اميركا بين ترامب وبايدن .
جعفر فرح خضور | كاتب سوري
ليس خفياً على أحد وخصوصاً في مرحلة اشتداد الأزمات وتسارع وتيرة الأحداث الإقليمية والدولية طبيعة السياسية الأمريكية التي تقف وراء هذه الأحداث العدوانية اتجاه منطقتنا العربية أو ما يعرف بـ ( بالشرق الأوسـط )، بطاقمها الجديد الذي يتصدّر مشهده الرئيس الجديد “بايدن.
ولكي لا نتبعد كثيراً عن المشهد ونضيع المضمون يمكن القول أن ما تمارسه الإدارة الأمريكية الجديدة شكّل استغراب كبير وحيرة عارمة لدى من بدا متفائلاً بالإدارة الجديدة إلى حدٍ ما، ومن جهة أخرى انتظاراً لما ستفعله الإدارة بحلّتها البرّاقة وبسياستها الثابتة التي تقدّم المصالح على المبادئ عند تعارضهما وتناقضهما، وتكنّ الولاء المطلق والدعم اللامتناهي للكيان الصهيوني .
ومن غير المنطقي والمتوافق مع طبيعة هذه السياسية العدوانية العابثة بأمن واستقرار الدول والمختبئة خلف ديباجات حقوق الإنسان، ناهبة الثروات والخيرات، أن ننتظر منها ما يحمل لمنطقتنا الأمن والاستقرار.
والنظر للسياسة الأمريكية لا يمكن حصرها برئيس ما من حزب أو آخر وبتأييده لقطب ما ومعارضته لآخر فبالنهاية كلّه يصبّ في مصلحة الكيان الوظيفي الغاصب والذي تعهدت الولايات المتحدة الأمريكية بحفظ أمنه واستقراره منذ تأسيسه.
فكيف لا وهو أداة إجرامها في منطقتنا وهذا ما نعرفهُ ونعيهِ جميعاً. لذا السؤال الذي يجب أن نتفكّر به :” ما الذي تغيّر في في هذه الإدارة التي لم يمضي عليها أشهر ؟ لغة خطاب وأسلوب رنّانّ يحمل فقاعات تفاؤل ، أم عقلية جديدة تعمل على لملمة وترميم جِراح ما سببه الرئيس الأسبق “ترامب” من جائحة كورونا وصولاً إلى توترات وضعت المنطقة على شفا صفيحٍ ساخن ؟ ” .
يمكننا الإجابة على هذا السؤال من بوادر ما تقوم به أمريكا في هذه المرحلة ، والتي بانَ كذبها أكثر فأكثر ولعبها على حِبال الوعود الزائفة التي لا يمكن لأيّ عاقل أن يسترجى منها خيراً.
وإذا راجعنا خلاصة تقرير معهد أبحاث الأمن القومي الاسرائيلي لعام 2021 والذي تضمّن التوصيات الخاصّة الإسرائيلية لوجدنا أنّ كل ما تقوم به الولايات المتحدة يعمل على رأب صدوع الكيان الداخليّة والمحيطة به على المستويين الإقليمي والدوليّ، لتدخل أمريكا مرحلتين ” الأولى : إكمال ما أنجزه ترامب ، والثانية : إصلاح ما أفسدهُ بمظهر جديد يتفق مع ما يريدهُ الكيان الصهيوني ” ، ولعلّ أبرزها هو الاتفاق النووي الإيراني والذي بات يشكل خطراً حقيقياً ومحدقاً ومؤكداً على وجود الصهاينة.
فقد جاء في تقرير معهد أبحاثها : “مواجهة سعي إيران لامتلاك قدرة نـوويّة – عـسكريّة، يجب إتباع سياسة للحوار المتوقع بين حكومة بايدن والمجتمع الدولي وإيران وتحدد مصالح إسرائيل بالحماية بموجب اتفاق نووي جديد “.
وبالطبع مما هو واضح لا يراد بالعودة للاتفاق النووي مع إيران ما تريده أمريكا حقّاً بتقليص الالتزامات فحسب! بقدر ما هو تفصيل هذا الاتفاق بما يتناسب مع الكيان الصهيوني ليمتد ويشمل صواريخ إيران الباليستية، وهذا ما يعيه الإيراني جيداً ويرفض رفضاً قاطعاً ما يطرح بخصوصه .
وبنفس السياق والمشهد الضربات الاسرائيلية على الأراضي السوريـة تسعى من خلالها وعبرها إلى محاربة الوجود الإيراني الشرعي في سـورية وهذا ما ورد في تقريرها أيضـاً.
وإذا ما ذهبنا للضربة الإمريكية على الحدود السوريـة – العراقيـة لوجدنا عدم اختلاف نظام قطّاعو الطرق من الأمريكيين والذين يجيدون الإدعاء بالضربات الاستباقية كما حصل في الحرب على العراق 2003، وعلى نفس الخط نتجه لنرى زيف وعود أمريكا بما يتعلق بشطب الحوثيين عن قائمة العقوبات لتعود اليوم وتفرض عليهم العقوبات.
ولكي لا يغلب علينا التشاؤم وهو ما لا مكان له بيننا في محور المقاومة الذي خرج من كل ما رسم ضده من مؤامرات منتصراً . أن نقول على جغرافيا التصعيد أن تتسع وتكبُر وقاعدة عين الأسد في الأنبار خير دليلٍ وخير رسالة على الغطرسة الأمريكية العبثية المجرمة، حتى يذهب الأمريكي لغير رجعة سواء من قواعدهِ في سورية أو في العراق .
ونتائج التطبيع والتحالفات مع الأنظمة العربية المتخاذلة الهشّة بدأت تظهر نتائجها .. ببناء مدرجات للطائرات الحربية والزيارات الدبلوماسيـة للكيان الغاصب في حُلُمٍ واضح المعالم وهو بناء تحالف دفاعي – خليجي ضد إيران ودول المحور المقاومة، الذي بات أقوى بألاف المرّات مما كانَ عليه ونظراً لما برهنه من قوة في حلقة سلسلة المحور المقاوم سـورية. خلاصـة القـول : لا تعويّل على السياسة الأمريكية بإداراتها السابقة .
وتصريحاتها الجديدة التي اختلف أسلوبها . فهدفها واضح وهو نسف التوازن في المنطقة وأن يبقى الكيان الغاصب هو المتحكّم في سياستها، وهذا ما لن يتحقق بعون الله بوجود محور الحق والقوّة .