كتبت ليندا حمورة | هل بات استهداف مطار صنعاء شرارةً لاندلاع نيران الحرب الكبرى؟

ليندا حمورة | كاتبة وباحثة لبنانية*
في زمنٍ تتزاحم فيه الخروقات الصهيونية كما تتزاحم الغيوم السوداء في أفقٍ ملبّد بالرعب والخذلان، وفي ظل صمتٍ عربيٍّ مقيتٍ لا يجرؤ على النُطق إلا إذا أُذِن له، وسكوتٍ دوليٍّ يشبه تواطؤ المقابر مع من يدوسون على الجثث، ينهض اليمن الشقيق ــ كما طائر العنقاء ــ من بين ركام الجراح، ضاربًا بيدٍ من حديد، لا تثنيها العواصف ولا تفتّ في عضدها الرياح.
قد لا تكون ضربات اليمن موجعةً في ظاهرها، لكنها كالمِعول الصامت ينقر في جدران العدو، يزعزع أركان اطمئنانه، ويتركه في قلقٍ لا ينام له جفن. إنها رسائل من أرضٍ لا تعرف الهوان، من يمنٍ عرفته السيوف مذ فجر التاريخ، يمنٍ قال فيه المصطفى: “الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية”، فكيف لا يكون لأهل الحكمة حنكة في القتال، وبأسٌ لا يُقهر إذا ما استُفزّ؟
كثيرون هم من لم يقرؤوا كتاب التاريخ، وأكثر منهم من مزّقوا صفحاته، ودفنوا ذاكرة الشعوب تحت ركام الفتن. أما اليمن، فقد خطّ تاريخه بمدادٍ من دمٍ ومجدٍ، من “سبأ” وعرش بلقيس، إلى “صنعاء” الشاهدة على قرونٍ من الصبر والثورة، فهذه الدولة لم تكن في يومٍ لقمة سائغة ولا ظلًا لغيرها، بل كانت دائمًا نَسغًا من حريةٍ تُقاتل، وعزّةٍ لا تنحني.
إن موقع اليمن ليس مجرد رقعةٍ جغرافية، بل سيفٌ مشرّع على خاصرة الاقتصاد الإقليمي، قادرٌ على شلّ الممرات وخنق التحالفات، وإن زُعزعت صنعاء فإن الخليج بأسره يرتجف، وإن نطقت صعدة فإن تلّ أبيب تصاب بالرعب، فهي تعلم أن اليمن، وإن كان جائعًا، يملك إرادةً تأكل الحديد.
واليوم، حين تطال غارات الاحتلال مطار صنعاء، فإننا لا نتحدث عن مجرد منشأة مدنية، بل عن رمزٍ للسيادة، بوابةٍ للكرامة، ورئةٍ تتنفس منها العاصمة المحاصرة. ما جرى ليس استهدافًا لمطار، بل إعلانُ عدوانٍ على من تبقّى من الكرامة في هذا العالم.
فهل سيسكت اليمن؟
وهل تمر هذه الوحشية مرور المساومة والخذلان؟
أم أنّ باب النيران قد فُتح، وأن طبول الحرب التي تُقرع في الخفاء ستعلو أصواتها قريبًا، فتغدو المنطقة ساحةَ اشتعال لا تبقي ولا تذر؟
نحن لا نتنبأ، بل نقرأ التاريخ…
ومن قرأ تاريخ اليمن، علم أنّها لا تُستفزّ وتَسكت، بل إذا ثارت فإنها تغدو قِسْماً من “يأجوج ومأجوج”، لا تردعها الأسوار ولا تصدّها السيوف.
ولعلّنا اليوم، على عتبة مرحلة تُشبه مقدمات الحروب الكبرى، فـ”مطار صنعاء” قد يكون “سراييفو الجديدة”، والشرارة التي ستجعل صراخ الشرق يسمعه الغرب .
*نائب رئيس تحرير موقع المراقب