كتاب الموقع

كتب عمر معربوني | لماذا اغتالت السعودية الشيخ سعد ، و لمصلحة من ؟

عمر معربوني | رئيس تحرير موقع المراقب

رغم كل ما يحصل لم يتجرأ احد من جماعة السفارة الأميركية والسعودية في لبنان على تحميل السعودية مسؤولية ما آلت اليه الأمور بما يرتبط بمصير الشيخ السعد ، فما يحصل بلا أدنى شك هو عملية إغتيال سياسي واضحة وبيِّنة لا لبس فيها ، واي توصيف غير ذلك هو مناورات وهروب من قول الحقيقة .

والأمر لا يحتاج الى التحليل ولا الى التفتيش عن مبررات ولا حتى الخوض في متاهات ودهاليز الأبعاد الإستخباراتية .

المسألة ببساطة ان ولي العهد السعودي الذي لم يرأف بأبناء عمومته لن يضّن بالآخرين ومن بينهم الشيخ سعد الحريري .

بالتأكيد هناك الكثير من الأسباب التي ادّت الى هذه النهاية التراجيدية واغلبها يرتبط بالسلوك الشخصي للشيخ سعد المتعلق بزواريب العائلة الحاكمة وصراعاتها والتي يدفع الشيخ سعد اثماناً باهظة بسببها ، فالتاريخ القريب والبعيد للعائلة الحاكمة مليء بالتصفيات والمجازر لموالين ومعارضين على حدِّ سواء واذا اردنا استعراض هذه التصفيات سنحتاج بالتأكيد الى مجلدات ومجلدات .

وحتى لا نستغرق كثيراً في استعراض هذه الناحية يبقى السؤال الأبرز  : ” اذا اخطأ الشيخ سعد الحريري بحق ولي العهد فما هو الهدف من اسقاط طائفة بأمها وابيها برموزها وعلى رأسها تيار المستقبل الذي يمثل رغم كل شيء السواد الأعظم من السنّة في لبنان ؟ ”

وللجواب على هذا السؤال لا بدّ من استعراض طبيعة وواقع الصراع في لبنان والمنطقة ولو على عجل ، فلبنان ليس جزيرة في بلاد واق الواق وما يحصل فيه فعل وردّة فعل كحال كل جغرافيا الصراع الحالية من اليمن الى العراق مروراً بسورية وصولاً الى فلسطين وبالتأكيد ايران التي تشكّل مع دول وقوى المحور راس حربة في المواجهة الحاصلة بالإقليم .

في 4 تشرين الثاني سنة 2017 اعلن الرئيس سعد الحريري  استقالته من منصبه في خطاب متلفز من العاصمة السعودية الرياض. وتزامن الإعلان مع حملة اعتقالات سعودية مسّت أمراء ومسؤولين كبار، مما أثار شكوكا حول مصير الحريري الذي يحمل الجنسية السعودية إلى جانب اللبنانية. وانقسم اللبنانيون على مواقع التواصل الاجتماعي بين مروّج لنظرية اعتقال الحريري وبين ناف ومتهكِّم على الخبر.

ليتبين في وقت لاحق ان الحريري معتقل ما استدعى حملة سياسية واسعة شارك فيها  رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب الرئيس نبيه برّي وكان فيها للسيد حسن نصرالله مواقف واضحة .

إضافة الى الرئيسين عون وبرّي والسيد حسن انخرط العديد من الإعلاميين بمن فيهم المنضوين في خط المقاومة في حملة الدفاع عن الرئيس الحريري دفاعاً عن ما يمثله من موقعية وطنية وان اعتقاله يمسّ بسيادة البلد وهو بمثابة اعتداء على شخصية لبنانية بموقع رئاسة الحكومة .

وعاد الرئيس الحريري عن استقالته بعد ان نجحت الوساطة الفرنسية مع ولي العهد السعودي وكان شرط ولي العهد بقاء عائلة الحريري كرهائن في السعودية وفي الحد الأدنى فرد من عائلته حتى يبقى ضمن القيد السياسي السعودي  وهو الأمر الذي لا يزال مستمراً حتى اللحظة .

الأمر الثاني الذي ازعج السعوديين عقب تحرير الحريري من معتقله بسبب تدخله في الصراعات الداخلية كانت مواقفه الرافضة للذهاب بعيداً في مواجهة داخلية مسلحّة وابقائه وتيرة المواجهة ضمن السجال السياسي والإعلامي ، وللإيضاح اكثر حتى لا تبقى هذه الناحية مبهمة عند البعض وحتى ننصف الرجل ونعطيه حقه كان رفض الشيخ سعد لخوض المعركة بمواجهة حزب الله والرئيس عون عسكرياً اهم سبب للنقمة السعودية عليه وهو امر يُسجّل له وليس عليه .

وعلى الرغم من انّ الحريري لم يتوانى عن استخدام كل ما يجب استخدامه من عبارات ومصطلحات واوصاف بحق حزب الله وايران لم يستطع اختراق القرار السعودي بانهائه سياسياً ولم ينل رضى ولي العهد لتشكيل الحكومة التي استغرق فيها انتظاراً تسعة اشهر .

هذا مختصر للجوانب الشخصية المتعلقة بشخص الشيخ السعد والذي سيشكل خروجه بلا شك من الحياة السياسية اللبنانية فراغاً كبيراً سيوسع فجوة الإنقسام والإحباط في البيئة السنيّة وهنا يبرز السؤال الأهم من أسباب اغتيال الشيخ سعد سياسياً  وماذا تريد السعودية من هذا الإغتيال .

والجواب بسيط ولا يحتاج الى اختراق لدوائر القرار ولا الى تمحيص ولا الى كثير بحث ، فالسعودية المنخرطة في المواجهة عسكرياً وسياسياً ومالياً واعلامياً هي جزء لا يتجزأ من قوى الهجمة على المنطقة وذهبت بعيداً في المواجهة عبر  اعتبار حزب الله وحركتي حماس والجهاد الإسلامي منظمات إرهابية وهذا ان خدم يخدم فقط ” امن إسرائيل “

في لبنان تطمح السعودية عبر اغتيال الشيخ سعد الى خلق حالة ارباك وربما انقسامات في تيار المستقبل ناهيك عن تنطح الكثير من الطامحين والمتملقين لملْ الفراغ الذي سينتج عن غياب تيار المستقبل وبالتالي إمكانية نشوء قوى متشددة مستعدة اقلّه للتحرش بحزب الله رغم علم السعودية والأميركيين ان موازين القوى في لبنان لا تسمح بايقاع الهزيمة بحزب الله ، ولكن اقصى ما هو مطلوب جرّ الحزب ولو الى اشتباك محدود لتعريته اعلامياً عبر القول ان السلاح هو سلاح للإستخدام في الداخل وليس بمواجهة ” إسرائيل ” .

في كل الأحوال الإثنين  سيعلن الشيخ سعد مواقفه النهائية وهو بالتأكيد لن يأتي على سيرة السعوديين ودورهم في قراراته لا بل على العكس سيتقدم منهم بالشكر كالعادة وسيكون للحزب وايران نصيب من كلامه على الرغم ان بعض المعلومات تشير الى ان انسحابه من الحياة السياسية سيكون هادئأ وبدون ضجيج كما فعل الرئيس تمّام سلام وكما سيفعل الرئيسين السنيورة وميقاتي لنكون امام اغتيال ماحق لطائفة برموزها وشيبها وشبابها فقط كرمى لعيون ” امن إسرائيل ” ولا شيء غير ذلك .

هذا ما هو مطلوب الآن ولنا فيما سيأتي احاديث كثيرة والسلام .

 

عمر معربوني

رئيس تحرير موقع المراقب - باحث في الشؤون السياسية والعسكرية - خبير بالملف اللبناني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى