كتبت ميساء مقدم | وكان حقّاً علينا..
هي الضاحية..
ميساء مقدم
على ركام ذكرياتهم عادوا، يدوسون جنى العمر. ينقّلون نظرهم بين شارع وساحة. يبحثون عن ماضٍ قريب دمّر العدوان آثاره، الى حيث يألفون الهواء، ويحلو لهم العيش، عادوا.
الضاحية، ليست اسماً لمدينة، ولا هي عاصمة بلد. لا تجمع بين حجارتها آثار يُتَغَنى بها، ولا مشاهد طبيعية فريدة تُزار لأجلها.
باختصار، هي ليست مدينة يهواها أصحاب الحياة المرفّهة، وأصحاب الهويات المتعددة.
على العكس تماماً، الضاحية اسمٌ لمجموعة أحياء نمت عشوائياً على هامش المدينة، استوعبت ما لا قدرة على العاصمة – بثرائها – أن تستوعبه.
حيث المواطن المتروك من دولته كانت الضاحية.
حيث المواطن الحامل لجينات “النخوة” من القرى الى ضواحي المدينة، كانت الضاحية.
حيث روح المقاومة تعشش بين أهلها، كانت الضاحية.
حيث الصمود المعجزة، كانت الضاحية.
حيث اجتمعت بساطة العيش بتعقيدات فلسفة التضحيات، كانت الضاحية.
هم الذين ما هانوا، ولا يئسوا.
هم الذين حين أعلنت “المنار” نبأ أسر جنود العدو نزلوا الى ساحاتها وشوارعها، حاملين رايات مقاومتهم، يوزعون الحلوى على المارة، يشعلون سماء ضاحيتهم بالمفرقعات احتفاء.
هم الذين حين أعلن العالم حربه عليهم، وشبّت نيران الحقد على هيئة صواريخ دمّرت وقتلت أغلى ما لديهم، كانت أعينهم تنزف شوقاً الى الضاحية.
هم الذين كانوا أوّل العائدين الى ركامها عند أول اشارة أمان من قائدهم.
هم الذين افترشوا العراء لأجلها. هم الذين ما عرفوا العيش خارج حدودها. هم الذين عندما جاؤوها ركاماً بعد 33 يوماً من الغربة، أخذوا يعدّون حجارتها واحدًا واحدًا: “هنا كان منزل فلان”، “في هذه الفسحة لعبنا صغارا”، “عند هذه الزاوية كان دكان فلان”، “هنا وهنا…”.
هم الذين استقبلوا النصر فوق الدمار، هم الذين أذهلوا العالم بصلابة قولهم “فدا اجرك يا سيّد”.. هم أهل الضاحية.
الضاحية التي صنعت التاريخ القريب، الضاحية التي تعني المقاومة، الضاحية التي اجتمع العالم كله لسحقها، وما أخذ توقيعها.. هي ضاحيتنا التي نحب ونهوى..
نقلاً عن موقع العهد الإخباري