كتبت عبير بسام | دور المنظمات الدولية والنسوية في تعميق الشذوذ الجنسي
عبير بسام | كاتبة وباحثة
السعي وراء تعزيز الأفكار عند الأطفال وطلاب المدارس حول العالم لتقبل الشذوذ الجنسي يمثّل ضربًا من الجنون. فالمنظمات العالمية المرتبطة بالأمم المتحدة والعالم الغربي من أوائل من يسير قدماً في محاولة تكريس هذه الحالة، وكأن هذا ما ينقص الطلاب حول العالم وخاصة في دول العالم النامي. وفي هذا السياق، كانت لافتة “مدونة قواعد السلوك” الصادرة عن “مكتب الأخلاقيات” في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في غزة، وفي إحدى بنودها: تنظر الأونروا إلى المساواة بين الجنسين وفقا لآراء الأمم المتحدة، ونتيجة لذلك تتصف المساواة بشمول الزملاء (موظفو أونروا) والمستفيدين (جموع اللاجئين من متلقي الخدمات) من الشواذ والسحقيات وما يسمى “مزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسية الأخرى”. وفيما عممت الأونروا هذه المدونة على مديري برامج في قطاعات التعليم والصحة والقطاعات الخدمية الأخرى، شنت هيئات وقوى فلسطينية هجوما حادا على الأونروا مؤكدة رفضها لها وعدم العمل أو السير بها.
المنظمات الدولية باتت تشجع على ادخال هذا المنهاج في مدارس شرق وجنوب الكرة الأرضية كما في العالم الغربي. فمدارس الغرب تتبع منهجاً يساوي بين العلاقات الطبيعية الجنسية وبين العلاقات الشاذة بين الجنسين، بل أكثر من ذلك بدأت بإنتاج برامج للأطفال تحض على ذلك، وتُسَخّر المنظمات الدولية وغير الدولية لتنشيط هذا المنهج مقابل تمويلها. كما تتهم كل من يقف في وجه الشذوذ بالعنصرية، في حملة شبيهة بتلك التي تتهم الغير بمعاداة السامية.
التركيز على ادخال مفهوم الشذوذ لدى الأطفال في المدارس اليوم يهدف الى أن تتقبله المجتمعات بشكل طبيعي. الطامة الكبرى أن أكبر مروج لهذا الشذوذ بين الأطفال هي المؤسسات الدولية ومنها الأمم المتحدة والمنظمات المتفرعة عنها، ومؤسسات المجتمع المدني التي تمول من مؤسسات مانحة غربية والحكومات الغربية، وهو أمر يُعمَل عليه منذ عقود. وبهذا يمكننا أن نفهم أسباب دخول حصة التربية الجنسية والتي ابتدأت أساسًا من المرحلة الثانوية في الغرب، واليوم يريدونها بدءًا من مرحلة رياض الأطفال.
ما تسعى اليه الأونروا في غزة، لا بد من أنه يمتد ليطال مدارس الأونروا في الضفة الغربية ولبنان وسوريا بالتأكيد، ولكن ردة الفعل ضدها سترتبط بمدى الحاجة العلمية والتشغيلية لها في البلاد التي تعمل بها، وفي الوقت نفسه هي مرتبطة بقرار أممي تديره الدول التي تتحكم بمفاصل القرار في المنظمة الدولية الأممية منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، ومن الواضح أن المسؤول المباشر عن هذا التحرك هو الولايات المتحدة الأميركية ومن ورائها الصهيونية العالمية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وهذا مرتبط بهدف أكبر وأخطر وله علاقة بالمعتقدات الدينية التي تمثلها هذه القوى مجتمعة، إضافة لدول أساسية في أوروبا الغربية.
قطعت حركة الأمم المتحدة والمنظمات العالمية شوطًا كبيرًا في مجال تكريس “حماية” الشاذين جنسيًا وعدم التعرض لهم، والدفع نحو إلغاء القوانين ضدهم، وهي أنجزت في هذا المجال أكثر مما أنجزته بكثير في مجال حماية أفريقيا والإفريقيين ووقف السرقات الفرنسية والأميركية وإفقار الأفارقة، وأكثر بكثير مما أنجزته من أجل حماية الفلسطينيين من البطش والعنصرية والقتل والإحتلال الصهيوني، وهي التي لم تستطع حماية العراق وسوريا من المخططات الأميركية لنهب البلدين وتقسيمهما، مما يجعل الأهداف السياسية الكامنة وراء الحملة تتضح بشكل سافر، ألا وهو انحلال اخلاق الشعوب لسبب يتعلق بعقائد الغرب وما يحضر له من أجل السيطرة على شعوبنا والمقهورين في العالم.
منذ أيار/ مايو 2013، دعت الأمم المتحدة لإلغاء القوانين المناهضة للشذوذ الجنسي، واعتبر بان كي مون يومها بأن الدعوة “جزء أساسي من تعزيز حقوق الإنسان للجميع”. أي أنه ربط حقوق الشاذين بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولم يتغير شيء من حقوق الإنسان بل زادت المجاعات والقتل والسرقة حول العالم من قبل الغرب. وقد احتفل كي مون بحقوق الشذوذ حينذاك من هولندا مباشرة، وحدد ذلك اليوم يوماً عالمياً يحتفل به بالشذوذ، مثلما حدد يوماً عالمياً للمرأة ويوماً عالمياً للطفل. بات يقرأ اليوم من خلال هذه الدعوة أن كي مون كان يدعو نحو تشريع اغتصاب الأطفال والأسر والمجتمعات وحقهم في العيش الطبيعي، وذلك من خلال التمهيد لتقبل الشاذين بينهم. وحتى التاريخ السابق كان يعمل برنامج الأمم المتحدة الشاذ في 170 بلداً وإقليماً، مع العلم أن الحملة بدأت في العام 2011، وأنجزت حتى اليوم ما لم ينجز في الأمم المتحدة من أجل قضية فلسطين في 70 عاماً.
مسار الحملة الكارثي في أوروبا يتقدّم، ولكن اليوم وصلت النار الى بلداننا في فلسطين ولبنان وباقي الدول العربية التي إذا ما أرادت الإستفادة من تقديمات البنك الدولي فعليها أولاً أن توقع على الإقرار بحقوق الشاذين جنسياً، لناحية عدم تجريمهم أو حرمانهم مما يسمى حقهم في الزواج وووو. وما حدث مع الأونروا في فلسطين- غزة يبدو أن لبنان لن يكون بمنأى عنه وسيكون مطالباً به من قبل منظمة اليونيسيف إذا ما اراد تدفق المساعدات.
نشر موقع “مركز البحوث والعمل في العلوم الإجتماعية”، “Center for Social Sciences Research and Action”، بحثاً في أيلول/ سبتمبر 2015 حول تحول الحركات النسائية في لبنان إلى طابع المنظمات غير الحكومية وأثره على تعبئة النساء وتحقيق التغيير الإجتماعي. ورأت الدراسة أنه لا يمكن وصف الحركات النسائية كلها بالنسوية بل إنها “متجذرة كلها في هياكل الإضطهاد المبنية على النوع الإجتماعي”. ولذلك تبحث الدراسة كيف أن الحركة “النسوية” المفترضة في بنية منظمات المجتمع المدني قد تحولت في جزء منها لتعبر عن حقوق الجندرية وحتى أنه من الممكن ربطها أو التعاون ما بينها وما بين فرض التغيير الجذري في المجتمعات والوصول إلى مكاسب سياسية وليس اجتماعية أو حقوقية فقط، وفي طليعتها حقوق “الشاذين جنسياً” في المجتمع. وتأكيداً لما جاء في التقرير، ففي حزيران الماضي كان هناك مؤتمراً عقد في إحدى الجامعات اللبنانية الخاصة وكان المؤتمر يستهدف الحركة الإرتجاعية أو حركات رد الفعل المعادية للحركات النسائية في نصف الكرة الجنوبي. كان المؤتمرون من فلسطين ولبنان والأردن وتونس والهند وبنغلادش وتركيا، وكان هناك متحدثون من لبنان مثلاً، عبر تطبيق الزوم من الولايات المتحدة، وفي هذا دلالات خاصة، وكذلك متحدثون من مناطق مختلفة ومنهم أكاديميون أو عاملون ضمن نطاق المؤسسات الغير حكومية. خلال الجلسة الأخيرة عبر المؤتمر صراحة عن التوصيات التي يسعى إليها والأخطار التي تواجه الحركات النسوية، وأخطر التوصيات كانت التوصية للمشاركين والعاملين في الجانب النسوي ومن أجل النجاح في مسعاهم عليهم حتماً ربط العمل من أجل الوصول إلى حقوقهم بحقوق الشاذين جنسياً وعدم تناول الحركة النسائية بشكل منفرد.
العهد الاخباري