كتاب الموقع

كتب مفيد سرحال | ما لم يذكر عن طوفان الأقصى ومسار العبور

مفيد سرحال | مدير تحرير موقع المراقب

لن يكون فجر فلسطين في السابع من تشرين كما قبله إنه إشراق أشبه بالشعاع واللهيب اخترق الزمن العربي وكل ما هو آت .

إنها غزة وأبطالها الغر الميامين الذين عبروا على صهوة الغضب من فلسطين إلى فلسطين كما يعبر حد السيف تاريخ العرب.

لقد أخرجوا الأمة من وهدة اليأس إلى قمم العزة والكرامة وأزالوا كل نتؤات الزمن المر.

ماذا جرى فجر ذاك النهار الذي سيبقى ومضة عز في تاريخ الصراع الوجودي مع الكيان الغاصب المؤقت.

إنَّ طوفان الأقصى أحد أهم وأكبر إبداعات العقل المقاوم جاء حاصل تدريب مكثف امتد لشهور طويلة ومناورات متكررة على مجسمات تحاكي الأهداف في غلاف غزة ولم يوضع قيد التنفيذ إلا بعد  التأكد من أن نسبة الخطأ العملاني صفر.

إنَّ من العوامل الرئيسية لنجاح العملية 1_السرية التامة التي أذهلت ليس (الموساد والشاباك وامان) وحسب بل كبريات أجهزة الاستخبارات في العالم حيث التدريبات والاستعدادات والتحضيرات شملت لواءين من رجال مغاوير حماس دون أن ترى عين أو تسمع أذن وهذا بحد ذاته انتصار أمني مُدوٍّ لحماس وإخفاق مخزٍ لمنظومة الأمن الصهيونية التي طالما تفاخرت بقدراتها عالميًّا.
2_القدرة على التفاعل مع تعقيدات التكنولوجيا واستخدامها ببراعة فائقة وبحدودها القصوى ما يدلل على أن أدمغة خلاقة في صفوف المقاومة وفي هذا الجانب أظهرت براعة فائقة تضاهي الجيوش المنظمة وتجلى ذلك في الهجوم السيبراني واستخدام طائرات الدرون على أنواعها الهجومية المذخرة والاستطلاعية والطائرات الشراعية ناهيك عن وسائط القيادة والسيطرة التي تشي بأننا أمام جيش كلاسيكي وليس حركة مقاومة عادية.
3_الإمساك بناصية الإعلام والتحكم الكامل بالصورة والمشهد لاسيما صور القتلى من الجنود الصهاينة وجرهم مذعورين ولعل صورة أحد كبار الجنرالات في لواء غزة أسيرا عاريا هو بحد ذاته عري للمؤسسة العسكرية الصهيونية ووأد لهيبة( اسرائيل) التي سقطت كفكرة وكيان وظيفي صنعه الغرب.

مسار العملية والأجواء التي سبقتها.

تمكنت حماس من إغراق الصهاينة على المستويين الأمني والسياسي في كوب ماء عندما حيدت نفسها عن المعركة التي دارت مؤخرا بين حركة الجهاد الإسلامي والدولة العبرية الزائلة وأوحت بأنها تخضع لضغوط  فاطمأنت (إسرائيل) أنه بالإمكان احتواء حماس ووضعها على الرف عسكريا فتقضم الجهاد الإسلامي الذي سطر بطولات وخاض معركة قاسية وأثبت جدارة في الميدان وبسالة وقدرة مناورة أوجعت إسرائيل ومنعتها من النيل من الجسم العسكري للجهاد الاسلامي .

أما التضليل الثاني الذي جعل إسرائيل في حال ركود واسترخاء افتعال حماس لتظاهرات حول الوضع الاقتصادي المزري داخل قطاع غزة وطلب الغزاويين العمل خارجا فدخلت قوى خارجية على الخط لتوفير المال لغزة مقابل تقطيع فترة الأعياد لدى الصهاينة مما زاد من اطمئنان المنظومتين السياسية والعسكرية الصهيونية ومقابل ذلك كان في جعبة حماس الأمنية الاستعلامية تحضيرات صهيونية لضربة قاصمة لحماس تشل حركتها من خلال موجة اغتيال تطال القادة الكبار لاسيما العسكريين وتشتت التنظيم وتدخله في حال من الفوضى لكن كما يقال بلهجة القرويين(( ما كان الليل على قد ايد الحرامي)).
فأمسكت حماس زمام المبادرة بقبضة حديدية وعقل عسكري رشح عنه  إبداعات التخطيط والتنفيذ  ومرونة الحركة والشجاعة وأكثر من ذلك استخدمت حماس الأسلوب  والتكتيكات عينها التي شكلت للإسرائيليين عقيدة قتالية ثابتة في كل حروبهم مع العرب فكان الطوفان المباغت والهجمة الاستباقية النشطة والصدمة والترويع للعدو داخل الثكنات والتحصينات وحتى مهاجع نوم الجنود والأهم القتال في ساحته ومن تحت جلده والتي تعني في أدبيات العقيدة الصهيونية القتال على أرض الغير.

تفاصيل العملية

اختيار الزمان مسألة جدا مهمة في مسار العملية وفي مقدمها مناسبة عيد الغفران وخاصة اليوم العشرين منه والذي يتوج باحتفالية سنوية نهار السبت وضم هذا العام في إحدى المستعمرات 2500 يهوديٍّ من بينهم المئات من حاملي الجنسيات الأجنبية القادمين من أميركا وأوروبا والبرازيل والأرجنتين.

ومن استخدامات عامل الزمن فإن الهجوم بدأ قبل شروق الشمس بنصف ساعة وهذا التوقيت قاتل لمجسات الاستشعار وكاميرات المراقبة التي تعتريها موجات الندى فتخفض فعاليتها لحدود 90 بالمئة أما الدخول الأول إلى غلاف غزة فواكبه هجوم سيبراني  عطل أجهزة المراقبة ومجسات الاستشعار  وغطاء ناري  صاروخي صادم قدر ب5000 صاروخ واعطاب كل ما له علاقة بالرؤية والاتصال بواسطة طائرات الدرون المذخرة التي لعبت دورا بارزا في إنجاح الهجوم بحيث أصيبت منظومة القيادة والسيطرة للواء غزة بكل اجنحته وأصيبت غرفة العمليات بالعمى الكامل ما سهل اختراق الشريط من ثماني نقاط ودخلت الدفعة الأولى من مقاتلي حماس وقوامها 300 مقاتل وسيطرت على حاميات غلاف غزة والحصون ونقاط المراقبة وباغتت الجنود والضباط في مخادعهم وقتلت وأسرت العشرات منهم وسيطرت على 3 مستعمرات ومدينة سديروت في وقت هاجمت مجموعات قادمة من البحر زيكيم وعسقلان وجاءت الموجة الثانية من الهجوم ب1100 مقاتل لتثبيت المواقع المسيطر عليها وتنظيف المستعمرات من مقار الشرطة والاستخبارات أما القوة الجوية التي انتقلت إلى خلف الخطوط أي خلف انتشار لواء غزة فقدرت بأربع طائرات شراعية بخارية تحمل الواحدة مقاتلين اثنين توجهت إلى الحفل السنوي ولدى نزولها على مقربة من الحفل بدأ المستوطنون يلتقطون لها الصور بهواتفهم الخلوية على أنها نشاط مرتبط بالاحتفالية كما ظنوا أصوات الصواريخ المتفجرة على مقربة منهم مفرقعات نارية ودخل المقاومون إلى الحفل وقاموا بالواجب المطلوب وقتلوا وأسروا جنودا وضباطا كبار ومدنيين.

ست دقائق وما تلاها من أعمال حربية كانت كفيلة بإخراج لواء غزة العسكري من الخدمة والأهم وضع اليد  على كنز من المعلومات بعد السيطرة على مقر الوحدة 8200 الاستخبارية التي من مهامها تجنيد العملاء والاستعلام.

إن من نتائج هذه العملية أنها هشمت صورة الجيش الصهيوني حتى أن المستوطنين سألوا أين الجيش الذي صار عرضة للهزء والتندر والسخرية سواء من الإسرائيليين أو تلك الدول الحليفة الداعمة والأهم أن إسرائيل الوظيفة والثكنة المتقدمة للغرب الاستعماري التي أعدت لشطر المشرق العربي  عن مغربه واستهلكت الزمن العربي وكسرت ظهر النهضة العربية إسرائيل هذه ((الفزاعة)) سقطت وهزمت هزيمة نكراء على يد المقاومين وستبقى صورة الجنود الصهاينة يجرجرون على الأرض وتداس رقابهم ويفرون كالأرانب محفورة عميقا في الوجدان العام الصهيوني وستضاعف الهجرة المعاكسة وأبرز علامات السقوط والزوال لهذا الكيان مستوطن مذعور وجيش مهزوم وثقة مفقودة بالقيادة السياسية.

إن هذه الحرب أعادت الصراع إلى المربع الأول إلى المقاومة كخيار أوحد لاستعادة الحقوق وأكثر من ذلك إن الضربة التي كان يحضرها نتنياهو قبل أن تفاجئه حماس في السابع من تشرين المقصود منها الإجهاز على حماس والقول للعرب والعالم أجمع إنها ثلة أو شرذمة تأتمر بايران تتسلى بلعبة إطلاق الصواريخ وان الصراع مع دولة الاغتصاب عمل عبثي وتقضي الواقعية الاعتراف بهذا الكيان واستكمال حلقات التطبيع فجاء طوفان غزة ليجرف أوهام وأحلام نتنياهو وليؤسس عمليا لزوال هذا الكيان المصطنع فالمرحلة الآن تقوم على تثبيت الردع تأسيسا لمرحلة النصر الناجز.

إن الكيان المأزوم وجيشه المهزوم يلفظ أنفاسه ويسعى نتنياهو جاهدا لالتقاط أنفاسه عبر حرب الإبادة التي يشنها على غزة العزة ويحاول ترميم صورة كيانه الهش بالمجازر وتؤرقه جبهة الشمال مع حزب الله كما كل قوى المحور الذي يدير المعركة باقتدار وتخطيط دقيق وخطوات محسوبة.

نتنياهو الذي كان يحضر لشطب القضية الفلسطينية شطبته غزة من قائمة السياسة وتنتظره فينوغراد جديدة ستطيح حتما بمستقبله السياسي ومطالب المقاومة وشروطها ستتحقق كاملة أي وقف انتهاك حرمة الأقصى تبييض السجون بأكبر صفقة تبادل عرفها العالم وفك الحصار عن غزة.باختصار لقد غُدرنا في حمص وجاء الثأر من غزة نفسٌ بنفس ودمٌ بدم.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى