وبالنسبة لبكرا…شو؟
محمود برّي | كاتب وباحث سياسي لبناني .
القضاء خجول بما يجري وينأى بنفسه عن أي ردّة فعل رسمية يراها السُّذج ضرورية. يريد من الصمت المُطبق أن يكون دليل الناس الحِسّي على كروية الأرض.
مدّعي عام التمييز مُتهم بالنزول شخصياً في الشارع بغرض حماية الأملاك كما قال الإعلام، ويرابط على بوّابة شركة رأس الآيسبرغ فيها تاجر أموال من بيت مكتّف.
القاضي المُتّهم صامت مثل باب مقفل، لا يؤكد ولا ينفي ولا يُصرِّح، فيثبت من حيث لا يدري، كروية الأرض إياها.
“الجسم القضائي” بمختلف صفوفه ودرجاته وأزيائه يضع نفسه على رصيف المُتفرّجين، لا يساند رفيقة القوس، ولا ينتقد مخاصمها، ويبدو أنه، هو الآخر، في صدد التفكُّر بكروية الأرض.
تُرى هل تكون الصِلة بين القضاء والكروية، أن كُلاً منهما ينتهي حيث يبدأ…؟؟
القاضية العلامة، مدّعية عام منطقة جبل لبنان، غادة عون، تواصل واجبها في التحقيق تحت وابل من اتهامات كثيرين في طليعتهم كنسيون يتباهون بالمزركش المُذهّب ويتمايلون كما أقراص عُبّاد الشمس في الهواء الشرقي، ويظهرون بمظاهر الذين يحبّون المال حُبّاً جمّا.
التدقيق المالي الجنائي ينتظر بصمت سيف “مرور الزمن”، ويستلقي في جوارير حاكم المصرف (المطلوب من القضاء السويسري)؛ وزير المال يرعى ماعز السرية المصرفية ومعها ذئاب الكابيتال كونترول، في مراعي التسويف والمماطلة… آملاً أن يبلغ بقطعانه وادي النسيان قبل أن ينتبه له القوم.
التحقيق بتفجير المرفأ يتمطّى كمن أفاق للتوّ من النوم ولم يغسل أسنانه. يرش آلام المنكوبين بماء إطلاق سراح أبرياء، ثم يغطس قدماً في سريّة التحقيق التي كان لعبها سلفه… قبل أن يغرق في وحول العزل.
لا أحد يسأل أين انتهت (في أيّ مستودعات) ألوف الأطنان من المعونات الغذائية التي جاءت بها بواخر وطائرات المُحسنين الأجانب… ويُقال أن عدم طرح الاسئلة بهذا الصدد ناجمٌ عن معرفة القاصي والداني بمصير تلك “المعونات”: أفضلها يُباع بأسعار دولار الـ15 ألف في السوبرماركت بعد تعطيشها، أدناها نوعية توزعها ميليشيات تتنكّر بالسياسة، على أنصارها والمحظيين، وكميات أخرى تُعرض للبيع بأسعار مخفّضة (دولار الـ 1500)، إنما فقط لحاملي صكوك الغفران.
الشوارع تضجّ، كما الصالونات، بالشائعات التي معظمها صحيح، واتهامات يومية تطال مختلف المنصّات الرسمية والخاصة ومعها الروحية والمدنية والدركية والجمركية والتهريبية والجهادية (التهريب بات سلطة).
وفي بلاد كريهة كما المرض، يستفردون بلدنا اليتيم اللطيم بقرارات بدوية مُستغربة حتى في بلد المنشأ، تفوح منها رائحة الشيكل وأدخنة التفجير العظيم للبور… وهما وجهان لحكاية واحدة.
كل ذلك والناس سُكارى وما هم بسكارى. يجوعون ويأكلون وينامون. لا أحد يفرّق الخيط الأسود عن الخيط الأسود… ولا الأبيض. وفي قمة المشهد يأتي الجراد… لزوم اكتمال فولكلور المأساة.
الرؤساء والزعماء يملأون الوقت بالتهب المتواصل ويجتهدون لطمس آثار أقدامهم كي لا يضبطهم أحدٌ في كاميرات المراقبة. والشعوب المحكومة بكرباج الدولار، ما برحت تنتظر انتهاء موجه الحرّ.
“ما في شي بيستاهل”، قالها لي مرة صاحبي. ولعله كان مُصيباً. ختموا الباب بالشمع الأحمر فاعتُمد الباب الآخر؛ نزعوا الشمع الأحمر باستخفاف ورموه تحت أحذيتهم فلم تتحرّك بقية ألوان القضاء.
هذا هو الوضع اليوم.
(وبالإذن من خيي زياد): بالنسبة لبكرا…شو؟