كتاب الموقع

كتب محمود بري | الإنتخابات النيابية: اليوم وغداً

محمود بري | كاتب وباحث لبناني

بينما ترتفع وتيرة التحميَة استعداد للانتخابات النيابية “المطلوبة دولياً”، وينصرف مختلف الفرقاء إلى شحذ أسلحتهم “الملائكية”… تصريحات وصناديق مواد تموينية وأوراق عملة خضراء، يُلاحظ فائق اهتمام السفيرة الأميركية “دوروثي شيا” بهذا الموضوع وسعيها الحثيث في سبيل تأهيل أنصار سياسة بلادها  لجعلهم قادرين على قطع طريق بعبدا أمام  أيّ مناصر للحزب وسياساته.

أول هموم السفيرة النشيطة ورأس أولوياتها يتنازعه همّان رئيسان: ذراع السنيّة السياسية التي ما تزال تحت تأثير اللطمة التي تلقتها بانسحاب الرئيس الحريري وتياره. ومن الجهة الثانية قوّات جعجع (المُضعضع وضعها اساساً) التي اضطرها التصريح الأحمق لـ “الناطق بلسان الحكيم” إلى التزام المواقف الدفاعية والتبريرية (وهي أحوج إلى الهجوم والكَرّ) بعد الغلطة السياسية الفاقعة التي ارتكبها من منصته كمسؤول إعلامي.

وبين هذا وذاك لا يبقى أمام “العاقل الوحيد” في الجهة المقابلة غير السعي الحثيث وبذل أقصى جهوده لتسليك الأمور بين حليفيه اللذين لن يمكنه المضي قدماً في مواجهة الخصم ما لم يعمل (مهما كلّف الأمر) على تأمين جناحيه الحليفين اللدودين، في كل من ميرنا الشالوحي وعين التينة.

خارج دائرة الهموم الجبهية، لا تبدو الصورة الإنتخابية مُشرقة على المستوى العام. فمن الواضح منذ الآن أن النتائج المعقودة بنواصي السباقات في الصناديق لن تُرضي مختلف الفرقاء المتسابقين في الداخل… ولا “مُشغّليهم” وراء الحدود. المعنيون على اختلاف ألوانهم باتوا على بيّنة من أن الجميع سيخرجون من “المواجهة” أقل قيمة شرائية مما كانوا عليه قبلها، بل لعل الانتخابات ستكون أقرب ما يكون إلى فضيحة جماهيرية لمختلف أطرافها. فنسبة أعداد الذين سيُقبلون على صناديق الإقتراع ستكون مُحبطة. ومع شيء من التفاؤل يمكن افتراض أن “الجمهور” سيجد فيها فرصته للردّ على الممارسات التي ارتكبتها، أو اتُهمت، القيادات جميعها، بارتكابها. فالطغمة الحاكمة التي لقبّها الزعيم جنبلاط بالمنظومة، بمعنى أنه خارجها، لم تترك عيناً إلا وأبكتها. ورجل الشارع في البلد يُدرك جيداً ولن ينسى أنهم هم، وليس غيرهم، من أفقره وأهانه وأذلّه وسرق ودائعه وأوصله إلى تخوم سفربرلك العصر  حتى جعله في قاع لائحة الشعوب الأكثر شقاءً وعوزاً في العالم. لذا فأغلب الظن أن الجهود (الدونكيشوتية) التي يبذلها كبار المرتكبين اليوم، والتي سيبالغون في استعراضها وتزيينها وتقديمها للناس في الفترة التي تفصلنا عن موعد الانتخابات، على شكل قوانين وقرارات ومواقف وإجراءات مما يتصل بدعم الناس وتوفير المساعدات الاجتماعية لهم (من حساب الدولة)… كلّه لن يكون مُجدياً لتحقيق ما يتطلبه القائمون به والعاملون عليه، ربما لأن الجمهور تجاوز إمكانية العودة. وإذا نظرنا بعين المنطق إلى القلّة (على كثرتها) من الذين يتقاضون أنصبتهم بانتظام من مراجعهم السياسية، من مخصصات مالية ومساعدات تموينية عينية، ويتمتعون بضمانات طبابية ما، فالمحرومون من كل هذه العطاءات يبقون هم الكثرة الكاثرة والغاضبة من اللبنانيين، وبالتالي فإن محازبي وأنصار “الزعماء” لا يشكلون أكثرية ولا يمثلون كمّاً عددياً يمكن الاعتداد به.

إلا أن هذا لا يعني أن الانتخابات ستأتي بالترياق، لا للمرتكبين ولا للضحايا. فالصناديق لن تُسقط “خيمة النصّابين”. والذين “صنعوا أنفسهم” على حساب مأساة البلد والناس، ستجدد الانتخابات سلطانهم بقوة الأمر الواقع.  ولا يهمهم إن نالوا أعداد ضئيلة جداً من الأصوات. فهذا الجنس من ممارسي السياسة، سبق أن فاز بالمنصب باصوات أقل بكثير، ولم يخجل… ثم إن المعارضين، أو إن كانوا أكثرية، فلا  يُشكلون قوة فاعلة، ولن يجدوا وقتاً لغير المشاحنات في ما بينهم ومقارعة طواحين الهواء…وإن وُجدت بينهم ممجموعة جدّية وصاحبة رأي، فلن يتكل غير أقلية “ميكروسكوبية” وسط محيط متلاطم من القيل والقال. هذه الحقيقة المرة وغير الخافية هي ما أشاع مناخات الإحباط في أوساط جوقة السفراء من الذين “زحطوا” على قشرة موز منظمات المجتمع المدني  وصدّقوا كذبتهم.

ما هو متوقع الآن يمكن اختصاره بأمرين. على مستوى الحلف المناهض للحزب، لا بد من العودة إلى مقترح الرئيس فؤاد السنيورة، القاضي بإعادة ترميم الجسر بين “المستقبل” والقوّات تحت مظلة دار الفتوى. ولعل هذا ما يشغل السفيرة الأميركية حالياً، حيث أوعزت (أو لا بد أن توعز) للرئيس الحريري بتضمين كلمته بمناسبة ذكرى رحيل والده في 14 شباط، ما يُعيد فتح القنوات مع القوّات اللبنانية، لأن هذا التحالف لا بد منه كضرورة حيوية للاستمرار. هكذا سيعود السنيورة إلى الواجهة لقيادة الحملة الإنتخابية، في سياق معركة السفيرة للحيلولة دون تسيّد الحزب للأكثرية البرلمانية و”إيصال” حليف له إلى كرسي الرئاسة.

أما على المقلب الآخر المقابل، فالحزب لن يدخل المعركة الانتخابية معصوب العينين. وإذا كان من المستحيل عليه توحيد الرؤى والسواعد بين حليفه الشيعي وحليف الحليف، فقد سبق له أن جعل المستحيل ممكناً…، وبوسعه أن يُطوِّعه من جديد. والعلامات بدأت بالظهور.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى