كتاب الموقع

( توزيع الأدوار والرهانات الخاسرة).

اللواء الركن الدكتور حسن أحمد حسن | باحث في الشؤون الجيوسياسية

صحيح إن عمر المقال قرابة ثمانية أعوام، لكن قد يكون من المفيد التذكير بمضمونه اليوم، والحكم على ما جاء فيه، وبخاصة أنه مكتوب ومنشور قبل مجيء القوات الجو – فضائية الروسية بقرابة عامين.
مع استذكار كم كان الوضع ضاغطا، وكم كانت اللوحة مكفهرة، وكثير ممن يتسابقون اليوم للتغني بصمود الوطن بهمة بواسله حماة الديار ، ورباطة جأش السيد الرئيس وإمساكه في دفة السفينة بكل حزم واقتدار ويقين بالنصر – بعض هؤلاء – كان يلتزم الصمت او ينتظر على قمة التل.
تستطيع الماكينة الإعلامية لدى أطراف التآمر والعدوان على سورية أن تستمر في اختلاق الأكاذيب وتسويق المسوغات المطلوبة لتمكين الإدارة الأمريكية ومن يدور في فلكها من الاستمرار بالتسويف والمماطلة والتشدق بالحرص على إيجاد حل سياسي في سورية.
وفي الوقت نفسه صب المزيد من الزيت على النار وتقديم كل أشكال الدعم اللوجستي لعصابات القتل والإجرام لتمعن أكثر فأكثر في إرهابها وجرائمها اليومية المتكررة بحق الشعب العربي السوري الرافض بالفطرة لكل أشكال الخضوع والتبعية، والمتمسك حتى نقي العظام بأهداب السيادة والكرامة الوطنية، لكن ما لا تستطيع تلك الإمبراطوريات الإعلامية ومالكوها تنفيذه هو تقديم رواية مقنعة تفسر الأداء المرتبك والمتناقض أحياناً لدى جوقة العدوان السافر على الشعب السوري، فكيف تستقيم الدعوات الأمريكية والأوروبية للديمقراطية وحقوق الإنسان مع غض الطرف عن فتح الحدود التركية وغير التركية لتدفق عشرات آلاف الإرهابيين المرتزقة إلى الداخل السوري وإمداداتهم بكل ما يطلبونه من مال وسلاح وتدريب ورعاية واحتضان؟ وهل يعقل أن واشنطن والعواصم الأوروبية لا تعلم علم اليقين أن المسؤولين في مملكة النفط الآسن في السعودية لا يجيدون اللفظ الصحيح لكلمة الديمقراطية فكيف لهم أن يكونوا أنموذجاً يحمل مشعلها؟ وإذا كان ذلك كذلك أليس من المستهجن أن تبدو السعودية وكأنها قادرة على شق عصا الطاعة الأمريكية، في الوقت الذي يعلم فيه القاصي والداني أن استمرارية العروش في المملكة الوهابية مربوط بدوائر صنع القرار الصهيو ـ أمريكي منذ عقود؟ وإذا تركنا الدول جانباً وتوقفنا عند تصريحات وعنتريات مجلس ائتلاف الدوحة تتضح الصورة على حقيقتها عبر ما تم ترويجه في وسائل الإعلام التي أكدت أن السفير الأمريكي روبرت فورد جمع صبيانه وأفهمهم بوضوح أن واشنطن هي التي شكلت مجلس اسطنبول وعندما لم يرق لها أداءه قامت بحله، وهي التي شكلت مجلس الائتلاف وإمكانية حله يسيرة، فماذا يعني ذلك؟ وهل بإمكان العبد أن يتمرد على مالكه، أم إن وراء الأكمة ما وراءها؟

قد تستطيع العصابات الإرهابية الخروج على مشغلها وبخاصة بعد ترويع المواطنين الآمنين وسرقة الممتلكات العامة والخاصة، لكن حتى هذا النوع من التمرد يبقى آنياً، لأن إقفال صنابير تدفق السلاح والمسلحين وبقية أوجه الدعم المالي واللوجستي ولو لفترة بسيطة كفيل بإرغام القتلة على العودة صاغرين إلى بين أيادي رعاتهم ومشغليهم، وهذا يقودنا إلى استنتاج منطقي وموضوعي فحواه تقول: إن التململ السعودي والأداء المسرحي الممجوج للائتلاف وغيره من الصناعات التي أفرزتها أجهزة الاستخبارات الخارجية إنما هو تجسيد عملي لأمر عمليات أمريكي لتفادي افتضاح حقيقة العجز المركب الذي تعاني منه إدارة أوباما، فهي عاجزة عن التحكم بنتائج المواجهات الميدانية المفتوحة، وعلى شتى الصعد السياسية والدبلوماسية، وفي الوقت ذاته تجد الإدارة الأمريكية نفسها عاجزة أيضاً عن العمل الجاد لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه مع الجانب الروسي بخصوص جنيف 2 واعتماد الحل السياسي للخروج من أتون الحرب المفروضة على سورية منذ آذار 2011م. وهذا يعني أن السبيل الوحيد أمامها هو التسويف والمماطلة ودحرجة عجلة الزمن لعلها تحمل معها في طياتها بعض التداعيات التي تعهد بندر بن سلطان بها إذا تم منحه بعض الوقت الإضافي لينجز في أشهر قليلة ما عجز حلف العدوان مجتمعاً عن إنجازه على امتداد عامين ونصف، ويبدو أنه حصل على ما يريد لأن هذا الأمر يصب في صلب الاستراتيجية الأمريكية الساعية بشتى السبل والوسائل لاستنزاف عوامل القوة الشاملة للدولة السورية، غير أن الاستمرار بالتضليل الإعلامي يواجه واقعاً جديداً بعد أن ثبت بالدلائل القاطعة أن تلك الإمبراطوريات الإعلامية المنفذة قد فقدت كل ما له علاقة بالمصداقية والمهنية، وتبين لكل ذي بصر وبصيرة أنها شريكة في سفك الدم السوري، وبالتالي لم يعد بإمكان تلك الفضائيات ووسائل الإعلام المشبوهة الاضطلاع بدور الرافعة المطلوبة بل تحولت إلى عبء إضافي على أصحاب المشروع التفتيتي وأدواتهم التنفيذية بآن معاً، فكل ما يتم التبشير به من انتصارات مأمولة يتحول إلى هشيم تذروه أعاصير الجيش العربي السوري وهو يواصل دك معاقل العصابات الإرهابية المسلحة وتقويض مرتكزاتها ومقراتها القيادية بالتتالي وعلى امتداد الجغرافيا السورية.

تداعيات الميدان ووقع أقدام حماة الديار والإنجازات النوعية التي يحققونها يومياً تفرض على السيد الأمريكي المالك لبقية جوقة الحرب والعدوان إعادة حساباته، ولعل أكثر ما يقض مضاجع صناع القرار الأمريكي هو العجز عن مواكبة الانهيار الشامل في صفوف العصابات الإرهابية، وإصرار رجال الجيش العربي السوري على ملاحقة فلول ما تبقى من قتلة إرهابيين وعدم السماح لهم بالتقاط الأنفاس أو تجميع القوات وإعادة توزيعها للحد من وتائر تقدم الجيش العربي السوري وإنجازاته الإعجازية في جميع ساحات المواجهة الميدانية.

إن وقفة جادة مع حقائق الواقع ونظرة سريعة إلى ما تنطق به تداعيات الميدان تؤكد عقم جميع الرهانات التي بنيت أو قد تبنى على المشروع العسكري بشقيه الخارجي والداخلي، فمن تطهير خناصر بعد فتح طريق حماة ـ سلمية ـ إلى أبوجرين والمسيفرة، ومنها إلى العزيزية وتل عرن ثم تل حاصل والانطلاق السهمي لقطع طرق الإمداد بالقوافل القادمة من الأراضي التركية، وعلى المقلب الآخر تقدم نوعي في أحياء حلب والإصرار على القضم التدريجي وحصر المسلحين بين فكي كماشة، وكذلك الأمر على امتداد الريف الدمشقي حيث تم تطهير الديابية والحسينية والبويضة ومن بعدها حتيتة التركمان وسبينة الصغرى وسبينة الكبرى وغزال واستمرارية التقدم النوعي وعلى جميع المحاور من خان الشيح غرباً وحتى عدرا شرقاً وتطويق الإرهابيين في المعضمية وداريا وبرزة والقابون ، ونصب كمائن محكمة تقضي على العشرات منهم يومياً، والأمر ذاته ينسحب على ريف حمص وما تبقى من ريف حماة، كذلك الأمر في درعا وريف اللاذقية وإدلب، وهذا يؤكد أن تطهير كامل التراب السوري من الإرهاب والإرهابيين أمر محتوم ومحسوم، والمسألة مسألة وقت مضى جلُّه وأصعبه، ومَنْ تجاوزَ المحيطات لن يغرق بالسواقي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى