كتاب الموقع

كتبت ليندا حمورة | محاولات للعثور على الذات

ليندا حمورة | كاتبة وباحثة لبنانية

نمرُّ أحياناً بمواقف تُثقل كاهل أرواحنا، وكأن هناك خنجرًا خفيًّا يستقرّ في أعماقنا، يلتوي مع كل نفس نتنفسه، يُمزق شرايين الأمل ويُفرغ قلوبنا من دفء السعادة الذي لطالما اعتقدنا أنه لن يفارقنا. نصبح كالأوراق المتطايرة في مهبّ الريح؛ أحياناً نجد أنفسنا محلقين في سماء الأحلام، وأحياناً أخرى نسقط على قارعة طريق مهجور، حيث لا شيء سوى ركام الذكريات وآثار الخيبات.
أتساءل كثيراً، كما تساءل من سبقني من الحالمين والحائرين: هل نحن أدوات بأيدي القدر؟ أم أننا صُنّاع أقدارنا، نكتب فصول حياتنا بمداد من اختياراتنا؟ أأنا فعلاً “أنا”، أم أنني ظلّ لشخص آخر يسكنني، يُلقي بي في متاهات لا نهاية لها؟ أجد نفسي غارقة في بحور من التساؤلات، أمواجها لا تهدأ، ورياحها لا تهب إلا لتزيد من اضطراب هذا القلب المتعب.
أريد أن أهرب من هذا العالم الصاخب، من الزحام الذي يلتهم سكينتي. أبحث عن ركن بعيد، عن مكان خالٍ من كل هذا الضجيج، حيث يمكنني أن أغلق عيني وأتلمّس طمأنينةً مؤقتة، ولو كانت واهية. لكن، أين هو هذا الملاذ؟ هل يمكن أن يكون في عزلة مع الطبيعة، بين أصوات العصافير وهمس الأشجار؟ أم أنه في لحظة تأمل عميقة، أترك فيها كل شيء خلفي وأغوص في صمت داخلي، علّني أجد في أعماقي سلامًا فقدته؟
أفكر أحياناً أن هذه الحياة، رغم قسوتها، ليست سوى محطة عابرة. ربما نحن هنا لنختبر قوتنا، لنتعلم كيف نحمل أثقال أرواحنا دون أن ننكسر تماماً. لكن ماذا عن تلك الراحة التي نبحث عنها بشغف؟ الراحة التي لا تحمل معها أي قلق أو خوف، فقط سلام نقي؟ هل هي موجودة في هذه الحياة، أم أنها محجوزة لتلك اللحظة التي نغادر فيها هذا العالم للأبد؟
إلى أن أصل لتلك الراحة الأبدية، أبحث عن طمأنينة مؤقتة، عن لحظة أجد فيها نفسي بعيدًا عن كل ما يثقلني. ربما السبيل إليها ليس بالابتعاد عن العالم، بل بالتصالح معه، بأن أجد في داخلي ملاذًا لا تهزه رياح الحياة، وأتعلم كيف أزرع الأمل في تربة هذه النفس، حتى وإن كانت تبدو قاحلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى