كيفية تشخيص امراض القلب والشرايين في لبنان في زمن الإنهيار وفي نهاية العام 2021 ( الجزء الثاني)
د. طلال حمود |طبيب قلب وشرايين
كما ذكرنا في القسم الأول من هذه المقالة فإن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية و المعيشية أثرّت بشكلٍ كبير على واقع أمراض القلب والشرايين في لبنان، وأن ذلك جعل معظم طبقات المجتمع اللبناني غير قادرة على تغطية كلفة معظم الفحوصات والأعمال الطبية او الدخول الى المستشفيات من اجل الطبابة والعلاج والتي ارتفعت أسعارها بشكلٍ جنوتي وعشوائي. وقد تصاحب كل ذلك مع تدهور كبير في حالة القطاع الصحي والإستشفائي والصيدلي الذي تردّت خدماتها بشكلً خطير نتيجة نقص كبير في الأدوية المستوردة والمستلزمات وارتفاع اسعارها وهجرة معظم الأطقم الطبيبة والتمريضية الكفؤة وذات الخبرة والتجربة العريقة، للسعي للحصول على فرص عمل وظروف عمل افضل من تلك الموجودة في لبنان. كل ذلك سوف يكون له تداعيات كبيرة في المستقبل على صحة المجتمع اللبناني الذي سيدفع ثمناً كبيراً جداً نتيجة الأزمات الحاصلة والمُستفحلة منذ ثلاث سنوات والتي لا يوجد في الأفق القريب اي امل جدي لإيجاد حلول جذرية لها.
في هذه المقالة سنُكمل الحديث عن الطرق التشخيصية المُعتمدة عادة في تشخيص هذه الأمراض وسوف نتكلم بشكلٍ تفصيلي اكثر عن تكلفتها التي ارتفعت بشكلٍ جنوني مع كل الأزمات الاقتصادية والمالية و النقدية التي عصفت بلبنان والتي يعاني منها كما نعرف معظم افراد المجتمع اللبناني بكل طبقاتهم والتي يظهر أيضا أن هناك الكثير من التفاوت والتخبّط والإرتباك في التعاطي معها وادارتها من قِبل المستشفيات والمؤسسات الصحية القائمة بحيث يظهر ان هناك حالة ضياع كامل في تحديد أسعار كلفتها بسبب تقلّب اسعار الدولار وتعاميم مصرف لبنان المُتتالية التي ادّت في النهاية إلى رفع الدعم تقريباً كلياً عن معظم الأدوية والمستلزمات الطبية مما ادّى الى إرتفاع كبير وفوضى كبيرة في وضع اسعارها، في ظل غياب كامل لكل أجهزة المراقبة والمحاسبة التي تركت الكثير من المرضى فريسة جشع بعض الصيادلة واصحاب بعض المستشفيات واصحاب الشركات المستوردة للمستلزمات الطبية الذين استغلوا آلآم المواطنين وجني ارباح طائلة خلال كل المرحلة الماضية وحتى تاريخ اليوم على حساب جراحات وآلآم وانين وقهر وجيوب المرضى المُستضعفين والمتروكين لقدرهم في غالب الأحيان. ولكل ما تقدّم فإن الأرقام التي سأوردها حول تكلفة كل الفحوصات والعمليات الواردة ادناه في الظروف الحالية تبقى تقريبية وقد تحتمل الخطأ بسبب عدم وجود اسعر موحدة والتفاوت الكبير بين المتاطق والمستشفيات والأطباء بحسب ظروف كل منطقة؟!
ونحن نعرف ان تشخيص أمراض القلب والشرايين يمرّ بعدّة مراحل أساسية هي على الشكل التّالي:
1-معرفة عوامل الخطورة التي ذكرناها تفصيلياً في الجزء الأول من هذه المقالة والفحص السريري التفصيلي للمريض. وهنا يجب على طبيب القلب سؤال المريض بشكل روتيني ودقيق عن تاريخه المرضي والسوابق المرضيّة الطبيّة والجراحيّة التي تعرّض لها في السّابق وعن عوامل الخطورة المسبّبة لأمراض القلب والشرايين: عدد السجائر التي يدخنها يوميا”,والفترة التي دخّن فيها(عدد السنوات والأشهر) ومدى تعلّقه بالسيجارة, وجود طرق أخرى للتدخين مثل النرجيلة أو السيجار أو الغليون.وجود اصابات مُبكرة لأمراض القلب والشرايين في العائلة قبل سن ال 45 سنة عند أقاربه من الذكور وقبل سن ال 55 سنة عند أقاربه من النساء لأنّ ذلك يعرّضه للاصابة المُبكرة بهذه الأمراض، وجود حالات ارتفاع الضغط الشرياني او مرض السكري عنده وعند الأقارب ونوع هذا المرض والأدوية المُتناولة لعلاج هذه الأمراض، وجود ارتفاع في الذهنيات والنظام الغذائي المتّبع، نمط الحياة المُعتمد لناحية التمارين الرّياضية الدّورية وعدد الساعات التي يقضيها المريض في الرياضة أسبوعيا”. واخيراً الأمراض الأخرى المُصاحبة لمشاكل القلب مثل مشاكل الرئتين والكلى والكبد وغيرها.
بعد تدوين كل هذه المعلومات من المريض يأتي دور الفحص السريري وسؤال المريض عن الأعراض المُتعددة التي ذكرناها سابقا” ايضاً في مقالات اخرى وهي قد تكون على شكل ألم في أعلى القفص الصدري يمتد نحو العنق والبلعوم والفكّين أو الى الكتف والذراع الأيسر أو قد يكون هذا الألم بين الكتفين أو في الظهر أو أحيانا”في أعلى المعدة.وهو ألم يدوم لمدة تتراوح بين دقيقة الى خمس دقائق في حالة “الخناق الصدري المستقر” أو بين عشرة الى عشرين دقيقة في حالة “الخناق الصدري غير المستقر” أو أكثر من عشرين الى ثلاثين دقيقة في حالة الاصابة ب “ذبحة قلبية حادة”(إحتشاء في عضلة القلب).ويصاحب الألم في هذه الحالة الأخيرة حالة غثيان او وهن شديد مع تعرّق بارد مع تقيؤ ودوخة وخفقان في ضربات القلب مع امكانية هبوط كبير في الضغط الشرياني وغياب عن الوعي في بعض الحالات.وأحيانا” قد تكون الأعراض على شكل تعب شديد مع ضيق نفس عند الاجهاد أو حالة احتقان رئوي حاد مع صعوبة كبيرة في التنفس في الحالات المُتقدمة ويجب على الطبيب في كل الحالات قياس الضغط الشرياني وسرعة نبضات القلب ونمط التنفس (ضيق نفس في حالة الراحة)والبحث عن وجود تورّم في البطن والساقين أو في الأوداج(أوردة الرقبة). وكانت معاينة الطبيب في الماضي بحدود 70 الى 100 دولار اميركي وقد ارتفعت مؤخراً لتصبح. بحدود معاينة طبيب ما بين ال 200 الف وال 300 الف ليرة لبنانية واحياناً اقل في الأرياف والمناطق النائية وبين 300 و 500 الف ليرة لبنانية في المدن والمستشفيات الجامعية المعروفة والمشهورة
( تفاوت كبير وغير ثابت!؟).
2-تخطيط القلب EKG وهو مرحلة مُهمة جدا” للتشخيص ويُعطي فكرة دقيقة نسبيا” عن مكان الإنسداد في الشرايين التاجية للقلب وأهمية الذبحة القلبية وخطورتها وإنتظام او عدم إنتظم ضربات القلب ووجود تضخّم في عضلة القلب او امراض أخرى في هذه العضلة . وعادة” يؤخذ هذا التخطيط في حالة الراحة بعد ان يكون المريض قد استلقى وارتاح لمدة 5 الى 10 دقائق. وهناك علامات دقيقة تُساعد طبيب القلب في تحديد اوّلي للشريان المُصاب وأهميّة هذا الشريان لانّ الإشارات او العلامات الكهربائية التي ترسلها خلايا عضلة القلب التي تتعرّض للذبحة القلبية أو تتعرض للحرمان من وصول الدم بشكلٍ طبيعي تظهر على تخطيط القلب المُسجّل على سطح الجسم عن بُعد وتسمح للطبيب في أغلب الأحيان من تشخيص شبه دقيق للمرض.لكنّ هناك حالات كثيرة يكون فيها تخطيط القلب طبيعي مع بداية الأزمة القلبية ويتغير لاحقا” مع مرور الوقت. ولذلك يجب اعادة التخطيط بعد مرور ساعة,3 ساعات,6 ساعات,12 ساعة و 24 ساعة بعد دخول المريض الى المستشفى وكل يوم الى ان تستقر حالته نهائياً اثناء وجوده فيه خلال وجوده تحت المراقبة .ونشير هنا الى أنّ التّخطيط العادي للقلب لا يكشف سوى حوالي 30 بالمئة من حالات تصلّب الشرايين ولذلك يجب أن نعتمد على الفحوصات الأخرى وقد يكون تخطيط القلب طبيعي كلياً مع وجود ذبحة قلبية او حالة خناق صدري مستقر او غير مستقر ومن هنا ضرورة الإعتماد على تجربة الطبيب وعلى الفحوصات الأخرى . وقد كانت كلفة تخطيط القلب حوالي عشرين الى ثلاثين دولار اميركي قبل الأزمة اما اليوم فهي بحدود المئة وخمسون الف ليرة لبنانية او اكثر بحسب خبرة الأطباء وسمعتهم وشهرتهم وكونهم موجودين ام لا في مراكز جامعية مرموقة!؟
3- فحص خمائر خلايا القلب في الدم Cardiac enzymes test :وهي بروتينات تكون عادة” موجودة في داخل خلايا عضلة القلب وتلعب دور أساسي في انقباض هذه الخلايا العضلية. وفي الحالات العادية لا يوجد سوى كميات ضئيلة جدا”من هذه البروتينات في الدم، لكن مستويات هذه المواد تزداد كمياتها مع الوقت في حال حصول ذبحة قلبية او حال خناق صدري غير مستقر وكلما ازداد مستوى هذه الخمائر كلما ازداد خطر الأزمة القلبية والضرر الحاصل في عضلة القلب.لذلك فانّ قياس معدلها يسمح لنا بتشخيص دقيق لحالات “الخناق الصدري غير المستقر” حيث يكون هناك إرتفاع خفيف أو متوسط في خمائر القلب ولحالات الذبحة القلبية حيث يكون هناك ارتفاع كبير في هذه الخمائر. وكما في حالة تخطيط القلب فانّ معدلات هذه الخمائر قد تكون عادية في بداية الأمر ثم ترتفع مع مرور الوقت. ولذلك يجب اعادة قياسها كما في حالة تخطيط القلب لمرات متتالية بعد دخول المريض الى المستشفى.ومن أهم هذه الخمائر:بروتينات تسمى تروبونين Troponine test وغيرها وهي فحوصات تجري في المختبر عبر سحب الدم من الوريد وتأخذ حوالي 40 الى 60 دقيقة من الوقت لكي تصدر نتيجتها من المختبر. ولذلك على المريض أن يكون صبور وان ينتظر صدور نتيجة هذه الفحوصات واعادة تكرارها في حال لم يكن مستواها مرتفع في البداية كما ذكرنا لأنها قد ترتفع بعد 3 او 6 او 12 او 24 ساعة بعد الأزمة وفيما بعد في الأيام التالية. وقد تبقى مستوياتها مرتفعة لعدة ايام بعد الأزمة. اما كلفة هذا الفحص فهي حوالي فهي كانت في السابق تتراوح بين 20 و30 دولار اميركي بحسب نوع الأنزيم الذي نقيسه والتقنية المعتمدة في قياسه. وقد ارتفعت اسعار هذا الفحص بكل تأكيد خلال الأزمة الحالية.
4-فحص اجهاد القلب Stress test :وهو يهدف الى اجراء تخطيط للقلب في حالة اجهاد أي بعد تسريع القلب بواسطة ركض المريض على سجادة للركض (آلة رياضية)او على دراجة هوائية خاصة بهدف الوصول الى تسريع نبضات القلب الى مستوى يطلق عليه “منطقة الهدف”. وهي منطقة نحصل عليها من خلال المعادلة التالية أي أنّنا نطرح 220 من عمر المريض بالسنوات أي أنّه مثلا” اذا كان عمر المريض 60 سنة يمكنه في الحالات العادية أن تصل ضربات قلبه على الاجهاد الى 220-60=160 ضربة في الدقيقة دون أن يحصل عنده أي ألم في الصدر او أي تغييرات في تخطيط القلب او إضطرابات خطيرة في ضربات القلب او اي ضيق نفس. ونحن نهتم اكثر بأن لا أن تظهر على التخطيط على السرعة تغيرات تُشير الى حدوث نقص في تروية عضلة القلب وهي مؤشرات يعرفها جيدا” أطباء القلب ويراقبونها أثناء فحص الجهد عبر الشاشة التي يتابعون من خلالها تغيرات التخطيط مع قيام المريض بالركض على الآلة.ويعتبر ظهور ايّة علامات سريرية أو تخطيطية مُؤشر لوجود إنسداد في شرايين القلب.لكنّ فحص الجهد لا يعطي نتائج مضمونة سوى في 60 الى 70 بالمئة من الحالات عند الرجال وهو أقل دقّة عند النساء. ولذلك يجب استكماله بفحوصات أخرى في حالات الشكّ. ومن الممكن الإكتفاء به للعبور لعملية القسطرة او التمييل بشكلٍ مُباشر في حال كانت العلامات واضحة جدا” مثل ألم شديد مع ضيق نفس قوي أو غياب مفاجئ عن الوعي عند القيام بالجهد أو في حال وجود تغيرات خطيرة في تخطيط القلب أو اضطرابات خطيرة في ضربات القلب على الجهد.
وقد كانت كلفة هذا الفحص بحدود 100 الى 200 دولار اميركي او اكثر بقليل قبل الأزمة حسب المستشفيات واعتقد انها ارتفعت الى حدود ال 450 الف ليرة لبنانية او اكثر في المناطق النائية او في الأطراف بعد الأزمة وطبعاً اكثر بكثير في المستشفيات الجامعية المرموقة او عند بعض الأطباء المشهورين!؟.
5-الصورة الصوتية للقلب Cardiac echography + doppler :وهي فحص يشاهد فيه الطبيب حركة انقباض مختلف أقسام عضلة القلب وعمل صمامات القلب ومن المُمكن ان تعطي فكرة دقيقة عن أماكن وجود نقص في التروية أو عن الاماكن الميّتة من عضلة القلب، لانّ مختلف أقسام هذه العضلة تنقبض بشكلٍ طبيعي في حال وصول الدم اليها بشكل طبيعي عادة” ولكن حركتها تتباطئ أو تنعدم كليا” في حال وجود إنسداد مهم أو شبه كامل في أحد شرايين القلب. ولكل شريان من الشرايين التاجية للقلب مناطق مُعينة من العضلة هو مسؤول عن تغذيتها في الحالات العادية مع بعض الإختلافات البسيطة بين مريض وآخر. وعند وجود إنسدادات في هذه الشرايين تظهر العلامات التي ذكرناها في المناطق التي يتغذّى من هذه الشرايين.وهناك امكانية لإجراء هذه الصورة الصوتية على الاجهاد أو عبر حقن مواد معينة تسرّع من ضربات القلب مثل مادة ال”دوبيتامين” أو مادة “الدبيديرامول” وهي مواد تُسرّع ضربات القلب وتوصله الى منطقة الهدف التي تكلّمنا عنها في حديثنا عن فحص الحهد ( ذات المبدأ). وهي تضع القلب اذاً في حالة اجهاد مع تسرّع في ضربات القلب وتسمح لطبيب القلب بمعرفة الأماكن العضلية التي تشكو من سوء أو نقص تغذية في حالة الجهد او عند تسرّع ضربات القلب. هذه الفوصات يجب ان يجريها أطباء مُتمرّسون على هذا النوع من الفحوصات لأنّها تحتاج الى الكثير من الخبرة والتدريب وتبقى كثيرا” قابلة للتغيير بين طبيب وآخر لانّ تقدير و او قياس قوة انقباض العضلة يكون في هذه الحالة عبر العين المجرّدة التي تترك احيانا” مجال لسوء التقدير. وقد كانت كلفة الصورة الصوتية العادية قبل الأزمة حوالي 100 دولار اميركي والصورة مع إجهاد او حقن مادة لتسريع القلب حوالي 200 دولار واعتقد ان اسعارها تتفاوت بين المستشفيات حالياً بين 450 الى750 الف ليرة لبنانية او اكثر بحسب المناطق واهمية المستشفى وشهرة الطبيب ما الإشارة الى ان الصورة مع الإجهاد قد تكون وصلت كلفتها الى حدود مليون ليرة لبنانية.
6-تمييل القلب Coronarography or Cardiac catheterization : اي فحص تمييل شرايين القلب او القسطرة القلبية وهو الفحص الدقيق والأساسي الذي يعطينا فكرة أساسية عن وضع الشرايين التاجية للقلب.فهناك عادة” ثلاثة شرايين أساسية للقلب هي: الشريان الأمامي النازل والشريان الخلفي اللّذين ينبعان من النهر الكبير الأيسر ويغذيان القسم الأكبر من عضلة القلب الأيسر والشريان الأيمن الذي يُغذّي المنطقة اليمنى والسفلى من القلب. ولكل من هذه الشرايين فروع تختلف أهميتها و حجمها حسب كل مريض. هذا الفحص يجري عادة” من منطقة الفخذ(الشريان الفخذي) أو شريان المِعصم(الشريان الكعبري) وحيث يصل الطبيب بواسطة أنواع مختلفة من المسابر(جمع مسبر)وهو انبوب طويل الى داخل الشريان الأبهر الصاعد للقلب ويتم ادخال. المسبر في فوّهة الشريان التاجي ويحقن مادة ملوّنة (مُكونة من اليود) ويأخذ صور مُختلفة من عدّة زوايا لهذه الشرايين لمعرفة أماكن الإنسداد وأهميّتها.هذا الفحص يُعطي خارطة دقيقة لحالة شرايين القلب وبحدّد اهمية الاصابات الموجودة على الشرايين التاجية ونوعها وإنتشارها وخطورتها. ويسمح لنا بتحديد نوع العلاج الذي أصبح في عام 2021 ومنذ فترة طويلة جداً من الزمن ممكنا” في حوالي 70 الى 80 بالمئة من الحالات بواسطة عمليات التوسيع بواسطة تقنيات البالون والراسور التي سنتحدّث عنها لاحقاً.على أنّ الحالات الصعبة أو التي يوجد فيها تفرّعات وتكلّسات وإعوجاجات كثيرة تبقى من حصّة جراحة القلب التي تبقى الحلّ الأوحد المُتوفر حاليا” لحوالي 20 الى 30 بالمئة من المرضى الذين لا يمكن علاجهم بالطرق التدخلية وسوف نتحدث لاحقا” تفصيليا” عن هذه المواضيع. ونشير هنا انه ومنذ سنوات نشهد تقدّم لحصّة العلاجات التدخلية اي بواسطة البالون والروسور وتراجع كبير لنسبة المرضى الذين يتمّ علاجهم بواسطة الجراحة وهذا ما احدث ثورة كبيرة في هذا المجال نتيجة التطورات الهائلة التي حصلت في مجال تقنيات توسيع الشرايين بالطرق التدخلية منذ حوالي 15 سنة او اكثر وهي مستمرّة وفي تزايد. ونشير الى ان كلفة عملية التمييل للقلب كانت تتراوح قبل الأزمة بين 500 الى 1000 دولار اميركي قبل الأزمة الإقتصادية الخانقة ( اقل او اكثر بحسب المستشفى والطبيب!) وان تسعيرتها ازدات بكل تأكيد حالياً بشكلٍ متفاوت بين المستشفيات بحيث اصبحت التكلفة الحالية تتراوح بين ال 3 مليون و ال 9 مليون ليرة لبنانية بحسب تعرفة كل مستشفى وطمعها وجشعها والتسعيرة التي قد يطلبها الطبيب ككلفة شخصية له. ويوجد مستشفيات تتقاضى السعر بالدولار الأميركي (الكاش فقط) بسعر قد يصل الى 700 او 800 دولار اميركي او اكثر؟!
في النهاية,هناك أيضا” فحوصات تشخيصية أخرى مثل التصوير الطبقي المحوري للقلب، التصوير بواسطة الرنين المغناطيسي للقلب والتصوير النووي للقلب ولكنّها فحوصات تبقى مُتخصّصة جدا” وتحتاج الى مراكز جامعية والى أطباء أشعة مُتمرسين على هذا النوع من الفحوصات وكانت كلفة هذه الفحوصات هي حوالي 500 الى 1000 دولار قبل الأزمة بحسب كل فحص. واعتقد ان اسعارها ارتفعت بذات المستوى الذي ارتفعت فيه تكلفة عمليات التمييل ( لا يمكن تفصيل جدول الأسعار لأن ذلك بحاجة الى دراسة ميدانية في مختلف مستشفيات بيروت وفي المناطق ولأن اسعار الدولار تتغيّر بين اسبوع وآخر واخياناً في ذات اليوم!؟).
وفي ما خصّ التصوير الطبقي المحوري والبحث عن “تكلّسات في الشرايين التاجية للقلب”، لا بدّ أن نشير الى أنّ هذا الفحص مُتوفّر حاليا” في عدة مستشفيات في لبنان ومنذ عدة سنوات، ولكنه لا يغني عن التمييل لانّ وجود تكلّسات قويّة او إنسدادات شريانيية على هذا الفحص يعني أنّه على المريض أن يخضع للتمييل من أجل العلاج، لأنّ التصوير الطبقي المحوري لا يسمح حتى تاريخ اليوم بإجراء علاجات تدخّلية في شرايين القلب وكذلك بالنسبة للتصوير بالرّنين المغناطيسي. ولا يمكن لنا أن نُطمئن المريض كليا” عندما يخضع لصورة التصوير الطبقي المحوري الّا في حال كانت هذه الصورة طبيعية أو شبه طبيعية 100 بالمئة. وفي الحالات الأخرى يجب أن يخضع المريض للتمييل للتاكّد الفعلي من حالة الشرايين.