كتاب الموقع

كتب محمود بري | بوتين يعلّم أوروبا..

محمود بري | كاتب وباحث لبناني

بوتين لن يتراجع ولا يرغب في التهدئة قبل أن يحقق أهدافه المعلنة، والتي تعني ضمنًا خضوع أوكرانيا للسيطرة الروسية، بعيدًا عن الغرب تمامًا. الولايات المتحدة الأميركية وخلفها الغرب الأوروبي، لن يدخلا الحرب مباشرة للدفاع عن “فلوديمير زيلينسكي” ويكتفيان بمدّه بالمال والكلام. لكن هذا “الرجل-الدُمية” هو السبب في جعل أوكرينيا الذي يزعم الدفاع عنها، في خبر كان، وهو المسؤول الأكبر عن تحطيمها “بعدما أذعن بشكل أعمى لتعليمات واشنطن وضرب عرض الحائط كل الفُرص التي أُتيحت أمامه لتهدئة الأمور داخل أوكرينيا ومع روسيا”. أليس هذا ما قاله الصحافي الأميركي “مايك ويتني” في موقع “ذا يو إن زي ريفيو”؟.. مع مزيد من التركيز يمكن القول إن الولايات المتحدة ليست في وارد تقديم تنازلات لموسكو تحت تهديد السلاح، لكنها في الوقت نفسه غير مستعدة لرفع السلاح في وجه موسكو من أجل أوكرينيا. هذا الموقف الأميركي ليس غريباً ولا ينبغي أن يكون. فقد سبق لمثله أن حصل غير مرة. ألم تقف واشنطن وكل الغرب بلا حراك، أمام اجتياح روسيا لجورجيا عام 2008، وخلال ضمّها القرم عام 2014، وحيال تدخلها في سوريا عام 2015….؟! وماذا عن الصين…وهي حجر الرُحى الذي يعرفه الجميع ويحسبون حسابه، من دون أن يأتي على ذكره أحد؟ هنا يجب ملاحظة أن بوتين، الذي يبدو وكأنه لا يبالي بأحد، كان حريصاً كل الحرص على إفساح المجال أمام الألعاب الأوليمبية الصينية، لكنه لم يتحرك قبل انتهائها. هذا ينم إما عن مصادفة (غير محتملة) أو عن تنسيق عميق بين موسكو وبكين، وهو ما ينبغي أن يكون قائماً. وهذا ما يمنح بوتين قوة مضاعفة. إنما تبقى “العواقب الوخيمة” التي أنذر بها الغرب روسيا في حال إقدامها على تحريك قواتها إلى داخل أوكرينيا. وحتى الآن لم يتبيّن من هذه العواقب غير “العقوبات” التي طبّل بها الغرب وزمر، والتي جاء معظمها اقتصادي. لكنها تبدو حتى الآن “عقوبات” من دون صفة “الوخيمة”، بمعنى أن روسيا لم تتألم منها (بعد) وما أنّت وما تراجعت وما صرخت مستسلمة… على المقلب الآخر، البارز في هذا السياق كان القدر الكبير من السذاجة من الطرف المعادي لروسيا، مما تمظهر بوضوح، سواء في سلوك الرئيس الإنقلابي “زيلينسكي”، أو حتى على المستوى الأوروبي الواسع عموماً. فلا ألمانيا ولا فرنسا ولا أي دولة أوروبية أظهرت ولو شبه معرفة مسبقة بما قد يجري جرّاء الحركة الروسية، ولا ناقشت على أي مستوى كان، إمكانية نشوب حرب تقليدية داخل القارة، في حين أن روسيا حشدت 130 ألف جندي على الحدود الأوكرانية، ثم انطلقت تعمل بحرية شبه مُطلقة على إعادة صياغة كاملة للترتيبات الأمنية داخل أوروبا، ليظهر جلياً أن القارة العجوز ليست مؤهلة للعب دور فاعل على رقعة الشطرنج الإستراتيجية. وهذا، على ما هو واضح، يمثل قناعة لدى واشنطن أيضاً التي يبدو أنها لا تُقيم كبير وزن للاتحاد الأوروبي ولا تراه جديراً بأن يكون لاعبًا رئيسًا على المستويات الجيوستراتيجة الكبرى. والدليل أن واشنطن لم تُخطر حليفها الغربي سلفاً بانسحابها من أفغانستان، ولا أعلمت أي عاصمة أوروبية بتشكيلها تحالف “أكوس” الثلاثي في أيلول/سبتمبر 2021، الذي ضمّها إلى أستراليا والمملكة المتحدة. وذلك يعني ببساطة وجود “فجوة ثقة” أميركية بأوروبا، ويشير بالتالي إلى غياب هاجس الأمن الأوروبي عن الأجندة الأميركية. وهذا لن يعوّضه اعتراض الرئيس الفرنسي ماكرون ومطالبته أوروبا (أي نفسه) بـ”التخلي عن السذاجة”، والعمل على تحقيق التضامن من أجل صيانة أمن القارة. ربما كان من الأنسب للقادة الأوروبيين بدلاً من العنتريات العنصرية ضد الروس، أن يمسك واحدهم ورقة وقلماً وأن يعملوا على تدوين الملاحظات المُستفادَة من الدرس الروسي الذي يعطيه بوتين في مبادرته الحربية. فهذا على كل حال سيكون مُفيداً لهم على المستوى المعرفي من جهة، وأوفر عليهم من مراكمة المليارات في حساب “زيلينسكي” . أم أنه يجدر بأحد ما أن يلفتهم إلى أن التصعيد الروسي في أوكرانيا، ما هو إلا استثمار في ضعف الاتحاد الأوروبي وغيابه عن السمع واتكاله الأعمى على واشنطن التي همّها الأساسي يتركز بعيداً …في الصين، هاجسها الأكبر.
اكتب إلى Omar Khalil Maarabouni
Aa

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى