قراءة في زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي “سوليفان” إلى الكيان الصهيوني
حيّان نيّوف | كاتب وباحث سوري
في ختام زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي “جيك سوليفان” إلى الكيان الإسرائيلي ، والتي خصصت لمناقشة الملف النووي الإيراني ومفاوضات فيينا التي ستستأنف الإثنين المقبل ، الزيارة سبقتها تسريبات تتحدث عن خلاف أميركي اسرائيلي حول الموقف من مفاوضات فيينا ، وكان من جملة هذه التسريبات “رفض الرئيس الأمريكي بايدن الرد على المكالمات الهاتفية لرئيس الوزراء الصهيوني نفتالي بينيت” ..
كان الملاحظ بعيد هذه الزيارة تغير واضح في الخطاب السياسي والعسكري والإعلامي الإسرائيلي فيا يخص التصعيد ضد إيران ، هذا التغير بدأ واضحا عبر ثلاث نقاط رئيسية :
الأولى تمثلت بطلب رئيس حكومة الكيان من القادة الأمنيين والعسكريين التوقف عن اطلاق تهديدات متعلقة بالهجوم العسكري على ايران ومنشآتها النووي
والثانية تمثلت بتقرير سربه الاعلام الإسرائيلي نقلا عن أحد الضباط الأمنيين ” الذي رفض الكشف عن اسمه” ، التقرير كان صادما للرأي العام الإسرائيلي لجهة التبريرات التي قدمها حول عدم إمكانية وقدرة اسرائيل على مهاجمة إيران في الوقت الراهن ، التبريرات توزعت ما بين ( كثرة المنشآت النووية الإيرانية وانتشارها على كامل مساحة إيران وتحصيناتها الكبيرة ، و قدرات إيران الردعية والهجومية وامتدادها إلى دول محيطة بكيان العدو ، والحاجة الإسرائيلية إلى مزيد من الاستعداد والتجهيز العسكري والتقني ) ، التقرير تحدث أيضا عن عدم ضمان نتاىج الهجوم وانعكاساته ، وحاول التقرير القذف باللائمة على حكومات سابقة لتأخرها في تنفيذ هذا الخيار وتحديدا عندما طلب نتنياهو من وزير الدفاع الأسبق ” إيهود باراك” تنفيذ الهجوم قبل أن يلغي الاخير الخطة في اللحظات الأخيرة ويأمر بإطفاء محركات الطائرات الحربية الهجومية قبل إقلاعها ..
الثالثة تمثلت في تظهير وإعلان الموقف الإماراتي الرافض لمنطق الهجوم الإسرائيلي على إيران ، وهو موقف مفاجئ وكان يمكن للامارات أن تلتزم الصمت على الأقل حيال هذا الأمر ، ومن الواضح أنها على علم بفحوى زيارة سوليفان إلى تل أبيب ، وباتجاه سير الأمور في المنطقة وفيينا ، خاصة أنها تتمتع بعلاقات أكثر من وثيقة مع الكيان الإسرائيلي منذ توقيع اتفاق ابراهام ..
إن التبدل الحاصل في المواقف الإسرائيلية والأمريكية لا يمكن فصله عن مواقف أخرى صادرة عن الجانب الإيراني وعن ظروف دولية محيطة ، وعلى رأس هذه المواقف الاقليمية كانت المناورات الصاروخية الإيرانية التي شهدت إطلاقا متزامنا لجميع صنوف الصواريخ البالستية المرعبة لكيان العدو على أهداف مشابهة لمفاعل “ديمومة” ، وفي السياسة كان الاعلان الإيراني عن امتلاك إيران للوقود النووي وعدم حاجتها بعد الآن لاستيراده لتشغيل منشآتها كافة ، واللافت كان الموقف الايراني الواضح بأن إيران لن ترفع التخصيب إلى أكثر من 60% حتى لو فشلت مفاوضات فيينا لعدم حاجتها لذلك ، وفي السياسة أيضا كان ملفتا تصريح وزير الخارجية الإيراني إن الجولة الأخيرة لمفاوضات فيينا حققت تقدما مهما وأن الاوروبيين كانوا متعاونين ..
أما دوليا فالأزمة الأوكرانية التي أوصلتها الولايات المتحدة وبريطانيا إلى حد تكاد تتسبب معه بحرب طاحنة لا يعلم نتائجها ، وتبدو الغلبة فيها لروسيا على حساب الناتو والغرب ، وفي ظل ما سببته من ارتفاع أسعار الغاز إلى ما يقارب 1700 دولار / 1000 متر مكعب ، ما يعني مزيدا من الارهاق الاقتصادي لاوروبا ، فكيف هو الحال إذا تزامنت حربان معا ، أحدهما في الشرق الأوسط والأخرى في شرق أوروبا ؟!!
من الواضح أن الولايات المتحدة قرأت جيدا عواقب التصعيد الخطر في كلا الملفين ، وهو مالا تريده لادراكها أن هكذا انفجار جنوني ستكون نتاىجه أكثر كارثية عليها وعلى حلفائها و أكبر بكثير مما يمكن أن تحققه ..
قد لا تكون جولة مفاوضات فيينا القادمة هي الأخيرة ، لكن من المرجح أنها ستحقق شيئا ما أكثر وضوحا ..