مقالات مختارة

الرِفق سلاح المقاومة!

 

الشيخ الدكتور صادق النابلسي | أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الدولية

يمكن للبنانيين وللأحزاب المنتشرة فيهم أو لدول في الإقليم أو العالم أن ينظروا، جميعاً أو أشتاتاً إلى حالة حزب الله وما يملكه من أسلحة متطورة وعديدٍ منظم كشف عنه أمينه العام مؤخراً، بدهشة وغرابة. وشاح الوداعة والتواضع واللين والتسامح والعقلانية الذي يعتمره على رأسه لم يسبق أن رأوه من قبل لا في داخل لبنان عبر المليشيات المسلحة التي نشطت خلال الحرب الأهلية ولا خارجه عبر قوى «غير دولتية» كانت تمارس بعضها العنف والإمرة في الإدارة والسياسة وتبالغ في انتهاك الهويات والثقافات والعادات المجتمعية والدينية القائمة. على الرغم من سني الحرمان والتهميش والعسف الذي لحق بالبيئة التي يمثلها لم يشتهِ الحزب لعبة الانتقام ولم يحمل في صدره غلاً وحقداً على من تسبّب بالأذية التاريخية والقتل العلني والخيانة بأشكالها الفجّة. ما أظهر الحزب يوماً رغبة محمومة للتخلص من خصمائه، ولم تُغرِه القوة التي امتلكها للانزلاق في لعبة تصفية الحسابات، بل مَن كان يسمع الأمين العام في خطاباته الكثيرة يشعر بقوة دفع مناقضة لا تخرج إلا بدعوات الحوار والتفاهم وتجنب استعمال سلاح الفتنة. إلى درجة أنّه أصبح عرضة للتهكم وقول بعضهم:» إنّه ليس مثلنا، وهو يفضّل البحث عن ظل يختفي وراءه، لأنّه يخشى أن نغلبه في لعبة الحرب الداخلية التي لا يتقنها في هذا البلد أحد سوانا». التاريخ ينقل لنا شيئاً شبيهاً لهذا البعض الذي لا يفصله عن الخُرق سوى مسافات قليلة. فقد قيل للإمام علي(ع):» إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب» فردّ على غرور هؤلاء بالقول:» لله أبوهم وهل أحدٌ منهم أشدُّ لها مراساً وأقدم فيها مقاماً مني. لقد نهضتُ فيها وما بلغت العشرين وها أنا ذا قد ذرَّفتُ على الستين». وفي لحظتنا الراهنة يجب أن يعرف من ترتسم في ذهنه أحابيل الشيطان أن أوهامه العميقة تعميه بحيث لا يرى ما يجب أن يُرى، ويرى ما يجب أن لا يُرى. ربما كان الأمين العام ينساب وراء ابتسامته الجميلة حين يستمع إلى هذا البعض الذي يحاول المستحيل فلا يجني من مستحيله إلا الأخطاء والخطايا والخيبات. مَن قاتل وهو ابن عشرين وها هو قد تجاوز الستينمسكون بإيمانه. يعيشه بكل العمق الذي يستحقه، وبالصلابة التي تزداد مع الزمن. فلا يسمح للذاكرة أن تهتز بصورها القديمة القاسية إلا ليختبر فهمه للحياة، وما هو عابر فيها وما هو مقيم. وكيف يجعل من استقامته استراتيجية للجم الشر، وكيف يستخدم طاقة خصمه لإرباكه وليكشف للناس حيله وخرافاته والقاع السياسي والأخلاقي الذي يختنق به.

في المحصلة، يستخدم «السيد» الرفق باعتباره محركاً لمعالجة الوضع السيئ بطريقة أفضل نحو حياة طيبة كريمة، وليس باعتباره كابحاً يمنع من تأديب المعتدين.

فعبارة «حافظوا على غضبكم» ستبقى حاضرة هي الأخرى عند اللزوم في وجه مَن أنتج أسوأ فصول لبنان الدموية والاقتصادية!

نعم، ما زال للبنان فرصة أن ينجو من كابوس الحرب الأهلية والفتن المتقطعة والكمائن الغادرة بسبب مهارات «السيد» الأخلاقية. بالمناسبة، هو لا يخبئ ميله الديني في مثل هذه المواقف الصعبة التي يلتزم فيها آخرون برفع عقيرة الخطاب الطائفي والتحريضي لاستنهاض جمهور متعب محبط. إنّه يمضي قدماً بإيمانه الذي يطلب منه الصبر. لأنّه مع كل صبر يكتسب انتصارين. الأول على الذات، والثاني على الآخر الذي يريد جرّه إلى ميدان معركة ليست معركته. وهذه حقيقة يعرفها المؤمنون جيداً.

في «خلدة» و»شويا» كما «الطيونة» يعطي «السيد» كل شيء القيمة التي يستحقها. لأنّه في البدء والنهاية هو سيد سلاحه في السّلم كما في الحرب!

الديار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى