كتاب الموقعمقالات مختارة

كتب حسان الحسن | هكذا قاوم “وادي النصارى” الإرهاب… ويواجه الحصار بالفرح!

حسان الحسن | كاتب واعلامي لبناني

إثر بدء الحرب الكونية على سورية في منتصف آذار من العام 2011، أرسلت غرفة العمليات المشغّلة للمجموعات الإرهابية المسلحة إشارةً إلى مسلحيها وإعلامها الظلامي برفع هذا الشعار الترهيبي، “العلوي في التابوت والمسيحي على بيروت”، مما يؤكد جليًا أن هذه الحرب تستهدف في شكلٍ خاصٍ النسيج الاجتماعي لسورية والمنطقة ووحدة أراضيها، وأنا من ضمن أحد أوجهها استكمال لتهجير المسيحيين من العراق، وقبله لبنان. غير أن الشعب السوري عمومًا، ومسيحيي المشرق الموجودين في لبنان وسورية خصوصًا، دافعوا عن وجودهم وحريتهم وتراثهم، وتمسكوا بنموذج العيش الواحد. فتشبثوا بجذورهم المشرقية المغروسة في هذه أرض هذه المنطقة، وصانوا بدمائهم المقدسات المسيحية في سورية، بالشراكة مع الجيش السوري وحلفائه، وفي طليعتهم المقاومة اللبنانية، يوم هددت المجموعات الإرهابية المسلحة هذه المقدسات. وتأتي في مقدَّمها كنيسة سيدة صيدنايا، وهي ثاني الأماكن المقدسة لدى طائفة الروم الأرثوذكس، بعد كنسية القيامة في القدس على صعيد العالم، وبلدة معلولا المقدّسة، التي حافظت على لغة السيد المسيح الآرامية حتى اليوم، وكلتاهما موجودتان في ريف دمشق.وقد سبق ذلك تطهير جبال القلمون في “ريف الشام” بإسهام كبيرٍ وفاعلٍ من المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله.

وما يثبت أكثر وأكثر تصميم المسيحيين السوريين على الدفاع عن وجودهم وحريتهم، هو البطولات التي سطرها أهالي مدينة محردة في ريف حماه الشمالي، عندما تصدوا للهجوم الإرهابي الكبير الذي خاضه زعيم “جبهة النصرة في بلاد الشام في تنظيم القاعدة” أبو محمد الجولاني شخصيًا، أواخر آب من العام 2014، فاستبسل أهالي محردة في القتال إلى جانب الجيش العربي السوري وحلفائه، وردوا الجولاني وإرهابييه خائبين، يلملمون أذيال الهزيمة.

ولكن تبقى منطقة “وادي النصارى” في ريف حمص الغربي، العلامة الفارقة والنموذج الأميز في مقاومة الإرهاب ثم مواجهة الحصار الجائر على الشعب السوري، ولكن على طريقة أبناء “الوادي”، الذين حافظوا على منطقتهم لتبقى واحةً للفرح، ومنطقة مفعمة بالحياة، فلم ينل منها الإرهاب. فغداة تطهير الجيش السوري وحلفائه قلعة الحصن في “الوادي” ربيع العام 2014، لم يتوانَ أبناء “الوادي” عن إعادة الفرح والأمل، ليس إلى منطقتهم فحسب بل وإلى سورية والمنطقة عمومًا، من خلال تنظيم المهرجانات والاحتفالات في “الوادي”، خصوصًا خلال عيد انتقال السيدة العذراء، فتعم الأفراح بلدات الوادي، وتتحول إلى محجة، يقصدونها من مختلف المناطق السورية واللبنانية على السواء، لحضور “احتفالات عيد السيدة”.

ورغم الحصار الغربي الجائر ونتائج المأسوية على الشعب السوري، يبقى “وادي النصارى” مبعث أملٍ لهذا الشعب، إذ استمر في بث أجواء الفرح والبهجة، وهي ليست مقتصرة على ميسوري الحال، أي رواد الفنادق والمنتجعات السياحية، بل يمكنُ جميع زوار “الوادي” مشاهدةَ الكرنفال السنوي الذي تنظمه بلدة مرمريتا في عيد السيدة، على سبيل المثال لا الحصر. إذ يحضر هذا الكرنفال مئات المواطنين الوافدين من مختلف المناطق السورية واللبنانية أيضًا، ليدخل بدوره الفرح إلى قلوبهم، ويمسح الحزن عنها، ويبعث الأمل لديهم والتفاؤل والسعادة وولوج فجرٍ جديدٍ يحمل بشارة الخلاص.

هكذا قاوم “الوادي” الإرهاب… ويقاوم راهنًا الحصار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى