كتب عاموس يادلين | على حدودنا تتشكل 4 جبهات قا.بلة للانفجار
عاموس يادلين – لواء احتياط والرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية [“أمان”]
بعد كارثة “يوم الغفران” [حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973]، أشارت “لجنة أغرانات” [لجنة التحقيق التي تقصّت وقائع تلك الحرب] إلى سلسلة من الإخفاقات، وعلى رأسها عدم وجود إنذار استخباراتي، وكذلك الرؤية الاستراتيجية التي أدت إلى عمى لدى القيادة.
نتائج “لجنة أغرانات” لسنة 2023، والتي سيتم تشكيلها بعد الكارثة التي تحدث أمامنا، ستكون أصعب بكثير؛ التحذيرات موجودة، جميع المسؤولين الكبار في أجهزة الأمن حذّروا، إلا إن بنيامين نتنياهو تجاهل “الأزمة المتصاعدة” بصورة مفاجئة، وهو المسؤول المباشر عن إخفاق 2023.
في الوقت الذي تنشغل الحكومة الإسرائيلية بالشؤون الداخلية، وبالانقلاب القضائي، تتشكل على حدودنا 4 جبهات قابلة للانفجار، وفي هذه الجبهات يكمن إخفاق 2023.
في حال اندلاعها، ستصل إليها إسرائيل وتكون كل أعمدة الأمن متزعزعة: الجيش متخبط وممزق من الداخل؛ انشقاقات وعدم وجود ثقة مع حليفتنا الأهم – الولايات المتحدة؛ الردع الإسرائيلي في الحضيض؛ الاقتصاد يتراجع وينهار بشكل حاد؛ الحصانة القومية تبدلت بفجوة عميقة، والشعور بالمصير المشترك والهدف المشترك تلقيا ضربة صعبة جداً.
يبدو أن رئيس الحكومة والوزراء المسؤولين فيها فقدوا صلتهم بالواقع، ويعيشون في وسائل التواصل الاجتماعي، وفي أوساط قواعدهم الانتخابية المشجعة.
إيران يمكن أن تقرر غداً الاندفاع إلى مستوى تخصيب 90%، وتنسحب من اتفاقيات عدم نشر السلاح النووي، وتعيد منظومة الأسلحة إلى العمل. أما السيد حسن نصر الله، فانتقل من مرحلة الخطابات الحماسية إلى “الأعمال الإرهابية” المباشرة ضد إسرائيل من لبنان، وهذا في الوقت الذي تمدّه قدرات الصواريخ، ومنظومات الدفاع الجوي التي نشرها في لبنان، وقوات “الرضوان” التي تهدد الجليل، والتصدعات الداخلية في إسرائيل، بثقة كبيرة بالنفس.
وفي سورية، لا تزال إيران تحاول مأسسة بنى عسكرية متطورة في مقابل إسرائيل، على الرغم من ضربات سلاح الجو ضدها.
أمامنا رمضان والفصح وأعياد الربيع، مع عدة جبهات فلسطينية يمكنها أن تنفجر في الوقت نفسه: القدس؛ الضفة الغربية؛ غزة؛ “المدن المختلطة” في إسرائيل؛ إلى جانب الجبهة الشمالية.
4 جبهات قابلة للانفجار في الوقت ذاته، وستؤدي إلى إخفاق 2023.
ومع هذه التهديدات من الخارج، لا تزال الحكومة وقائدها يُضعفان الجيش، الجدار الواقي لإسرائيل في مقابل الأعداء. عندما تدفع الحكومة بأزمة ثقة غير مسبوقة في أوساط وحدات الاحتياط، فسيخطئ مَن يعتقد أن الأزمة لن تصل إلى الجيش النظامي: منذ الآن، هناك تصدعات وأضرار لحقت بالجهوزية، وأضعفت قوة الردع.
عندما كنت رئيساً لشعبة الاستخبارات العسكرية، عملت مع نتنياهو. خلال سنوات حكمه، قاد إسرائيل إلى إنجازات مهمة، وساعد في بنائها كدولة قوية لها مكانة. كان حذراً من الدخول في حروب كبيرة، وحتى لو لم ينجح بالامتناع كلياً من القيام بحملات عسكرية، إلا أنه جاء بـ”اتفاقيات أبراهام”.
خطواته اليوم، تضع إرثه خلال الأعوام العشرة الأخيرة في خطر، والسؤال: لماذا؟ من أجل الحريديم المتهربين من الخدمة، أم من أجل المتطرفين المسيانيين الذين يساهمون في التصعيد ويسعون للضم، أم من أجل الحاقدين الذين يريدون السيطرة على النظام القضائي وهدم الديمقراطية الإسرائيلية؟
وزراء الحكومة الذين لا يملكون أي خبرة دولية، يُلحقون بإسرائيل ضربات حرجة في العالم، كما يوزعون الهدايا الثمينة لحركة الـ BDS وكل كارهي إسرائيل. مخزون الشرعية لدى إسرائيل يتضاءل بسرعة، والدعم الذي تحصل عليه حتى من الأصدقاء في الولايات المتحدة ينهار. يبدو أن هناك وزراء في الحكومة لا يعرفون أهمية ضرورة دعم الغرب لإسرائيل، وعلى رأسه الولايات المتحدة، في أوقات الهدوء، والمؤكد أيضاً في أوقات الحرب. بنيامين نتنياهو يعلم ذلك جيداً، لكنه يمتنع من دعوة الكابينيت [المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية – الأمنية] إلى اجتماع منذ شهر، ولا يسمح لأعضاء المجلس بالحصول على صورة عامة منظمة لإسقاطات ما تقوم به الحكومة.
رئيس الحكومة أكد خلال خطاباته باللغة الإنكليزية، أنه هو مَن سيوجّه السفينة، وأن يديه على المقود.
هنا بالعبرية، السفينة تنجرف نحو صخور الواقع، ويبدو أن الوضع من دون قيادة كلياً. بتسلئيل سموتريتش يريد محو قرى، يدعم مَن يحرق هذه القرى، ويخلق أزمات مع الأردن ومصر والإمارات، كما يتجاهل كل التحذيرات من الخبراء في مجال الاقتصاد. أما إيتمار بن غفير، فيصبّ الزيت على النار الفلسطينية، وأعلن الحرب على الشرطة وقياداتها، وأيضاً على الجمهور ومَن يشارك في الاحتجاجات.
وزير العدل ياريف ليفين، يتجاهل إسقاطات التغييرات القضائية التي يقودها، ويتجاهل الضرر الذي سيلحق بقوة إسرائيل العسكرية والاقتصادية.
هكذا تبدو الحكومة التي تعيش في تصورها الخاص، عشية الانفجار. جميع أصوات الإنذارات الصاخبة، وجميع مصابيح التحذير المضيئة موجودة، لكن الحكومة تستمر في طريقها، وتسير بسرعة إلى حافة هاوية الواقع.
في نهاية المطاف، فإن المسؤولية تقع على رئيس الحكومة، هو مَن سيحاكمه التاريخ. نتنياهو يريد أن يكون كتشرشل الإسرائيلي الذي أوقف إيران، ويسعى لجائزة نوبل للسلام، بعد أن يضم السعودية إلى “اتفاقيات أبراهام”. لكن إذا استمر في المسار الحالي، فسيحصل على مقعد إلى جانب غولدا مئير في صفحات التاريخ، وهي التي ترتبط أكثر من أي شيء آخر – بكارثة إخفاق “يوم الغفران”.
نتنياهو لا يمكن اتهامه بأنه لا يفهم حجم الضرر الجدّي الذي يلحق بالأمن القومي: بالعلاقات مع واشنطن التي لم يُدعَ إليها حتى اليوم؛ بأربع جبهات قابلة للانفجار حولنا؛ بالضرر الذي سيلحق بالاقتصاد؛ وباستمرار تراجُع الشعور بالأمان الشخصي، إلى جانب غلاء المعيشة والانقسام الآخذ بالتوسع داخل المجتمع الإسرائيلي، الذي بدأت تظهر فيه بعض مظاهر العنف الأولية. إذا كان رئيس الحكومة مهتماً بمستقبل إسرائيل ومكانته في التاريخ، عليه أن يوقف المعركة التي بادروا إليها في الحكومة لزعزعة أساسات بيتنا القومي، وأن يسمح لإسرائيل بالتركيز على عاصفة التهديدات التي تهددنا من الخارج.
إن الخيار في يده: تشرشل أو غولدا.