كتاب الموقع

كتبت د . نازك بدير | التهديد الديستوبي للذكاء الاصطناعي

الدكتورة نازك بدير | كاتبة وباحثة لبنانية

في أجواء الحذر التي تغلّف اجتياح برامج الذكاء الاصطناعي حياة الفرد والمؤسّسات، وتدفّقها بشكل قد يصعب على الذكاء البشري منافستها، وأمام عالم تتصارع فيه البرامج المتعديّة على الذائقة الفرديّة، يجد الإنسان نفسه في مواجهة معضلة حماية خصوصيّته.

ينطوي الذكاء الاصطناعي على مخاطر جمّة منها عدم القدرة على السيطرة عليه، وقد أعرب عن ذلك

Geoffrey Hintonمبتكر التقنية مع اثنين من طلّابه التي أصبحت فيما بعد الأساس الفكري لمنظومة AI(في العام 2012) . وهو استقال في الربيع المنصرم من عمله في شركة غوغل ليتسنّى له التعبير بحريّة عن آرائه.

من ناحيتها، أعلنت أستاذة اللغويّات في جامعة واشنطن Emily M. Bender أنّ الثقة في الذكاء الاصطناعي لعلاج مرضى الصحّة العقليّة تنهض على احتماليّة كبيرة لإلحاق الضرر، “فهذه آلات ليس لديها أيّ تعاطف وهي نفسها لا تفهم طبيعة اللغة التي تنتج بها الإجابات، ولا تفهم الوضع الذي يعيش فيه الناس. لكن النصّ الذي تنتجه يبدو معقولًا ولذا فمن المرجّح أن يهتمّ به الناس”. وأضافت أنّ “استخدام شيء من هذا القبيل في المواقف الحسّاسة هو مخاطرة غير مأمونة العواقب، ما يطرح سؤالًا رئيسيًّا هو: من المسؤول إذا قدّم الذكاء الاصطناعي اقتراحات ضارّة للأشخاص؟ وما حدود المسؤولية والمحاسبة من جانب الشركة إذا حدث ذلك؟”

تنتهك بعض الحكومات والأنظمة حقوق الانسان باستخدامها الذكاء الاصطناعي؛ إذ يحدّد من يحصل على الخدمات العامّة، ومن يحرَم منها، ومن التعويض الوظيفي. وأحيانًا تكون القرارات تمييزيّة نتيجة خلل في جمْع البيانات، أو في طريقة تحليلها. لقد تجاوز التهديد الديستوبي للذكاء الاصطناعي الحدود، فهو يتخذ قرار من يسمَح له تخطّي نقطة تفتيش أو عدم التجاوز، أو ( تصفية المشتبه به). إنّه ينتهك حرية التنقّل، وحريّة التجمّع (أنظمة التعرّف إلى الوجوه) وإنشاء الجمعيّات، وحرية التعبير!

في خضمّ الحديث عن تسريب بيانات حسابات ملايين الأشخاص، أعلنت مؤسسة كاسبيرسكي (Kaspersky Lab)، أنّ حوالي 200 مليون من بيانات المستخدمين تسرّبت إلى الإنترنت (بين يناير ومايو من العام 2023) وأصبحت في متناول الجميع. كما أعلنت صحيفة “شبيغل” الألمانيّة تسرّب بيانات 5600 موظّف من المخابرات الأميركيّة والألمانيّة؛ فقد تسرّبت بيانات من وكالة الأمن القومي الأميركيّة، ومن القيادة الإلكترونيّة ووزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي. وتعرّضت إدارة الشرطة الجنائيّة الفيدراليّة الألمانيّة وجهاز مكافحة التجسّس العسكري، والقسم السري لجهاز المخابرات الفيدراليّة إلى تسرّب بيانات ما يشكّل خطرًا على الأمن القومي.

الذكاء الاصطناعي هو سلاح ذو حدين؛ صحيح أنّه يتم جمع البيانات وتحليلها لكن، قد يقع في أخطاء ولا يتمكّن من التعرّف إلى البيانات المهمّة. في مجال الأمن السيبراني-حتّى اليوم- لا يمكن الاعتماد بشكل كليّ عليه (من دون تدخّل مباشر للعنصر البشري ) كونه لا يأخذ بعين الاعتبار الجوانب الأخلاقيّة والقانونيّة الأمنيّة، فيتخذ قرارات غير صائبة لمكافحة هذه الهجمات.

    وحول ضياع الخصوصيّة وتعرّضها للانتهاك، تتيح البرمجيّات الوصول إلى البيانات الشخصيّة للأفراد، وتاليًا تمنح ليس القدرة على المراقبة فحسب إنّما على التحكّم بها. تبقى ثمّة مخاوف من استغلال البيانات التي تجمع حول الأفراد وتحلَّل وتدمَج وتخزَّن في المستقبل لأهداف غير آمنة.

لكن، مهما بلغ حدّ تطوّر الذكاء الاصطناعي، سيبقى حاملًا بين غرف خوازميّاته عوامل خطر تهدّد مَن كان سببًا في ظهوره.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى