزيم السياسي، الذي تبعه تأزيم مالي وتأزيم اقتصادي، وصولاً الى التأزيم الاجتماعي، فيما يتعلّق بكل ما يحتاج إليه هؤلاء من موادّ حيوية وضرورية من أجل تسيير عجلة حياتهم (حجز أموالهم، الدواء، المحروقات، المواد الغذائية…) واللعب على إدامة النزف والاستنزاف، وذلك من أجل حشر أولئك المُلاعَبين – بحسب فيلتمان – في زاوية الاندفاع نحو الفدرلة المقنَّعة والاتِّهام بخرق السيادة، أو الوقوف متفرِّجين! وهما خياران أُريدَ منهما، أو من أحدهما، اللعب على العقائد والوعي والأفكار والمعتقدات، في كلّ صنوفها، في محاولة لزرع التشكيك في أذهانهم. أليس هذا ما حدث قبيل تفعيل استراتيجية كسر الحصار المقنَّع عُنوةً.

– المحطة الرابعة، تمثَّلت بالضخّ الإعلامي الفظيع بشأن مصدر الغاز المراد استجراره من مصر، ومحاولة الإيحاء بأنه ممزوج بغاز فلسطيني مسروق من جانب الكيان الإسرائيلي، وأن القوى التي ترفع شعار الممانعة “وافقت على التطبيع”! أليس هدف هذا الأمر، أميركياً، حشرَ تلك القوى بين فكَّي المسارعة إلى اتخاذ مواقف هي معروفة سلفاً، عبر رفضها التطبيع، في كل أشكاله، الأمر الذي يجعلها كمن يعرقل ويُمْلي الشروط على الدولة، وإدخال هذه القوى، تالياً، في فخّ الشعار الخبيث الذي يريد خصومها إلصاقه بها، ومفاده “أنها الدولة القابضة على الدولة”، وإمّا تلوذ هذه القوى بالصمت الى حين، مع ما يترتَّب على ذلك من دخول في فخ التعرية المنصوب لها منذ عام 2008، وكما صرّح علناً روبرت غيتس، وزير الدفاع الأميركي في حينه، عندما شمل هذه القوى ضمن مَن ستعمل أميركا على ” تعريتهم” في العالم (التعرية هي جعل السلوك متضارباً مع المنطلقات والأهداف والشعارات).

– المحطة الخامسة من تلك المحطات، كانت في كمينَي خلدة والطيونة، واللذين تكاملت أهدافهما في التشكيك في توقّع الأحداث أولاً، وتقصُّد إظهار العجز عن الحماية ثانياً، وضرب ركنَي الثلاثية (الجيش بالمقاومة) ثالثاً. وعَوْدٌ على بدء إلى فخّ الحشر بين الانتصار لبيئة مكلومة بشهدائها وجرحاها، والدخول في أتون فتنة طخياء لا تُبقي ولا تذر، وتكون تداعياتها كارثية، على المستوى الاستراتيجي، على من يستهدفهم فيلتمان، أو العضّ على الجراح ومعالجة الأمر ضمن إطار زمني – قد لا يستسيغه البعض – يحقّق الأهداف للبيئة المكلومة ولمشروع المقاومة الأكبر في أبعاده الاستراتيجية، على المستويين اللبناني والخارجي، على حد سواء.

ختاماً، أقول إن مَن عمل على ضرب مشروع الاستثمار في الإرهاب، على مدى زمني طويل، ومَن ابتكر استراتيجيات التيئيس من أجل إفشال مشروع الاستنزاف المديد، ومَن سار في معادلة حشر قوى الشيطنة والاستكبار في العالم في إطار عدم تخييرهم بين البدائل المتاحة، مِن الملف النووي في إيران، وصولاً إلى فرض معادلة كسر الحصار.. لن يُعدَم الوسيلة في خنق استراتيجية الحشر الجديدة التي خطّتها أميركا أولاً، وتكاملت مع أدواتها في تجسيدها وتنفيذها واقعاً على أرض لبنان تالياً.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى