كتبت ليندا حمّورة | الحقيقة التائهة بين مطرقة السياسة وسندان القضاء ..
ليندا حمّورة | كاتبة في الشؤون السياسية
تستند دائمًا أركان الدول على ركائز أساسية من أولوياتها مؤسسات الدفاع والتشريع ثم القضاء تليها مؤسسات السلطات التنفيذية، أما ونحن أمام حالة خاصة للوضع اللبناني ككل وحالة القاضية عون على الحد الأهم من الخصوص، حيث بات الجميع يتحدث عن منظومة الفساد التي طالت كافة أركان الدولة، الأمر الذي جعل صوت الباطل يصم آذان الجميع فلم نعد نسمع سوى ضجيج الشكاوى وحناجر المكلومين على أعتاب المصارف. فهل ستستطيع غادة عون أن تكون عوناً لاسترداد حقوق المودعين؟
بغض النظر عن سلوك القاضية وما اعتدنا عليه منها فهي اليوم سلكت طريقًا ثوريًا ولكنها لم تلقَ دعمًا أبدًا إن كان من الثوار أو من المجلس القضائي الذي سدّ في وجهها جميع الطرق واعترض المفارق ولم تجد سبيلًا للدعم. خصوصاً أنها جوبهت بتصدٍ كبير من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يليه وزير الداخلية بسام مولوي، ولكنهما لا يعرفان بأن هذه القاضية لا تقف في وجه الفساد إنما ستحاربه بشتى الطرق فغردت على حسابها الخاص على تويتر ردًا على الوزير المولوي قائلة: “تدخل غير مسبوق في عمل القضاء، ومناصرة من قبل وزير الداخلية للفريق المدعى عليه على حساب الجهة المدّعية. أمعقول وحضرته كان قاضيًا؟ نصف الشعب اللبناني حرم من جنى عمره ورزقه ومدخراته ألا يعنيك ذلك؟ كيف تسمح لنفسك التدخل في مسار الدعوى؟” وأضافت :”هذا انهيار كلّي للعدالة في هذا البلد المسكين”.
للأسف القضاء في لبنان مغلول اليد سياسيًا ومحاربة الفساد ما هي الا بروباغندا تستخدمها الأحزاب السياسية لمصلحتها للتغطية والاتهام السياسي والتفجير السياسي وليس لمصلحة الشعب اللبناني نهائيًا، سيظل الفاسد فاسدًا والمؤسسات فاسدة، ففي النهاية لا مصلحة لأحد في محاربة الفساد إنما هي فقط شماعة للتناكف السياسي.
وإذا أردنا الغوص في حقيقة الادعاءات وشرعيتها سنذهب معًا إلى قانون السرية المصرفية ومتى اعتمده لبنان ويأتينا الجواب:
اعتمد لبنان السرية المصرفية بموجب القانون الصادر بتاريخ 3 أيلول 1956، مع وجود المادة 579 من قانون العقوبات التي تعاقب على إفشاء الأسرار من قبل الأفراد الذين يعلمون بها بحكم وضعهم أو وظيفتهم، أو مهنتهم أو فنهم، من دون أن يكون هناك سبب شرعي أو استعمال لمنفعة خاصة أو لمنفعة أخرى. ولكن هذا لا يمنع من وجود حالات ترفع فيها السرية المصرفية وذلك بموجب قانون صدر في ٣ أيلول سنة ١٩٥٦ وصدر عنه ستة بنود نذكر منها بندين رئيسين:
- وجود دعاوى تتعلق بجريمة الكسب غير المشروع (المادة 7 من قانون السرية المصرفية).
- الاشتباه في استخدام الأموال لغاية تبييضها، وعندها ترفع السرية المصرفية بقرار من هيئة التحقيق الخاصة لمصلحة المراجع القضائية المختصة والهيئة المصرفية العليا، وذلك عن الحسابات المفتوحة لدى المصارف أو المؤسسات المالية، ووفق الفقرة الثانية من البند 4 من المادة 6 من القانون الرقم 318/2001 المتعلق بمكافحة تبييض الأموال.
اليوم نشهد أكبر معركة مصرفية قضائية سياسية بقيادة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وبمساندة كبيرة من رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود ووزير الداخلية بسام المولوي للإطاحة بالنائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون. أما أسباب المعركة فتعود للملاحقة القضائية لعدد من المصارف المتهمة بتبييض الأموال والإثراء غير المشروع، سبعة مصارف طلبت القاضية عون رفع السرية المصرفية عنها، خمسة منها استجابت للطلب فيما امتنع مصرفان عن رفع السرية، وهذا ما دفع بالقاضية عون للإدعاء عليهما. وما إن تحرّكت عون قضائيًا حتى بادرت جمعية المصارف بإعلان الإضراب لأجل غير مسمى.
وعن مصدر موثوق علمنا بأن المصارف ستعلن فتح أبوابها اعتبارًا من نهار الإثنين ولمدة أسبوع لتسيير شؤون رواتب موظفي القطاع العام، ومن بعدها ستعود إلى الإقفال.
مشكلتنا الحقيقية أننا نعيش اليوم صراعًا سياسيًا تتفشى عواقبه على الساحة القضائية، ويقابله صراع آخر بين الشكل الإجرائي ومضمون القوانين، فهل المشكلة تكمن في الإجراء القانوني، أو في غايات القانون؟ وهل ظرف لبنان يسمح بالتستّر على الفساد لمجرّد التمسك بشكليات قانونية خصوصًا وأنّ القضاء بمجمله مسيّس؟
محاربة الفساد ليست عملية سهلة بل هي إنجاز كبير وخصوصًا في بلد كلبنان، حيث لا قواعد عامة ومجردة يتم التعامل بها، ولا قضاء نزيهًا لأن السياسة لعبت دورها في تشويه القوانين والأنظمة. فكل فساد بغضّ النظر عن مصدره أو موقع صاحبه وممارسته يجب أن يكون أمام القضاء الخالي من التسييس. يظل الفساد هو الرافد الأكبر والمساهم الأول في سقوط الدول وذوبان المؤسسات بين سيل عرم يقودها إلى الهاوية، منذ نشأة الخليقة ومنذ أن بعث الله خليفته في الأرض والعدالة تحط أركانها مهما تخيل المارّون أنها قد رحلت، قد تمرض العدالة يومًا لكنها أبدًا لا تموت.
وختامًا إن ما يحصل في لبنان اليوم يشبه سياسة الباب الدوّار يدخلون ويخرجون ويدورون ولكنهم جميعًا يبقون في المكان نفسه. إنها دوامة الفساد.
المصدر | https://www.sabahelkheyr.com/?p=3353