تقارير

“إزفستيا”: العقوبات ضد روسيا تخنق العالم

تحت عنوان “التحدّي التاريخي”، يعالج رئيس قسم الاقتصاد العالمي والعلاقات الاقتصادية الدولية في الجامعة الحكومية للإدارة يفغيني سميرنوف، في صحيفة “إزفستيا” المسكوفية، تأثير العقوبات الغربية ضد روسيا.

على الرغم من أن حصة روسيا في التجارة الدولية الحديثة ضئيلة (تصل في الصادرات العالمية إلى نحو 2 %)، فإن العقوبات المفروضة عليها من قبل الدول الغربية كان لها تأثير كبير في نظام العلاقات الاقتصادية العالمية بأكمله. ويعزى ذلك بشكل رئيسي إلى الآثار الثانوية، عندما أدى، نقص موارد الطاقة بسبب انخفاض إمداداتها من الاتحاد الروسي إلى ارتفاع الأسعار وتضخم غير مسبوق في عديد من البلدان المتقدمة، على سبيل المثال.

لكن الشيء الأساسي هو أنه، خلال العام الماضي، تم تدمير عدد من إنجازات العولمة الاقتصادية والتعاون الدولي، والتي تشكلت على مدى عدة عقود.

وهكذا، حدث انقسام واضح بين الدول في العلاقات الاقتصادية الدولية، وقد أدى ذلك إلى أن تصبح التجارة الدولية أكثر خضوعاً وبشكل متزايد للأولويات السياسية، وليس للمصالح والمزايا الاقتصادية. إن نهجاً كهذا لتنمية العلاقات بين البلدان في السنوات المقبلة، من شأنه الحد بشكل كبير من نمو الاقتصاد العالمي ككل. كما أنه سيستمر في التأثر سلباً عبر الضغوط التضخمية، وتزايد طلب عديد من البلدان للقروض، وتدهور الأوضاع في الأسواق المالية العالمية.

تؤكد التجربة الحالية للعقوبات أنه لا البلدان التي فرضتها ولا تلك الماشية في ركبها محصنة ضد ضغوطها الهائلة وآثارها السلبية. علاوة على ذلك، لم يختبر العالم بعد تجربة فرض مثل هذه العقوبات واسعة النطاق، لذلك لا يستطيع واضعو هذه السياسة في كثير من الأحيان تقييم فعالية جميع العقوبات مسبقاً. في الوقت نفسه، نتيجة سياسة العقوبات، حصل تقسيم الاقتصاد العالمي إلى دول متعارضة ومتنافسة (في فهمنا الحالي، “ودية” و “غير ودية”).

ومع ذلك، حتى قبل الوباء، كان هناك اتجاه في العالم لإضفاء الطابع الإقليمي على العلاقات الاقتصادية بين البلدان، وهو ما ارتبط بقيود الحجر الصحي التي أدت إلى انقطاع سلاسل التوريد العالمية. يتكثف هذا الاتجاه اليوم، وهو ما سيؤدي في المستقبل إلى تشكيل تكتلات تجارية واقتصادية إقليمية ذات دوافع سياسية وتفضيلات مختلفة التوجهات. قد تشكل ائتلافات كبيرة نسبياً، ولكن لكي تصبح العمليات مربحة ومستمرة، يجب أن تمر سنوات عديدة.

في اللوحة الحديثة المعقدة للعلاقات الدولية، سيزداد دور العالم النامي، ولا سيما الهند والصين والبرازيل. هذه الدول تستفيد بالفعل من العقوبات ضد روسيا. على وجه الخصوص، تشتري نيودلهي وبكين موارد الطاقة الروسية بحسومات كبيرة، ويمكنهما أيضاً فرض خدماتهما اللوجستية والتأمينية على الاتحاد الروسي لنقل النفط والغاز. تكتسب الهند والصين أيضاً بعض الفوائد من خلال الابتعاد عن الدولار في التعاملات مع موسكو، الأمر الذي سيعزز في المستقبل الأهمية العالمية لسلة عملات العقود التجارية.

أخيراً، تتعزز أكثر المواقف الجيوسياسية لجمهورية الصين الشعبية، التي أصبحت مركزاً جديداً للتعاون الاقتصادي الدولي. بمرور الوقت، ستزداد فوائد هذه البلدان فقط، خاصةً إذا اتضح أن الصراع في أوكرانيا طويل الأمد.

في المناسبة، على خلفية التباطؤ في الاقتصاد العالمي، تظهر الصين نتائج ممتازة، بما في ذلك على صعيد التجارة الخارجية. لذلك، فإن الصين وحدها، بصفتها ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، قادرة على الحفاظ على الاقتصاد العالمي بأكمله واقفاً على قدميه في السنوات المقبلة.

في المقابل، تمكنت روسيا من تجاوز الصدمات الأولى التي تعرضت لها من جراء العقوبات، فحتى المنظمات الدولية المحافظة عادة، تتوقع اليوم زيادة طفيفة في الناتج المحلي الإجمالي لبلدنا في عام 2023، على الرغم من أن توقعاتها كانت العكس تماماً قبل بضعة أشهر. ومع ذلك، على المدى المتوسط، قد يكون التأثير السلبي في الاقتصاد الروسي أكثر وضوحاً، مع اشتداد ضغط العقوبات وزيادة الإنفاق العسكري في البلاد.

بالنسبة إلى دول أوروبا، المثقلة بالمشكلات الداخلية التي ظهرت في أثناء الوباء، فضلاً عن العبء المتزايد الحالي للإنفاق على مساعدات كييف، يقترب منها عصر من التحديات الجديدة. سيستمر دورها في الاقتصاد العالمي في التدهور، وسيستمر اعتماد الأوروبيين على الولايات المتحدة في النمو.

في ظل هذه الظروف، سنشهد تصاعد المنافسة الجيوسياسية والتكنولوجية بين واشنطن وبكين. لكن، لا ينبغي للمرء أن يربط جميع المشكلات الحالية للاقتصاد العالمي فقط بالصراع الحالي في أوكرانيا وآثاره الثانوية. فقد حُدّدت الجوانب الأساسية للعديد من الظواهر الاقتصادية السلبية، لا سيما التضخم خلال جائحة كوفيد 19، والأحداث الجارية حالياً تسرّع هذه العمليات فقط.

بشكل عام، سيستمر الاقتصاد العالمي في تباطؤ نموّه، والذي من المرجح أن يبلغ نحو 2 % في العام المقبل. سيكون مثل هذا المؤشر الضعيف من أسوأ المؤشرات في العقود الأخيرة. سيستمر الانقسام بين التجارة الدولية والعولمة الاقتصادية وسيؤدي إلى المزيد والمزيد من الصدمات للاقتصاد العالمي. على الرغم من أنه من غير المرجح أن تنزلق إلى ركود عالمي حقيقي، إذ إن العديد من الدول الرائدة قد تراكمت لديها خبرة تاريخية جادة في التغلب على مثل هذه الصدمات.

بالطبع، أدت العقوبات الاقتصادية المفروضة على الاتحاد الروسي إلى تحوّل، في العالم الحديث، في الفهم الأساسي للنظام متعدد الأطراف، وقواعد اللعبة الدولية، والتنظيم الاقتصادي العالمي. وما نشهده اليوم أصبح تحدياً تاريخياً. في هذا السياق، ستكون أولوية السياسة الاقتصادية للعديد من بلدان العالم هي البحث عن أدوات لتسريع التجارة الدولية، وزيادة تنويع سلاسل التوريد العالمية، واستقرار التضخم، وتقليل عبء الدين العام، الذي يغطي بالفعل العديد من البلدان المتقدمة. بعبارة أخرى، ستنكبّ السياسة الاقتصادية في المستقبل القريب على حل الشكوك الناشئة باستمرار والمخاطر الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى