كتب الدكتور علي حكمت شعيب | “علم الوراثة والزعامة في لبنان”
الدكتور علي حكمت شعيب | استاذ جامعي
يسود اعتقاد عند جزء من اللبنانيين أن الزعامة في الميدان السياسي هي مسألة وراثية عائلية يتوارثها الأبناء عن الآباء توهماً منهم أن المواصفات الشخصية التي يتميز بها القادة السياسيون تنتقل بالوراثة من الآباء إلى الأبناء.
وهذا أمر يناقض من الناحية العلمية علم الوراثة الذي يقول أن الاستعدادات والقابليات هي التي تورّث.
فيما المواصفات الشخصية تكتسب عبر التربية والتعليم والتدريب.
ويستغل هذه السذاجة الاجتماعية كل من يحاول ممارسة التأثير في الواقع السياسي في البلد من لاعبين خارجيين ومحليين.
ويتجلى ذلك بتهافت السفراء على بيوت دخلت الساحة السياسية منذ الاستقلال لمباركة تجديد البيعة للأبناء بعد موت الآباء.
وترفع في المآتم الشعارات وتلبس العباءات الزعاماتية للأبناء في مراسم دفن آبائهم.
والشعار الأبرز فيها هو:
“مات الزعيم عاش الزعيم”
لقد تحوّل هذا الفهم الخاطئ لتطبيقات علم الوراثة إلى عرف اجتماعي عند جزء من اللبنانيين يقيد حركتهم ويخدّر تفكيرهم ليمنعهم من الخروج من الإطار الزعاماتي والقيادي العائلي السياسي الذي فرضه عليهم الإقطاعي بالتعاون مع المستعمر منذ الاستقلال.
وفي لبنان نشهد احتيال بعض رؤساء الأحزاب السياسية، التي تدّعي الديمقراطية في رسالتها، لتوريث القيادة الحزبية لأبنائهم من خلال عملية انتخابية حزبية أمسكوا بمفاصلها فأخرجوها بلبوس ظاهره حرية الاختيار وباطنه ديكتاتورية القرار.
والأمر لا يقتصر على لبنان بل يتعداه إلى محيطه في منطقة الشرق الأوسط حيث هناك توريث سياسي ملكي وأميري ومشيخي وديني كسبيل لتداول السلطة في ممالك ومشيخات وإمارات ودور إفتاء وحوزات دينية.
كل هذا النهج التوريثي هو طريق باطل يمنع الكفوء من تبوء المواقع العامة ويضرب أسس الاختيار والتعيين السليم ويسيء إلى الأمانة المفترض توافرها في أي مسؤول يتولى شأناً عاماً والتي تقضي بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
فالتعيين في الوظيفة يجب أن يكون بعد اختبار وتدقيق فيمن سيشغلها لناحية امتلاكه للمعارف والمهارات والقدرات والصفات الشخصية التي تتطلبها عملية القيام بتنفيذ مهامها لا على أساس المحاباة والتوريث.
وما الرئيس أو الوزير أو النائب أو… إلا وظائف عامة.
فإلى متى يبقى البعض أسرى لأوهام اصطعنوها لأنفسهم قيدتهم وجعلتهم رهائن لطامعين بالسلطة مستأثرين بها لا يتورعون عن أي حرمة في سبيل إشباع نهمهم لها حتى لو كانت من قبيل العمالة للخارج وقهر الناس وسرقة المال العام.