مقالات مختارة

كتب د . مروان الزعبي | الولايات المتحدة تعاقب بنوكها في سياستها النقدية؟

د. مروان الزعبي | مدير معهد الدراسات المصرفية سابقا – خبير مالي اقتصادي سابقا/صندوق النقد الدولي

من الصعب التصديق بأن الولايات المتحدة ترفع اسعار الفائدة باسرع وتيرة في التاريخ فقط لمكافحة التضخم!؟ لانها تفتعل ازمة مصرفية جديدة تشبه ازمة عام 2008 بدات بانهيار بنك سيليكون فالي واليوم بنك فيرست رببلك وهناك مجموعة اخرى تعاني وفي طريقها الى الانهيار نتيجة لتهور السياسة النقدية ونستدل على ذلك بسبب الانخفاض الكبير الذي حصل على اسهمها خلال الايام القليلة الماضية. وفي العادة، تنهار البنوك بسبب المخاطرة الائتمانية (عدم تسديد القروض Credit Risk )، لكن ما حصل في اذار كان بسبب مخاطرة سعر الفائدة والتى تسبب فيها الفيدرال ريزيرف. هذا وقد اتسمت هذه الازمة بضعف الرقابة في مواجهة ضعف ادارات البنوك بالاضافة الى ان العديد من هذه البنوك الصغيرة والمتوسطة تعمل في قطاعات محددة مثل التكنولوجيا والعملات الرقمية لذلك فهي مركزة وتفتقر الى التنويع مقارنة بالبنوك الكبيرة.

في اذار 2023، انهار بنك سيليكون فالي لان قروضه كانت اقل بكثير من ودائعه (فجوة سالبة) واحتفاظه بكميات كبيرة من سندات الخزينة. ويعتبر هذا الوضع وصفة مثالية لانهيار اي بنك في حال ارتفاع اسعار الفائدة واليوم انهار بنك فيرست رببلك بسبب المخاطرة الائتمانية التي نتجت عن مخاطرة سعر الفائدة. ما يحصل اليوم ان معظم البنوك تعاني وخاصة الصغيرة والمتوسطة الحجم (باصول بين 15-200 مليار دولار) لاننا بدانا نشهد تخلف عن تسديد قروض الرهن العقاري من كبار العملاء بسبب تراجع اعمالهم وارتفاع اسعار الفائدة ، صحيح ان قروض الرهن العقاري محمية بالعقارات المرهونة، لكن اسعار هذه العقارات انخفضت بنسب عالية ( 20%-30%) بسبب قيام الفيدرالي برفع اسعار الفائدة.

تشير اغلب التقارير الى ان ما يزيد عن نصف البنوك الامريكية اصبحت تعاني من العسر المالي Insolvency وهي حالة تحصل عندما تقل موجودات البنك بالقيمة السوقية عن التزاماته (حقوق ملكية سالبة) وهي الحالة التي تبرر اغلاق البنك وتصفيته وخلال الاسبوع الماضي انخفضت اسعار هذه الاسهم بشكل كبير حيث بدء المستثمرون يستشعرون الخطر ويتخلصون من الاسهم. والتخوف الان ان تنتقل الازمة الى معظم البنوك بسبب اثر العدوى، خاصة وانها معرضة للمزيد من سحب الودائع لسبب اخر وهو ان العائد على السندات الحكومية لاجل سنتين (والذي يزيد عن 4%) اعلى من سعر الفائدة على الودائع (والذي يقل عن 4%). والسؤال المطروح اليوم: لماذا تغامر او حتى تقامر الولايات المتحدة وتترك جهازها المصرفي؟؟ ان هذه التطورات لا تخفى على الفيدرالي الاميريكي فهو يعلم كل شيء ويتابع البيانات اول باول ويعلم ان رفع سعر الفائدة بهذه الطريقة المتهورة ستكون نتيجته كارثية. لذلك فانني ارى انه من السذاجة ان نصدق بانه رفع اسعار الفائدة جاء فقط لمكافحة التضخم والبنوك تنهار امام عينيه خاصة وانه هو المتسبب. ومن السذاجة ايضا ان نصدق التضخم سينخفض الى مستوى 2% خلال فترة قياسية فاغلبه مستورد ويتعلق بجانب العرض المستعصي وليس الطلب.

ان هذا الواقع يشير الى ان هناك دوافع اهم من مكافحة التضخم مقابل كل هذه التضحيات ولا يوجد ما هو اهم من المحافظة على الدولار المهدد في ظل محاولات الانفكاك منه على المستوى الدولي فكما هو معروف ان رفع سعر الفائدة يعزز من قيمة العملة ويزيد من الطلب عليها وبدون هذا الاسناد من سعر الفائدة، فكيف سيكون حال الدولار مع كل هذه التحولات الهائلة؟ واذا ثبتت هذه التوقعات، فليس من المستبعد ان تبقى اسعار الفائدة مرتفعة لفترة اطول خاصة في ظل انخفاض احتياطيات البنوك المركزية من الدولار من 71% الى حدود 50% واقبال العديد من الدول على بيع الدولار مقابل شراء الذهب. من الواضح ان الدولار على المحك وان اجتماع مجموعة بريكس القادم في نهاية شهر اب 2023 سيفضي الى استنتاجات جديدة تؤكد او تنفي هذه التوقعات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى