كتب د . احمد الدرزي | الجنوب السوري بين خيارين أردنيين
الدكتور احمد الدرزي | كاتب وباحث سوري
لم تمضِ بضعة أيام على عودة نتنياهو إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية، معززاً بقدرة يمينية راجحة وآمنة جزئياً، حتى بادر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى زيارة الأردن ولقاء وزير خارجيته أيمن الصفدي، الذي أُثيرت الأسئلة حول طبيعة علاقته بالإسرائيليين، وقربه إلى عائلة الضابط في لواء غولاني غسان عليان، الّذي تسبّب بمجزرة في قطاع غزة، فكان اللقاء بين الطرفين وما تم الحديث عنه في الإعلام عن فحوى المحادثات جزءاً صغيراً من واقع الحال، فأين هو الجنوب السوري من هذه الزيارة وما يعاكس ذلك في الأردن؟
شكَّل الأردن عبر التاريخ جزءاً أساسياً من بلاد الشام، ولَم يعرف وجود الدولة إلا بعد إخراج العثمانيين من بلاد الشام على أيدي الهاشميين بقيادة بريطانيا، وهو في الأساس نتاج السياسات البريطانية والفرنسية، مثله مثل بقية دول الهلال الخصيب والدول العربية التي لم تعرف من قبل حدوداً سياسية فاصلة فيما بينها.
أدى الأردن أدواراً وظيفية خطرة في معظم مراحل وجوده، سواء في حرب نكبة فلسطين 1948، أو في حرب 1967، أو في عملية طرد المقاومة الفلسطينية من الأردن في أيلول الأسود 1970.
وبحكم علاقته بسوريا وحدوده الطويلة مع فلسطين المحتلة التي تتجاوز 600 كم، كان له دور كبير كمنصة أساسية في الصراعات الدموية في سوريا في مرحلتين؛ الأولى في منتصف سبعينيات القرن الماضي وحتى عام 1982، والتي كانت تدار عملياتها الحقيقية من مدينة ميونيخ في ألمانيا الغربية آنذاك، كنقطة اشتباك في الحرب الباردة بين القطبين السوفياتي والأميركي، والأخرى منذ منتصف آذار/مارس 2011 وحتى الآن، إذ كان مقراً لغرفة الموك التي تدير العمليات العسكرية بدءاً من درعا إلى أبواب دمشق. وترأس هذه الغرفة الولايات المتحدة الأميركية، وتضم كلاً من الأردن والسعودية وقطر، إضافة إلى الوجود الإسرائيلي غير المعلن.
يعيش الأردن بحكم طبيعته الجغرافيّة وموارده القليلة حالاً من القلق المستمرّ من أي تحولات أو تسويات في المنطقة قد تكون على حساب نظامه السياسي ووجوده، وهذا ما دفعه إلى إعادة بناء حساباته السياسية تبعاً لكل مرحلة من المراحل، وتبعاً لاحتياجاته الاقتصادية ودور الدول الداعمة له لتجاوز مِحَنِهِ المستمرة، على الرغم من ميله إلى البحث عن مصالحة مع سوريا التي تعتبر ضمانة لدوره الإقليمي، وأساساً لاقتصاد يتمتع بجزء من القدرة على تحقيق هامش أكبر لحركته السياسية بما يحمي وجوده وبقاءه.
وبحكم علاقته بالجنوب السوري الذي تربطه به وشائج قبلية وعشائرية متداخلة، يمكن للأردن أن يؤدي دوراً إيجابياً في استقرار درعا والسويداء والقنيطرة أو سلبياً في استمرار الاضطرابات فيها، وهذا ما تدركه القيادات الإسرائيلية التي تعيش هاجس القلق من وصول تجربة حزب الله في لبنان إلى الحدود الفاصلة بين مناطق سيطرة الاحتلال ومناطق سيطرة الدولة السورية.
وعلى الرغم من تحرك الهرم السياسي الأردني بهذا الاتجاه، فإنَّ هناك تحولاً كبيراً على مستوى الشارع الأردني تقوده شخصيات عشائرية أردنية تُعتبر الكتلة الصلبة للملكية الأردنية، وهي تخالف بتوجهاتها ما تعمل عليه مؤسسة الحكم الأردنية، وخصوصاً بعد عمليات “سيف القدس” في غزة وفلسطين وبروز مجموعات “عرين الأسود” في الضفة الغربية، ما عزز فكرة المقاومة لتحرير فلسطين، وهذا ما عبر عنه بشكل صريح طراد الفايز، شيخ قبيلة “صخر” القوية في الأردن، بتأييد وتوقيع من القوى العشائرية والوطنية الأردنية في المهرجان الذي أقامه الإسلاميون في الآونة الأخيرة جنوب عمَّان، والذي طالب فيه بعودة حركة حماس إلى الأردن، وأن يكون شرق الأردن هو المنطلق لتحرير فلسطين.
هذه الظاهرة، على الرغم أنَّ من المبكر الحكم عليها، تدلّ على مزاج شعبي أردني غير بسيط مفارق للتوجهات الملكية والشخصيات السياسية التي فُرضت عليها لإدارة سياسات الأردن الاقتصادية الداخلية الليبرالية الطابع، والسياسات الخارجية التي تصب في مصلحة التحالف الإقليمي لكل من الرياض وأبو ظبي “وتل أبيب”.
وإذا ما استطاع هذا التيار المتجذر في الساحة الأردنية تحويل قدراته المتراكمة إلى فعل ضاغط على السياسات الأردنية، عبر قدرته على توفير الدعم اللوجستي لمرور السلاح الخفيف والمتوسط إلى الضفة الغربية، فإنَّ ذلك يجعله لاعباً أساسياً مُربِكاً للتوجهات السياسية الدولية التي تعمل جميعها للحفاظ على كيان غريب عن نسيج المنطقة، وضمان بقائه عنصرَ عدم استقرار في كل منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا، وخصوصاً المنطقة العربية، وهو بهذا الفعل يمكنه أن يقلب المعادلة في الجنوب السوري الذي يراد لمحافظاته الثلاث (درعا والسويداء والقنيطرة) أن تكون منطقة عازلة لـ”إسرائيل”.
في الخلاصة، إنّ مصير الجنوب السوري مرتبط إلى حد كبير بطبيعة الخيارات السياسية الأردنية، وتعاظم هذا التيار داخل الأردن سيجعل الجنوب السوري منطقة صعبة التجيير لمصلحة الكيان المحتل، وهو يحتاج إلى سياسات سورية مختلفة عما سبق في التعامل مع ملف الجنوب السوري، بما يسمح بعملية التكامل مع البيئة الشعبية الأردنية، فهل يحصل ذلك؟