تحليلات و ابحاث

تأثير الجغرافيا في الإقتصاد .

أنيس نقاش – منسق شبكة أمان للبحوث والدراسات الإستراتيجية
تجري أبحاث وتكتب مقالات حول “الصراع”على الموانئ ،ليس في الإقليم فقط، بل في العالم.
ميناء غواردا في الباكستان نموذج لهذه الظاهرة الأكثر تكاملا في الأهداف والأبعاد.
هو مرفأ في باكستان ولكن الذي بنته وتطوره هي الصين، أي برأسمال اجنبي، إضافة ليد عاملة اجنبية، الصينيون هم الذين بنوه وهم الذين يشغلونه.
الهدف ليس الاستفادة المادية فقط ، ولكن هدف الصين كان اكبر وأوسع من ذلك.
الهدف الحقيقي والاكبر، هو إيصال البضائع الصينية إلى افغانستان وتركمانستان ووسط آسيا بارخص التكاليف. أي أن الهدف من مساعدة دولة أخرى على بناء اكبر ميناء هو مساعدة أنفسهم على مزيد من التصدير.
كانت أمريكا قد ساعدت لبنان على إنشاء شركة عبر المتوسط للطيران ليس حبا بلبنان، بل لكي يستطيعوا نقل مهندسيهم وفنييهم إلى دول الخليج لكي يعملوا في حقول النفط، في حين كانت عائلاتهم تعيش في بيروت.
في نهاية السيتينيات تقريبا انتهى هذا الدور.
السفر أصبح مباشرا بأفخم الطائرات الخليجية، والمعيشة في دول الخليج تحسنت.
مرفأ بيروت بنته بحجمه المتطور فرنسا.
وبريطانيا وسعت ميناء حيفا. ولكن بعد النكبة أصبح ميناء حيفا يخدم فقط الكيان واصبح مرفأ بيروت يخدم كافة الدول العربية، سوريا والعراق والأردن والكويت والسعودية والخليج عموما، خاصة عندما كانت التجارة تأتي موادها المصنعة من الغرب إلى الشرق، قبل أن تنتقل بعد ذلك من الشرق إلى الغرب مع صعود الصناعات اليابانية والكورية والصينية وغيرها.
من هنا بدأت أهمية دبي كميناء يستقبل وينقل البضائع من الشرق إلى الغرب وبالعكس.
مع الحرب اللبنانية وتوقف العمل في ميناء بيروت لفترة ليست قليلة، تحول الاهتمام لميناء العقبة الذي بدأ يخدم الأردن ومع الحرب الإيرانية العراقية أصبح ميناء العقبة محوريا واساسيا في دعم العراق.
منذ عشر سنوات قرر جزء كبير من القوى السياسية اللبنانية أن يساهموا في دعم الحرب على سوريا وهكذا اقفل اللبنانيون على أنفسهم منفذهم الوحيد خارج أراضيهم وبالتالي ضربوا مرة أخرى مرفأ بيروت وذلك قبل الانفجار.
اليوم التحدي هو التالي:
العراق يريد إنشاء ميناء عظيم اسمه ميناء الفاو.. والكويت تبني ميناء جابر في نفس المنطقة خدمة لنفسها وللعراق.
دبي ستصل ميناء جبل علي عبر سكك الحديد بميناء حيفا وهكذا ستضرب جزئيا قناة السويس.
تركيا قامت بوصل سكك الحديد بين اسطنبول وبكين في الصين وتريد إنشاء ممر مائي آخر موازي لممر البوسفور.. هذا الممر سيسمح لها بالحصول على موارد كما يحصل في حقوق المرور بقناة السويس.
التقدم التقني يسمح اليوم بأن تزال ملايين الأطنان من الرمال والرسوبات والهندسة الحديثة ليست أسيرة للطبيعة بل هي التي تقيم الإنشاءات الحديثة.
إستمرار الحديث عن الماضي والتاريخ والتباهي بالماضي ينفع دروس التاريخ والمتاحف.
اليوم الجغرافيا رغم أنها ثابتة ولكن الجغرافيا الاقتصادية متحركة، وعلينا أن ننظر للواقع الحالي وللمستقبل.
مدن عظيمة كانت في التاريخ فقدت أهميتها بسبب تغير الجغرافية الإقتصادية أو بسبب تطور التكنولوجيا والهندسة التي تسمح بتغيير شروط الطبيعة والمهمات والأدوار والوظائف.
العديد من معطيات النشاط الإقتصادي يجب إعادتها إلى جذورها ومن كان وراءها وما كانت اهدافها وعدم الإكتفاء بظواهرها .
العالم يجري بسرعة التطور ما فوق الثورة الرقمية بسبب سرعة الاتصالات والذكاء الاصطناعي ونحن ما زلنا نتغنى بالماضي والوقوف على الأطلال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى