مقالات مختارة

استهداف ميناء اللاذقية.. ماذا تريد “إسرائيل “؟

مرفأ اللاذقية 63 عاماً من العطاء .... بوابة عبور وموقع استراتجي شرق البحر  المتوسط

محمد الخضر | كاتب واعلامي سوري

دوّى صوت انفجار قوي سُمع صداه شرقي العاصمة وفي جرمانا وبيت سحم وشبعا وبلدات طريق المطار، عند الساعة التاسعة والنصف صباح اليوم.

تناقلت وسائل إعلام ووسائل التواصل الاجتماعي الخبر سريعاً، قبل أن يبدِّد من أهميته تصريحٌ رسمي، مُرجِعاً الصوت إلى تفجير عبوات ناسفة في مزارع العبء في دوما في الغوطة الشرقية.

كان ممكناً أن يمرّ التفجير، كما عشراتٌ غيره يومياً في مناطق محيطة بالعاصمة، لولا الجو العام المحتقن بعد أقل من ست ساعات على قصف إسرائيلي واسع، طال للمرة الثانية خلال هذا الشهر مرفأ الحاويات في اللاذقية.

حالة رعب سادت المدينة الساحلية جرّاء عنف الانفجارات وتحطُّم زجاج عشرات المنازل، على بُعد مئات الأمتار من المرفأ الذي لا يبعد أكثر من 150 متراً عن الأحياء الآهلة بالسكان. الانفجارات التي استمرت نحوَ ربع ساعة متواصلة، أتت على عشرات السيارات في المنطقة، واحتراق الحاويات، التي تقول البيانات الرسمية إنها “زيوت وقطع غيار للسيارات والآليات وأغذية”. ليلة مرعبة عاشتها المدينة، وشُوهِدت ألسنة نيران الحرائق من على بُعد كيلومترات وسط ظلمة دامسة جراء غياب الكهرباء!

نقلُ “إسرائيل” قصفَها،  للمرة الثانية، إلى المرفأ بدا مقلقاً رسمياً، باعتبار أن المرفأ هو المتنفَّس الأساسي لسوريا مع العالم، في ظل الحصار الخانق، وخروج معظم المعابر الحدودية  عن سيطرة الدولة، باستثناء نصيب – جابر مع الأردن، والبوكمال مع العراق، والمعابر مع لبنان.

وبدا مخيفاً وضاغطاً شعبياً مع وصول القصف إلى مدينة ظلّت آمنة طوال سنوات الحرب، باستثناء قذائف صاروخية وصلت إلى أطرافها من الجبال الشمالية الشرقية، الواقعة تحت سيطرة المسلحين، والتي استعادها الجيش السوري بالتدريج، بدءاً من عام 2015. والأخطر هو تنامي حالة غضب شعبي صبّت جام انتقادها على الحليف الروسي “الذي لم يُحرّك ساكناً”، وجرى القصف في منطقة حيوية لا تبعد أكثر من 15 كم عن قاعدة حميميم الروسية في مدينة جبلة، وهي أكبر القواعد الروسية في سوريا، ومجهَّزة بأحدث منظومات الدفاع الجوي والإنذار المبكّر في العالم.

ثمّة انتقادات صريحة للروس بسبب “علمهم بالاستهداف” والقصف، على الأقل، كما تناقل آلاف المغردين والناشطين في صفحات التواصل الاجتماعي، مستندين إلى قدرات الروس الدفاعية، وأنه لا يُعقَل أن يجري هذا القصف وروسيا حاضرة بثقلها في قاعدة حميميم. كما استندوا إلى التواصل الإسرائيلي الروسي، وكان آخره محادثات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، نفتالي بينيت، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في الـ 22 من تشرين الأول/أكتوبر الماضي في موسكو، وبحثا بصورة خاصة في الملف السوري في ذلك اللقاء.

غاب التعليق الرسمي خلال الساعات الأولى، بينما ظهرت أصوات عالية تدعو إلى الحذر من الانجرار وراء الانفعال، كان بينها ما كتبه خالد العبود، عضو مجلس الشعب، في صفحته  تعليقاً على دور الحليف الروسي، فقال “إننا مقتنعون، مطلق القناعة، بأنه لن يحرك ساكناً، وقد لا يضطر حتى إلى أدنى إدانة كلامية، على الرغم من علمه المسبّق بمثل هذا العدوان”.

بدوره، قال فارس الشهابي، رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية، في صفحته إنه “يبدو أن نوم الدب الروسي عميق جداً جداً.. أو أنه لا يريد أن يستيقظ”، بالإضافة إلى عشرات التعليقات الأخرى انتقاداً للصمت الروسي على الهجوم الإسرائيلي، ومطالِبة أيضاً بتحرك إيراني رداً على تلك الاعتداءات، التي تقول “إسرائيل” إنها تستهدف أهدافاً إيرانية!

ووفق الأرقام، يحمل قصف ميناء الحاويات في اللاذقية الرقم الـ 29 في قائمة القصف الإسرائيلي للأراضي السورية خلال العام الذي نودّعه بعد أيام. غارات جوية وقصف صاروخي من خارج الحدود، طالت مناطق شاسعة، من البوكمال عند الحدود مع العراق، إلى شرقي تدمر وجنوبي حلب واللاذقية وغربي حمص ومحيط دمشق الجنوبي والغربي والقنيطرة.

مساحات واسعة تتذرّع “إسرائيل” بأنها استهدفت خلالها أسلحة إيرانية متطورة، أو مواقع لحلفاء دمشق، أو شخصيات مقاومة، كما جرى عند اغتيال الأسير السابق مدحت صالح في عين التينة على مشارف الجولان المحتل بالأسلحة الرشاشة، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

منطقياً، ثمّة ما يشبه القناعة بأن وقف هذه الاستهدافات، وخصوصاً استهداف الميناء، لن يتحقق من دون الرد المباشر، وليس إسقاط الصواريخ فقط؛ بمعنى أن تدفع ” إسرائيل” ثمن كل هجوم تنفّذه ضمن معادلة ردع متوازن.

ونظرياً، لا تبدو تلك المعادلة صعبة، بل جرّبتها الفصائل الفلسطينية في غزة ونجحت، على الرغم من فاتورتها الباهظة في لجم العدوان الإسرائيلي. لكنها، في سياق الواقع، ترتبط أيضاً بمواقف قوى حليفة لدمشق لها دورها في قرار الحرب، مثل روسيا الاتحادية وإيران.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى