تحليلات و ابحاثكتاب الموقع

كتب عمر معربوني | عام على العملية العسكرية الروسية.. الإنجازات والإخفاقات والآفاق

عمر معربوني – خبير عسكري خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية

عام مرّ على العملية العسكرية الروسية الخاصة التي كنا نسميها في المرحلة الأولى العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، الى أن ضمّت روسيا جمهوريتي لوغانسك ودونييتسك ومقاطعتي زاباروجيا وخيرسون، ليبدأ أصدقاء روسيا بعد الضّم باستخدام مصطلح العمليات العسكرية في منطقة العملية العسكرية الروسية الخاصة، في حين أن أعداء روسيا لا زالوا يستخدمون منذ البداية مصطلح الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا.

وما بين المصطلحين يبدو أن العمليات العسكرية ستستمر لفترة طويلة من الزمن وفي الحد الأدنى لفترة غير قصيرة خصوصًا بما يرتبط باعتقاد الغربي الجماعي أن الدعم العسكري لأوكرانيا سيغيّر في ديناميات المعركة وسيؤهل أوكرانيا مع الوقت لاستعادة المبادأة وتنظيم الإعمال العسكرية على أساس خطط للهجوم المضاد.
وفي هذا الجانب يعتقد المخططون الغربيون وعلى وجه الخصوص الأميركيون أن الهجوم المضاد باتجاه شبه جزيرة القرم أسهل من الهجوم المضاد باتجاه الدونباس.
بداية لا بد من القول إن المواجهة الدائرة وإن كانت محدودة الجغرافيا إلاّ أنّها المعركة الرئيسية من سلسلة المعارك التي تُخاض في مواجهة الغرب الجماعي، فلم يعد خافيًا بعد بدء العملية وعبر ما صرّح به الرئيس فلاديمير بوتين وكبار المسؤولين الروس أن المعركة لم تعد فقط معركة أمن قومي روسي وانما هي معركة للحد من الهيمنة الأميركية وهو ما تمّ التصريح عنه بعد شهرين من بدء العملية ليتصاعد التصريح الى مرحلة تبني شعار اسقاط الهيمنة الأميركية وهو الذي بات اعتقادًا راسخًا لدى روسيا لا بديل عنه للحفاظ على مجالات الأمن القومي لروسيا ودول كثيرة من بينها الصين بشكل أساسي.

اذًا لا يمكن مقاربة المواجهة بشكل مقتصِر على الجانب العسكري وعلى جغرافيا أوكرانيا فقط وهو ما يفرض على الخبراء والمحللين الموضوعيين نمطًا محدّدًا من التحليل يتجه نحو إجراء توصيف وتعريف دقيق لأسباب ومآلات هذه المواجهة ينطلق من حيثياتها الحقيقية وليس فقط من خلال متابعة الوقائع الميدانية التي استقرت منذ شهور على نمط العمليات التكتيكية.

في النتائج المباشرة وماذا تحقق من الأهداف الروسية يمكن الجزم بأن ما تحقق حتى اللحظة هو مساحة مقبولة من النتائج الإيجابية اكّد صحّة اطلاق العملية وهي في مضمونها عملية دفاعية استباقية جنّبت روسيا القتال على حدودها ربطًا بالخطة الغربية التي كانت تحضّر بواسطة الجيش الأوكراني لعملية اجتياح لإقليم الدونباس ووضعه من جديد تحت السيطرة الأوكرانية علمًا أن الهجوم الأوكراني كان مقرّرًا في 27 شباط 2022 أي قبل العملية العسكرية الروسية بثلاثة أيام، وهو ما يمكن توصيفه بنجاحات مهمة لروسيا لأنها إضافة الى الحفاظ على ما كانت قوات لوغانسك ودونيتسك تسيطر عليه توسعت السيطرة لتشمل أغلب مناطق مقاطعتي خيرسون وزاباروجيا، ما يعني أن القيادة الروسية نقلت المعركة إلى أرض العدو وهو الأمر الذي لا يزال مستمرًا.

في الجانب العسكري وعلى الرغم من بعض الإخفاقات الميدانية للجيش الروسي والتراجع الذي حصل في مقاطعتي خاركوف وخيرسون الا أن العمليات اتجهت مجدّدًا الى بدء الجيش الروسي بعمليات هجوم تكتيكية على كامل نقاط خط الدفاع الأوكراني من سيفرسك شمالاً حتى جنوب زاباروجيا مروراً بارتيوموفسك ( باخموت ومارينكا وافييديفكا) وصولاً حتى اوغليدار والتي يمكن الجزم بأنها عمليات تهديم وانهاك للقوات الأوكرانية بدليل الانهيارات التي حصلت في سوليدار والتقدم الممنهج للجيش الروسي من سوليدار في اتجاهات الشمال والغرب والجنوب وهو ما ساهم في زيادة الطوق على ارتيموفسك التي أصبحت مطوقة فعليًا وبات سقوطها مسألة حتمية إضافة الى ما تنجزه الوحدات الروسية على جبهة سيفرسك حيث تتقدم اليها الوحدات من اتجاهات الشرق والشمال والجنوب بالموازاة مع إعادة تفعيل جبهة كريمينيا حيث تتقدم الوحدات الروسية بهدف العودة للتمركز في قطاع  يامبل – ليمان – كراسني ليمان.

على اتجاه مدينة اوغليدار تتعرض القوات الأوكرانية لضغوط كبيرة ستؤدي في النهاية لسقوط المدينة وتقدم الجيش الروسي الى تقاطع كوراخوف الإستراتيجي.
هذا على المستوى التكتيكي الحالي لكن لعدم الغرق في الجوانب التكتيكية ومحاولة حصر الجدل فيها كما يفعل اعلام الغرب الجماعي يجب التذكير بأن روسيا سيطرت على حوالي سدس مساحة أوكرانيا وحوّلت بحر آزوف الى بحر روسي داخلي وتسيطر على نصف شواطئ أوكرانيا على البحر الأسود وهذه السيطرة في الحقيقة هي إنجازات استراتيجية لأنها غيّرت في الجغرافيا الأوكرانية ويمكن الجزم أنها تحول جيوسياسي سيكون له تداعيات على العالم ككل وليس روسيا فقط.

على المستوى السياسي لا يختلف اثنان أنه رغم محاولة الغرب الجماعي حصار روسيا الا أن الأمور تسير بشكل معاكس لرغباته، فروسيا باتت أكثر انفتاحًا على الصين وأكثر رسوخًا في علاقاتها مع تركيا وايران وأكثر انفتاحًا على معظم الدول العربية ومن بينها على وجه الخصوص مصر ودول الخليج إضافة الى ترسيخها أكثر لعلاقاتها مع العديد من دول افريقيا وخصوصًا جنوب افريقيا وبالتأكيد علاقاتها الجيدة بفنزويلا والبرازيل وغيرها من الدول.
وبذلك لا يمكن لأحد الكلام عن حصار لروسيا وهو بحد ذاته انجاز كبير ان لم نقل انتصارًا كبيرًا.

في الجانب الاقتصادي روسيا هي الدولة الأقل تضررًا سواء بما يرتبط بالتضخم أو بسعر صرف العملة الروسية أو بما يرتبط بتوسيع مجالات عقودها التجارية وكذلك بما يرتبط بحجم البطالة على عكس الدول التي شاركت بالعقوبات وعلى رأسها دول الاتحاد الأوروبي.

وفي الجانب الاقتصادي لم يعد خافيًا توجه روسيا والدول الصديقة وهي نصف العالم، للتخلي تدريجيًا عن الدولار واعتماد العملات المحلية في التبادلات التجارية وهو جانب ستكون له تأثيرات سلبية على اقتصادات دول الغرب الجماعي وستبدو آثاره ظاهرة في السنوات القادمة.
أمر آخر في الجانب الاقتصادي وهو الاعتماد اكثر على الصناعة الوطنية وتوسيع هوامش العلاقات الإنتاجية الداخلية وهو أمر وإن استغرق بضع سنوات إلا أنه سيحصن روسيا مستقبلاً بمواجهة أي هجمات اقتصادية مهما كان حجمها.

من المؤكد أن المواجهة الدائرة فرضت على روسيا الكثير من الإجراءات الصعبة ولكنها لم ولن تؤثر في اعتقادي على الموضوع الأكثر خطورة وهو اكلاف المعيشة التي لا تزال كما هي بسبب احتواء روسيا على سلة كبيرة تفيض عن احتياجاتها من المنتجات الغذائية الأساسية.

في المحصلة يسود الاعتقاد ان هذه المواجهة لن تنتهي في المنظور القريب وربما المتوسط وهي باتت معركة عض أصابع يؤكد القادة الروس والمعطيات انها مهما طالت لا يمكن من خلالها تحقيق الهزيمة بروسيا خصوصًا أن سنة واحدة من زمن المواجهة كانت كفيلة باستعادة الشعب الروسي زخماً كبيراً بما يرتبط بالروح الوطنية فالجنود والغالبية الساحقة من المواطنين وخصوصًا جيل الشباب باتوا على قناعة أنها معركتهم كما كانت معركة ابائهم واجدادهم وان الرجوع الى الوراء سيكون بمثابة بداية نهاية روسيا بثقافتها وتاريخها وأمجادها وهو ما سيفرض سيادة الشعار التاريخي للروس في كل معاركهم: الى الأمام.

وبناء على كل ما تقدم من المؤكد أن الكثير من الإخفاقات وتحديدًا في الأبعاد الإدارية والسياسية والميدانية يتم تخطيها والاستفادة من دروسها تحت ادراك واعٍ ان المعركة طويلة ومن المهم عدم الغرق في الإخفاقات وتجاوزها بعد أخذ العبر منها وهو ما فعله الروس في كل تاريخهم الطويل.

المصدر | العهد الإخباري

https://www.alahednews.com.lb/article.php?id=51208&cid=124

عمر معربوني

رئيس تحرير موقع المراقب - باحث في الشؤون السياسية والعسكرية - خبير بالملف اللبناني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى