خطاب للعقل السياسي لدى أحزاب السلطة والمعارضة الوطنية في سورية
الدكتور حسام الدين خلاصي | رئيس الأمانة العامة للثوابت الوطنية في سورية
لقد أفرزت الحرب على سورية من ضمن التغيرات العميقة التي حصلت أشكالاً متعددة وأساليب مختلفة من العمل السياسي والمجتمعي الوطني، والتي جاءت كرد فعل طبيعي لتطورات هذه الحرب وللأشكال الغريبة والهجينة التي طفت على السطح من أنماط العمل السياسي المرتهن للخطط الخارجية ولأهداف غير وطنية.
ومن أهم هذه الأشكال الوطنية الجديدة الواضحة :
• نشأت المعارضة الوطنية الداخلية وبأهداف وطنية وقدمت نفسها بصور عديدة وتحالفات محلية عديدة ولعبت دوراً وطنياً مميزاً في التصدي للمعارضة الخارجية المرتهنة لإرادات الدول المعتدية ولعملائها في الداخل .وهذه المعارضة الوطنية وبعد جهد بذلته في أن تكون ممثلة في كل مؤتمرات الحوار الداخلي والخارجي منذ جنيف واحد وما تلاه وصلت لأعلى سلم عملها السياسي في أن تنافس على مقعد رئاسة الجمهورية في الاستحقاق الرئاسي وحجزت لنفسها مكاناً مديداً ومنطقياً في الخارطة السياسية السورية الوطنية.
• أيضاً أفرزت الحرب كتلاً جماهيرية شعبية مختلفة عملت في إطار خدمي ومجتمعي وشكلت نواة للمجتمع المحلي والأهلي في صورة تضامنية بعيد عن إطار المنظمات والنقابات والتنظيمات السياسية المعهودة والتي لم يكن دورها واضحاً لسد الفراغ الذي ملأته هذه الكتل الجماهيرية بعفوية واندفاع.
• الحرب أيضاً أفرزت المجتمع المدني الوطني والذي تبنت مشروعه الوطني السياسي الأمانة العامة للثوابت الوطنية في سورية كهيئة مدنية مستقلة وبتمويل ذاتي ووطني بحيث وضعت الأمانة ركائزه وأسسه خلال سنين الحرب وتوسعت فروعها في كل محافظات القطر ، وبذلك ردت الأمانة على مصطلح روجت له الأمم المتحدة وهو المجتمع المدني المستورد والذي أقحم في اللجنة الدستورية ،وبات مصطلح مجتمع مدني وطني عبارة مألوفة وترددت بقصد واع ٍعلى لسان رأس الهرم السياسي في سورية وأقصد رئيس الجمهورية العربية السورية عندما أشار في أكثر من مرة بضرورة التعاون مع المجتمع المدني في سورية .
وأمام هذا المشهد فإننا نجد المنعطف السياسي الحالي الإيجابي والذي يخبرنا عن حالة صحية حوارية دائمة والتي يرعاها سيادة الرئيس بين أحزاب السلطة وأطراف المعارضة الوطنية وهو طلب ملح وعاجل من أجل الإصلاح السياسي المنشود وعملية البناء والعمل بالشراكة، ولكن …….
كيف تتلقف أحزاب السلطة والمعارضة الوطنية هذه التوجيهات وهذا المسار ؟
كيف سيكون التفاهم بينهما في ظل عدم التكافؤ ؟
وهل سيحصل تناغم وتفاهم وتقاسم بينهما ليبقى الشعب بين الرغبتين السياسيتين يراوح لأن التجربة جديدة على الشارع السياسي السوري ؟
وهل سيكتفي الطرفان بالشراكة والحوار بينهما وهل سيفكران بضرورة التنوع في الحوار الوطني ؟
من هنا يجب التنويه إلى أن المجتمع المدني الوطني الذي تشكل في ظروف الحرب ومثلته الأمانة قولاً وفعلاً يعاني من عدة أمور وهي :
– الفهم المغلوط والمشوه والمستعجل من قبل غالبية العامة والخاصة السياسية في السلطة والمعارضة حول المجتمع المدني .
– انعدام كلي للمنبر الإعلامي للمجتمع المدني الوطني لتوضيح رسالته السياسية والوطنية .
– انعدام فرص التمويل الحكومية له في ظل غياب تشريع مناسب في قانون الأحزاب أو غيره .
– النظر للمجتمع المدني الوطني على أنه منظمة مشبوهة وذلك للدور السلبي والمشبوه الذي لعبته منظماته المستوردة لسورية قبل الحرب وخلالها ، وعدم إتاحة الفرصة له لتوضيح الفرق بين الوطني والمستورد .
من هنا يجب يستوجب التوضيح :
إن المجتمع المدني الوطني الذي تسعى وسعت إليه الأمانة العامة للثوابت الوطنية في سورية قولاً وعملاً يرتكز على مايلي :
1- على ماورد في بيانها التأسيسي الموقع والمعلن منذ بداية 2013
2- على أن اتساع فكرة المجتمع المدني الوطني يمكن أن تضم في طياتها الأحزاب بمختلف توجهاتها والجمعيات والنقابات والأندية وتيارات المستقلين…. إلخ.
3- على أن عناصر المجتمع المدني الوطني يتواجدون في مختلف التيارات السياسية والاجتماعية ولكن ذلك لايبرر لأي طرف أن يدعي بأنه يحتوي عناصر المجتمع المدني وبالتالي يطوي صفحة هذا المجتمع وكأنه عنصر تجميلي فمثلاً كأن نشاهد معارضاً يمثلنا في قائمة المجتمع المدني في اللجنة الدستورية فهذا من الموبقات السياسية والقفز بين الحبال وبالتالي يجب أن يكون للمجتمع المدني تمثيله الحقيقي في كل النشاط السياسي.
4- على أن الأمانة تؤمن بأن المجتمع المدني الوطني فصيل سياسي مستقل ( هيئة مدنية مستقلة غير حكومية ) عن أحزاب السلطة والمعارضة وهو فصيل يبتعد عن الرمادية كما يصور البعض من أحزاب المعارضة والسلطة إنما هو يقف كجسر تواصل بين الطرفين ، وكمراقب وطني لتصرفات الطرفين في الصواب والخطأ وناقد للأخطاء ومشارك ومحفز في الإيجابيات الوطنية .
5- على أن الأمانة لاتؤمن بالحيادية وتعتبر المجتمع المدني الوطني هو الساق الثالثة في المثلث السياسي السوري وهي شريك في العملية الوطنية وعلى طرفي الحكم ( أحزاب السلطة والمعارضة الوطنية ) التعاون مع المجتمع المدني السوري الوطني لمصلحة الشعب والحياة السياسية التكاملية في سورية .
6- على أن الأمانة تؤمن بضرورة عقد مؤتمر وطني لرسم حدود المجتمع المدني الوطني ولاستنباط قانون ناظم لعمله بأسرع مايمكن.
7- إن التوافق بين أحزاب السلطة والمعارضة على الحوار هو أمر حيوي ومهم ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أن المواطنة في سورية لا تتمثل فقط بهذين النقيضين واللذين يمكن أن يتفقا على المصالح المشتركة في أماكن عديدة وتبقى الأمور معلقة بدون رقابة ، لذلك يجب وجود طرف وطني ثالث لايمتلك التطرف السياسي ويميل فقط للمصلحة الوطنية العليا بعيد عن المصالح الآنية .
8- على أن الأمانة وبفعل الزمن والاف النشاطات التي قامت بها منفردة و بالشراكة مع تيارات سياسية ومجتمعية في سورية أثبتت ترسيخ ضرورة فكرة المجتمع المدني الوطني وانتشارها وقبولها شعبيا .
9- على أن الأمانة لاتعتقد أن مصطلح حزب معارض هو مفهوم متوازن ومستقر ، لأن أي تواجد لممثل عن مايسمى الحزب المعارض في الحكومة تنتفي وقتها صفة المعارضة عنه ، وتفهم الأمانة أن هناك أحزاب من خارج الحكومة يمكن أن تعارض قرارات التكتل الحكومي شأنها شأن أي تيار سياسي ولكن تسميتها لاتكون أحزاب معارضة !
لذلك في الختام نتوجه من الأمانة العامة للثوابت الوطنية في سورية بخطاب للعقل السياسي الوطني بكل جدية في السلطة والمعارضة بأنه آن الآوان بأن يكون هذا العقل جامعاً شاملاً لكل أشكال العمل السياسي الوطني وعدم استبعاد أي فكرة أو تيار كبر أم صغر فالغاية النبيلة هي مصلحة الوطن ، وترى الأمانة أن مصلحة الوطن هي في الحوار بين الجميع وإلغاء فكرة إقصاء أي مباردة وطنية جادة وجديدة لتبقى سورية متجددة .
نعيش ونقاوم لتنتصر سورية