كتبت د . نازك بدير | في أبعاد التدمير الممنهَج
د.نازك بدير | أكاديميّة
ليس جديدًا على جيش الاحتلال الإسرائيلي ما ينتهجه من تدمير الأحياء السكنيّة والدساكر والكنائس والمساجد ومراكز البلديّات والمعالم الأثريّة في حربه على لبنان، هو كيان قائم، منذ نشأته، على محاولة طمْس معالم الأرض، فيدنّسها عبر تجريف تربتها، وحرْق بساتينها وأشجارها، وتدمير البيوت على رؤوس ساكنِيها. يبدو أنّ وتيرة الهجمات الوحشيّة تضاعفت على مناطق الجنوب اللبناني والبقاع وبعلبك قبل الخامس من نوفمبر “الثلاثاء الأميركي”. لم يتوقّف العدوّ عند التشفّي من القرى الواقعة على الحافّة الأماميّة، (ولا سيما حولا، العديسة، كفركلا، بنت جبيل، مارون الراس،عيتا الشعب، مْحَيبيب) إنما طاول الاعتداء أحياء سكنيّة في صيدا وصور والنبطية. تنمّ طريقة التدمير عن حقد دفين عند الصهاينة، وهي ليست بهدف إنشاء منطقة عازلة تتيح المجال للمراقبة وتمنع المقاومين من الوصول إلى مواقع إسرائيليّة أو الدخول إلى الأراضي المحتلّة فحسب، إنّما ثمّة أبعاد أخرى للتدمير الممنهج من قِبل العدوّ، نذكر منها:
- الردع النكبي: تمارس حكومة العدوّ “الردع النكبي” من خلال إيجاد نكبات عبر التدمير الممنهج.
- تعويض الإخفاق عن التقدّم البرّي في التشفّي من خلال تحويل القرى الأماميّة إلى مساحات رماديّة.
- ممارسة ضغط عبر “الخاصرة الرخوة”: تكثيف التدمير بشكل ممنهج للضغط على الطرف اللبناني للقبول بالشروط “الإسرائيليّة”.
- محاولة شنّ حرب نفسيّة على أهالي المناطق الحدوديّة من خلال تدمير قراهم.
- ترهيب المواطنين والرهان على زعزعة ثقتهم بقدرة الدولة والمقاومة على ضمان أمْنهم، وحماية ممتلكاتهم.
- محاولة تأليب الناس على المقاومة التي دخلت في جبهة إسناد غزّة في الثامن من أكتوبر من العام المنصرم.
- دفْع أهالي قرى الحافّة الأماميّة-بعد انتهاء الحرب- إلى إعادة الحسابات قبل الشروع في مخطّطات عمرانيّة أو إنمائيّة في المنطقة الحدوديّة.
- زرع الخوف في نفس كلّ مَن تسوّل له نفسه مواجهة إسرائيل في المستقبل.
بعد مضيّ ثلاثة عشر شهرًا على الحرب، وعلى الرغم من الإبادة الجماعيّة التي ارتكبتها حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والدمار الهائل في غزّة، ومتابعة “سلوك التدمير الممنهج” نفسه في جنوب لبنان وبقاعه والعديد من مدنه وبلداته، يظهر العدوّ عاجزًا عن إضعاف قدرات المقاومة، لا بل على العكس، هي في وتيرة تصاعديّة، سواء من حيث عدد الهجمات، أم نوعيّة الأهداف، أم الأسلحة المستخدَمة. إضافة إلى أنّ حيفا ” العصب الاقتصادي للكيان” باتت في مرمى نيران المقاومة، بما فيها من قواعدَ لسلاح الجوّ “الإسرائيلي”، والكليّة التكنولوجيّة للقوّات الجويّة، ومجمّع حيفا البتروكيماوي، وميناء حيفا( في جانبه الشرقي تقع قاعدة لولونيوم وتضمّ صواريخ نوويّة).
في المحصّلة، تستطيع الطائرات قصْف البيوت والمباني وإحراق المستشفيات، وتحوّلها ركامًا رماديّ اللون، لكن، الثابت أنّ أقدام المجاهدين لا تتزحزح حتى النصر. “وكان وعد الله مفعولا”.