“القوات” تلعبُ دورَ “المُرشد”… وإستياءٌ مسيحيّ!
بيار ساروفيم | كاتب لبناني
لفتَت جهاتٌ مسيحيّة مراقِبة، مسارعة حزب الكتلة الوطنيّة اللّبنانيّة إلى الردّ على عضو تكتّل “الجمهورية القوية” النائب زياد حوّاط، حينَ قالَ في مقابلةٍ تلفزيونيّةٍ: “نختلفُ والكتائب في الممارسة والأداء لكن نلتقي على الهدف، وهناك حدٌ أدنى من التلاقي مع “الإشتراكي” و”المستقبل” و”الكتلة الوطنية” وغيرهم.
وقد بادرَ “الحزب” بُعيدَ هذا التصريح، إلى نشرِ تغريدة على حسابه الرّسميّ عبر”تويتر”، جاء فيها:”عذرًا إستاذ زياد، متل ما بتختلفوا مع الكتائب بالأداء والممارسة وبتلتقوا على بعض الأهداف، نحنا كمان منختلف معكن بالأداء والممارسة، ومنلتقى معكن على بعض الأهداف متل انتشال لبنان من محور الممانعة، بس أكيد مش لننخرط بمحور تاني!”.
وإعتبرت هذه الجهات المراقِبة، أن موقفَ الكتلة الوطنيّة بعد مواقف “الكتائب” وشخصيات مسيحية مستقلّة أخرى، تعكسُ إستياء المسيحيّين غير “القواتيين” من المحاولات القواتية المتكرّرة للعبِ دور “المُرشد” الذي يُحدّد السياسات ويَطلبُ من الآخرين الإلتزام بها والعمل من خلالها.
ولفتت إلى أن المحاولات المتكرّرة التي تقوم بها القوات اللّبنانيّة لإظهار نفسها وكأنها ترسمُ التوجهات الوطنية التي على بقيّة الأحزاب والقوى السياسيّة المسيحيّة الأخرى العمل تحت سقفها، باتت تُشكّل حساسيّة متزايدة في ظلّ شعور القوى السياسية والحزبية المسيحية بأن هناك محاولة قواتيّة جديدة لإختزال الحياة السياسيّة والحزبيّة على الساحة المسيحيّة ومحاولة لفكِّ العزلة والطوق عن القوات بفعل فشل “الثنائيّة المسيحيّة” التي سعت إليها من خلال تفاهمِ معراب مع التيار الوطني الحر، بما يحول دون قدرتها على فرض نفسها الشريك المسيحي للقوى الإسلامية الأخرى!
وأبدت الجهات المسيحية المتابِعة، إعتقادها بأن الأحزاب والقوى السياسية المسيحية باتت تشعرُ بأن القوات اللبنانية تسعى من خلال طرح “الجبهة السياسية المعارضة” إلى التعويض عن سقوط تحالفها مع التيار الوطني الحر، بفعل إرتكازه على تقاسم السّلطة بعيداً عن أية قراءة مشتركة للأسسِ والمفاهيمِ والإعتباراتِ الوطنيّة والسياديّة والسياسيّة.
وتعكسُ مواقف الكتائب والكتلة الوطنية والشخصيات السياسية المستقلّة وناشطي المجتمع المدني الرّافضة للمحاولات الإحتوائية القواتية، حرصاً على الإستقلالية ورفض لعب دور “منقذ القوات” من ورطتها، وتمسّكاً بضرورةِ العمل على تركيز الجهود لإنقاذ لبنان من السياسات والتسويات والصفقات التي أوصلته إلى ما هو عليه اليوم من إنهيار سياسي واقتصادي واجتماعي.
وتساءلت قيادات سياسيّة وحزبيّة بارزة في مجالسها رداً على “الإنفتاح القواتي المستجد”، ماذا تغيّر منذ 4 سنوات الى اليوم لتصبح القوات مهتمّة بالشّراكة مع بقيّة الأحزاب والقوى السياسية والشخصيات المسيحية المستقلة؟ ألم تكن القوات اللّبنانيّة صاحبة نظرية أنها والتيار الوطني الحر يُشكّلان تحالف الأقوياء الذي يمثّل 86% من المسيحيّين؟ وبالتالي ما سرّ حاجتها اليوم إلى “الضعفاء” الذين يشكلون قسماً من الـ 14% المتبقين بموجب حساباتها؟ ألم يكن هؤلاء الـ 14% في نظر القوات على الهامش وأقلية لا يحقّ لها المشاركة في تحديد الخيارات المسيحيّة والوطنيّة أو حتى مجرّد التعبير عن رفضها أو تحفظها على التّسوية التي أوصلت العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، وسلّمت لبنان ومؤسساته الدستورية وقراراته السيادية لحزب الله والمحور الإيراني؟ ألم تكن الـ 14% هذه مجموعة “أولاد وعطلجية” بحسب التوصيفات القواتية؟ ألم يكن خيار “المعارضة من الداخل” هو الخيار الصحيح بالنسبة إلى القوات؟ فما الذي تغيّر الآن، لتصبح القوات داعية لتأسيس “معارضَة من خارج السلطة” بعدما إنتقدت المسيحيين الآخرين مراراً وتكراراً معتبرةً أن المعارضةَ من خارجِ السلطة “خطأ سياسي إستراتيجي” لا يفيد ولا يأتي بنتيجة؟
وخَلُصت الجهات المسيحيّة المراقِبة، إلى أنه من حق القوات اللبنانية أن تعيدَ النظر في حساباتها وأن تغيّر تموضعاتها، لكن ذلك يُحتّم عليها أن تنضم بتواضعٍ إلى من سبقها إلى “الخيارات الجديدة” التي توحي بأنها في صددها، لا أن تظهّر نفسها ناظماً للحياة السياسية والحزبية المسيحية والمعارضة.
وخَتَمت: أما إذا كانت الدّعوات المتكرّرة إلى التحالف في “جبهة سياسية معارضة” وفقاً لما تُتطالب به القوات اللبنانية، نسخة من نموذجِ التّحالفات التي طرحتها في الانتخابات النيابية الأخيرة بإشتراطها على المتحالفين معها الإنضمام كتلتها النيابية، فعلى القوات أن تتحلى برحابة الصدر لسماع ردودِ المعنيّين الرّافضة لهذا النّهج على قواعدٍ سياسيةٍ ووطنيةٍ، ولا على أسسٍ شخصيةٍ كما يحلو لها أن تصوّر المصرّين على تمايزهم والمُتمسّكين بإستقلاليتهم وحريّة خياراتهم!