مقالات مختارة

الترابط بين ارتفاع الدولار وشروط تشكيل الحكومة.

حسن حردان | باحث في الشؤون السياسية والإستراتيجية .

رفض الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة النائب سعد الحريري، آخر عرض وافق عليه الرئيس ميشال عون والراعي الفرنسي ونقله اللواء عباس ابراهيم له، ووافق فيه الرئيس عون على عدم الحصول على الثلث الضامن.. وشكل هذا الرفض دلالة واضحة على أنّ العقبة أمام الاتفاق على تأليف الحكومة ليس له علاقة، كما أشيع، بتمسك رئيس الجمهورية بالحصول على الثلث الضامن.. وترافق هذا الرفض من قبل الرئيس الحريري، مع ارتفاع سعر صرف الدولار الى عشرة آلاف ليرة مما ألهب أسعار المواد والسلع الاستهلاكية.. وعودة التحركات إلى الشارع، والتي غلب عليها قطع الطرقات وحرق للإطارات من قبل مجموعات معروفة الولاء السياسي لقوى 14 آذار…
وقد طرح ذلك السؤال بشأن ما إذا كان هناك رابط بين الأمرين؟
أم أنّ التزامن مجرد صدفة لا أكثر ولا أقلّ؟
من خلال التدقيق في مسار الازمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية، منذ تفجرها في الشارع في 17 تشرين الثاني عام 2019، يتبيّن بوضوح أنّ هناك ترابطاً وثيقاً بين التهاب سعر صرف الدولار وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين، وبين شروط تشكيل الحكومة والبرنامج الذي ستعتمده لمعالجة الأزمة.. وهذه الشروط وضعتها واشنطن، ووردت على ألسنة مسؤوليها عن الملف اللبناني، من نائب وزير الخارجية ديفيد شينكر والمسؤول في الخارجية جيفري فيلتمان إلى السفيرة في بيروت دوروثي شيا، وتركز على المطالبة بتأليف حكومة اختصاصيين مستقلين.. ينفرد بتسميتهم الرئيس المكلف بتشكيلها، لغرض أساسي وهو إقصاء حزب الله وحلفائه عن السلطة التنفيذية، مما يعني أنّ الوزراء المستقلين مطلوب أن يكون هواهم أميركياً، لأجل تنفيذ التوجيهات الأميركية التالية:
أولاً، الموافقة على شروط صندوق النقد الدولي لإقراض لبنان.. تؤدي إلى إخضاع الدولة اللبنانية لوصاية واشنطن المهيمنة على الصندوق.. وتتحكم بشروط الإقراض.
ثانياً، الموافقة على اتفاق تحديد الحدود البرية والبحرية وفق الطرح الأميركي الذي يحقق الأطماع الصهيونية في ثروات لبنان من النفط والغاز والمياه.
ثالثاً، العمل على محاصرة المقاومة ونزع سلاحها بدءاً بنزع الصواريخ الدقيقة التي عزّزت القوة الردعية للمقاومة وزادت من منسوب القلق الصهيوني.
وكان واضحاً، منذ أن استقال الرئيس الحريري اثر تفجر احتجاجات 17 تشرين، انه استقال بضغط أميركي، لأجل الدفع باتجاه تشكيل مثل هذه الحكومة التي تتولى تنفيذ البرنامج الأميركي المذكور آنفاً، ولهذا فإنّ رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد سارع يومها إلى القول أثناء الاستشارات التي أجريت لتسمية رئيس مكلف لتشكيل الحكومة، سارع إلى التأكيد على أنّ المطلوب حكومة يكون هواها وطنياً… وتشكل وفق ما نصت عليه وثيقة الوفاق الوطني.
واليوم يمتنع الرئيس الحريري عن تأليف حكومة وفق قواعد الدستور والميثاق الوطني والتوازنات في البرلمان، بسبب استمرار الفيتو الأميركي الذي عطل ولا يزال تشكيل حكومة من هذا النوع، وكل كلام آخر إنما هو لذرّ الرماد في العيون، والتغطية على عدم قدرة الرئيس الحريري التمرّد على القرار الأميركي، ولهذا يمارس سياسة تقطيع الوقت، لأنه يعلم علم اليقين انّ تأليف حكومة على المقاس الأميركي إنما هو “حلم ابليس بالجنة”، فتوازن القوى في المجلس النيابي لا يتيح له ذلك.. في حين هو لا يريد الاعتذار وإتاحة المجال أمام تسمية رئيس آخر لتشكيل الحكومة، لأنّ المطلوب أميركياً أن تبقى البلاد في الأزمة وتحت ضغط التلاعب بسعر الدولار للتأثير على رئيس الجمهورية وحلفائه للقبول بالشروط الأميركية لتشكيل الحكومة.. ايّ أنهم يريدون ابتزاز اللبنانيين عبر استغلال أزماتهم المعيشية، المتفاقمة، لدفعهم إلى التحرك في الشارع لأجل زيادة منسوب الضغط لفرض تشكيل حكومة تنفذ أجندة واشنطن الانقلابية، على غرار انقلاب عام 2005.. الذي تحول، دون تحقيقه، موازين القوى القائمة.
لقد بات من الواضح أنّ التصدي للأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية، ووقف التدهور المستمرّ بالقدرة الشرائية للمواطنين، مرتبط بالإسراع بتشكيل حكومة إنقاذ وطني، تعمل على استرداد الأموال التي هرّبت إلى الخارج، وتفرج عن ودائع المواطنين، وتضع سياسة مالية ضرائبية تحمّل أصحاب الثروات الكبيرة الذين اثروا من الفؤائد المرتفعة على سندات الخزينة، جزءاً اساسياً من معالجة الأزمة المالية.. وتعمل على وضع خطة اقتصادية للنهوض بالاقتصاد من خلال قبول مشاريع المساعدات التي تعرضها الدول من دون شروط، بديلاً عن الاقتراض من صندوق النقد بشروط مذلة..
غير أنّ ما يحول دون ذلك عدم توافر إرادة مستقلة لدى قسم كبير من الطبقة السياسية، التي يسعى بعضها إلى الاستقواء بالتدخل الخارجي، وخصوصاً الأميركي، للحصول على حصة في الحكومة تفوق حجمه التمثيلي في البرلمان، وهذا ما يجعلهم يتناغمون مع الإملاءات والتدخلات الأميركية، ويمتنعون عن تغليب المصلحة الوطنية لتكون فوق أيّ مصلحة خارجية، مصلحة وطنية تقتضي الإسراع بتشكيل حكومة إنقاذ وطني لأنّ الأزمة كبيرة وتحتاج إلى تضافر الجهود الوطنية كافة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى